كريتر نت – متابعات
تسعى مجموعة بريكس لبناء تكتل عالمي ونظام مالي ونقدي جديد يوازي التحالف الرأسمالي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن المساعي تعترضها عقبات كبيرة تحول دون بناء نظام مالي موحد، أو بناء عملة واحدة لدولها، بسبب التباين في اقتصاداتها.
واتفقت مجموعة بريكس التي تجمع عددا من الدول النامية الساعية لمواجهة الولايات المتحدة والغرب خلال قمتهم في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي على قبول ست دول جديدة هي الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقد يجعل الأعضاء الجدد من مجموعة بريكس قوة كبرى في مجال السلع الأساسية، حيث توفر نسبة كبيرة من الصادرات العالمية من النفط والذرة والقمح.
ويمثل تجمع بريكس (الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) الآن 40 في المئة من سكان العالم وستزيد النسبة حين تنضم البلدان الأخرى في 2024.
ودعا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا دول بريكس خلال القمة إلى إنشاء عملة مشتركة للتجارة والاستثمار للحد من هيمنة الدولار. وأشارت وسائل الإعلام الحكومية الروسية خلال الأيام التي تلت تصريحه، إلى أن العملة المشتركة ستمكن من خفض قيمة الدولار والنفوذ الاقتصادي الأميركي.
وذكر الزميل البارز في مركز هاتشينز للسياسة المالية والنقدية التابع لمعهد بروكينغز جيان ماريا ميليسي فيريتي لإذاعة “أوروبا الحرة” في مقابلة يوم 29 أغسطس أن أعضاء بريكس يمكن أن يحرزوا تقدما في خفض حصة الدولار في تجارتهم الثنائية، لكن سيصعب عليهم الابتعاد عنه بصفته عملة احتياطية لسهولة شرائه وبيعه.
جيان ماريا فيريتي: إنشاء عملة مشتركة لمجموعة بريكس لا يتمتع بالمصداقية
وقال ميليسي فيريتي الذي شغل في السابق منصب نائب مدير إدارة الأبحاث في صندوق النقد الدولي، إن احتمال إنشاء عملة مشتركة لمجموعة بريكس لا يتمتع بالمصداقية.
وسلّط الضوءعلى التباينات الواسعة في هيكل اقتصادات الأعضاء، وفي مستوى تنميتها، وفي انفتاح أسواقها المالية، وفي إدارة عملاتها.
وقال إن سيناريو تلاشي هيمنة الدولار في المستقبل سيكون إذا حدث مرتبطا بسوء إدارة الاقتصاد الأميركي، مثل العجز المتضخم، وليس بسبب جهود مجموعة بريكس.
وقارن الزميل في مركز هاتشينز بين مجموعة بريكس الموجودة منذ حوالي من 13 عاما بمجموعة السبع، وقال إنه من وجهة نظره كانت مجموعة بريكس حتى الآن منتدى لبعض أكبر الاقتصادات الناشئة وليس كيانا منظما يتمتع بوجهات نظر مشتركة كاملة حول أساسيات الاقتصاد.
ورأى أن هناك عناصر مشتركة بارزة بين هذه البلدان. ولكن الاختلافات الجوهرية موجودة في هيكل الاقتصادات، وفي مستوى التنمية، وفي السياسة، وفي كثير من النواحي.
وتتجاوز هذه الاختلافات تلك الموجودة داخل مجموعة السبع التي تتبع بلدانها مجموعة مشتركة من القيم الإجمالية، وهيكلا عاما مماثلا للاقتصاد، ومستوى مماثلا من التنمية.
وتبقى بعض الدول الأعضاء بطبيعة الحال أكثر ثراء من الأخرى، ولكن التجانس أكبر في مجموعة السبع من مجموعة بريكس.
وبشأن إمكانية أن يجعل توسع مجموعة بريكس المنظمة أقوى من ذي قبل، لا يرى ميليسي فيريتي أن ذلك سيجعلها أكثر تجانسا.
