كريتر نت – متابعات
تصطدم إستراتيجية أوبك+ للحفاظ على الأسعار في مستوى مرتفع من خلال تخفيضات الإنتاج بصحوة النفط الصخري الأميركي، الذي يعمل على إحلال التوازن في الأسواق العالمية في معركة يبدو أنها ستستمر لفترة من الوقت حتى يتضح القائد الفعلي للقطاع.
وسجلت أسعار النفط خلال العام الماضي أعلى مستوياتها منذ عقود بعد وقت قصير من غزو أوكرانيا، مما دفع إدارة الرئيس جو بايدن إلى حث المنتجين الأميركيين وأوبك على زيادة الإنتاج بنسق أسرع للحد من تصاعد أسعار النفط.
لكن السعودية وحلفاءها في مجموعة أوبك+ فعلوا العكس وخفضوا الإنتاج لما بدأت أسعار النفط تسجل تراجعا.
وانزعجت الولايات المتحدة وأوروبا من تحدي الكارتل كما كان متوقعا، واتهمت إدارة بايدن السعودية بالتواطؤ مع روسيا ودعم حربها في أوكرانيا.
ويقول أليكس كيماني الكاتب المالي المخضرم في منصة “أويل برايس” الأميركية إنه يمكن لبايدن على الأقل أن يشكر حظه لأن قطاع النفط الصخري الأميركي استجاب إلى ندائه.
وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يصل إجمالي الإنتاج في الولايات المتحدة إلى 12.61 مليون برميل يوميا خلال 2023، متجاوزا نحو 12.3 مليون برميل يوميا المسجّلة في 2019 ونحو 11.89 مليون برميل يوميا المسجّلة العام الماضي.
وارتفع الإنتاج الأميركي من الخام بنسبة 9 في المئة على أساس سنوي مقوّضا بذلك جهود أوبك التي تحاول الحفاظ على الإمدادات منخفضة للتأثير على الأسعار.
ويعتقد كيماني أنه لا يوجد شك كبير في مدى قدرة النفط الصخري الأميركي على إبقاء أسواق النفط جيدة الإمداد وأسعار النفط منخفضة.
وحين أعلنت أوبك+ تخفيضات تصل إلى 6 في المئة من إنتاج 2022، قدرت ريستاد إنيرجي أن الإمدادات من خارج الكارتل عوّضت ثلثي تلك التخفيضات، وساهمت الولايات المتحدة في ذلك بالنصف.
وكانت توقعات خبراء الطاقة هبوطية بشكل عام بشأن المعروض من الخام الأميركي، ورأى الكثيرون أنه بلغ ذروته بالفعل.
وقالت بلومبرغ إن التوقعات تشير إلى تراجع في وتيرة نمو النفط الصخري الأميركي، وهو أحد المصادر القليلة للإمدادات الرئيسية الجديدة في العام الماضي رغم الأسعار التي تحوم حول 90 دولارا للبرميل، ما يمثل ضعف تكاليف التعادل لمعظم المنتجين المحليين.
واعتبرت أن الاتجاه سيحرم، إذا استمر، السوق العالمية من براميل إضافية من شأنها أن تساعد على تعويض تخفيضات إنتاج أوبك+ وتعطيل الإمدادات الروسية أثناء غزو أوكرانيا.
واستشهدت بلومبرغ بتعليقات من ريان لانس، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة كونوكو فيليبس، الذي قال إن “ارتفاع التكاليف ومحدودية العمالة والمعدات من المشاكل التي أعاقت جهود المنتجين الأميركيين الراغبين في زيادة الإنتاج بسرعة”.
وأشارت الوكالة أيضا إلى أن سبب التباطؤ الأكبر هو تغيير معظم شركات النفط الصخري الأميركية لتركيزها من النمو والتوسع إلى المزيد من الانضباط في رأس المال وإعادة المزيد من الأموال إلى المساهمين.
تحسين الكفاءة
لحسن الحظ بالنسبة إلى الصخر الزيتي، لا يعني تحسين الحفر وكفاءة الكلفة فقط القدرة على زيادة الضغط بمقابل أقل، ولكن أيضا القدرة على تحقيق ربح بأسعار نفط أقل بكثير.
وفقا لبنك جي.بي مورغان، انخفضت تكاليف الحفر والتكسير في الولايات المتحدة بنسبة 36 في المئة منذ 2014، مما أدى إلى انخفاض نقاط التعادل للعديد من المنتجين.
وحدد البنك على سبيل المثال أن زيادة الكفاءة تعني أن شركة إي.أو.جي ريسورسز المتخصصة في استكشاف وتطوير وإنتاج وتسويق الوقود الأحفوري، يمكنها أن تكسب من