توسع مجموعة بريكس سيضيف ما يزيد على تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي، لكن الاختلافات في البنية والتحديات الاقتصادية هائلة
وأشار إلى أن التوسع سيضيف ما يزيد على تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي، لكن الاختلافات في البنية والتحديات الاقتصادية هائلة.
وعلل رأيه بالإشارة إلى الأرجنتين التي تكافح تضخما مرتفعا للغاية وتواجه وضعا دراماتيكيا في الميزانية، والسعودية التي تشتري أغلى لاعبي كرة القدم في العالم وتسجل مستوى دخل مرتفعا جدا للأشخاص المولودين في المملكة.
ويربط السعوديون عملتهم بالدولار، بينما تفرض الأرجنتين ضوابط على رأس المال وتتحكم بشكل كبير في سعر الصرف، فيما يشهد بعض الأعضاء الآخرين مثل البرازيل تعويما.
وحول الادعاءات الروسية حول تراجع النفوذ الاقتصادي العالمي الأميركي، يرى نائب مدير إدارة الأبحاث السابق في صندوق النقد الدولي أن دليل التراجع غير موجود بالنظر إلى حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويضيف أن الاقتصادات الناشئة سجلت نموا أسرع من الاقتصادات المتقدمة في المتوسط، ولعبت الصين والهند دورا كبيرا في ذلك، مما رفع حصة هذه الاقتصادات من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بتلك التي تسجّلها مجموعة السبع ولكن هذا يرجع إلى الصين والهند، وليس إلى روسيا التي كان معدل نموها متواضعا جدا لسنوات.
كما لا يرجع إلى جنوب أفريقيا التي تعاني من مشاكل اقتصادية هائلة، ومن انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
سيناريو تلاشي هيمنة الدولار في المستقبل سيكون إذا حدث مرتبطا بسوء إدارة الاقتصاد الأميركي، مثل العجز المتضخم، وليس بسبب جهود مجموعة بريكس
ولا يرجع إلى البرازيل التي سجّلت معدل نمو متوسطا، مع بعض السنوات الجيدة، ثم ركودا رهيبا خلال 2015 – 2016. إن الاختلافات تتعدد في الأداء الاقتصادي.
ولكن بالنظر إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الأسواق المالية العالمية، فلا يوجد أي دليل على التراجع.
وكان أداء الشركات الأميركية (وخاصة المرتبطة بالتكنولوجيا) جيدا خلال العقد ونصف العقد الماضي أو نحو ذلك حسب القيمة السوقية لسوق الأسهم.
وإذا ركزنا على المدى القصير أكثر (التعافي من كوفيد – 19)، فسنرى أن أداء الاقتصاد الأميركي كان جيدا أيضا. وتحقق ذلك عبر الكثير من التحفيز.
وعن مواجهة عملة بريكس الموعودة للدولار كما تروج وسائل إعلام روسية، قال ميليسي فيريتي إن ذلك بعيد المنال.
وتسجل هذه البلدان أنظمة أسعار صرف مختلفة. وتجد الصين مترددة في التنازل عن أي جزء من سيادتها وسيطرتها على اقتصادها وأسواقها المالية. وبينما تنفح الصين تدريجيا، يعني تبني العملة المشتركة بعض عناصر السيادة المشتركة (مثل الموجودة في منطقة اليورو) في ما يتعلق بالسياسة النقدية. وهو أمر لا يتوقع حدوثه بسبب تفضيلات هذه البلدان.
ويتطلب إنشاء شيء مثل اليورو، أي عملة مشتركة حقيقية، الكثير من الإعداد، والكثير من أوجه التشابه بين البلدان. ومن غير المحتمل أن تتخلى هذه البلدان عن سيادتها النقدية لصالح سلطة مشتركة، أو بنك مركزي مشترك، أو مصدر مشترك للعملة، بسبب الاختلافات الصارخة في الاقتصاد والسياسة والتاريخ.
ويرى أن العملة المشتركة بالمعنى الحرفي للكلمة (التخلص من العملات الوطنية واعتماد عملة مشتركة) غير واردة أبدا.
إنشاء عملة مشتركة حقيقية يتطلب الكثير من الإعداد، والكثير من أوجه التشابه بين البلدان
وعندما ترتبط العملات ببعضها البعض، ستشهد ما يسمى بالصدمات غير المتماثلة التي تؤثر على دولة ما بشكل مختلف عن غيرها. وتعتبر أسعار الصرف بشكل عام وسيلة جيدة لامتصاص هذه الصدمات.
وإذا نظرنا إلى مجموعة بريكس وإلى مصدري السلع مقابل مصدري المواد المصنعة، فسنلاحظ درجة اختلاف كبيرة جدا.
وفي حال زيادة أسعار النفط بما يسعد روسيا والمملكة العربية السعودية، إلا أن الصين وجنوب أفريقيا والهند تشتري هذا النفط، مما يخلق صدمة كلاسيكية غير متماثلة.
وعندما ترتفع أسعار النفط، عادة ما يرتفع الروبل وتنخفض قيمة الروبية الهندية. ولا يمكن أن يحدث ذلك مع العملة المشتركة.
وعن حديث مجموعة بريكس عن استبعاد الدولار من التجارة الثنائية يرى ميليسي فيريتي أن هدف تقليل الاعتماد على الدولار هو أمر أكثر مصداقية على مستوى النوايا. لكن كيفية تحقيق ذلك تضع علامة استفهام كبيرة.
ومن الممكن رؤية بعض التآكل في دور الدولار في التجارة الدولية. ولكن هذا يختلف عن تبني إستراتيجية مالية تتجنبه تماما.
وبشأن أفضل ما يمكن أن تحققه مجموعة بريكس يقول ميليسي فيريتي إن الأدلة تتعدد على أن المزيد من التكامل يمكن أن يساعد في التصرف الفعال في الموارد. وسيكون خفض الحواجز التجارية بين الدول الأعضاء لذلك مفيدا.
عندما ترتبط العملات ببعضها البعض، ستشهد ما يسمى بالصدمات غير المتماثلة التي تؤثر على دولة ما بشكل مختلف عن غيرها
ويمكن النظر في بعض جوانب التكامل المالي أيضا، كتسهيل المعاملات المالية بين الدول الأعضاء. لكن احتمال جني أرباح كبيرة داخل المجموعة يبقى محدودا، لأنها تستهدف ما يفوق وزنها في التجارة (على مستوى السلع المصنعة بالنسبة إلى الصين وعلى مستوى السلع الأساسية بالنسبة إلى الآخرين). ولكن دور هذه الدول يبقى محدودا أكثر في الأسواق المالية.
ولذلك، فإن تقليل الحواجز التجارية، وتعزيز التكامل التجاري، ونقل التكنولوجيا يمكن أن تكون مفيدة.
وعمّا تستطيع الولايات المتحدة أو ينبغي لها أن تفعله للحفاظ على هيمنة الدولار، يقول ميليسي فيريتي إنه يجب الابتعاد عن الإدارة السيئة للاقتصاد الأميركي.
ويواجه العالم تحديات مالية هائلة قادمة في الولايات المتحدة مثل عجز الموازنة الكبير، ومن المتوقع أن يظل كذلك لسنوات، دون اتفاق كبير حول كيفية خفضه.
وسيتعين على الولايات المتحدة مواجهة هذه المشكلة في نهاية المطاف.
وليست الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تواجه هذه التحديات، لكن عدم التعامل معها في الوقت المناسب سيكون خطأ يمكن أن تؤثر تداعياته على وضع الدولار العام في الأسواق الدولية.
وتشمل الأساسيات التي تدعم دور الدولار كأصل وعملة آمنة صحة الاقتصاد، وصحة الأسواق المالية، والإدارة الجيدة للاقتصاد الكلي.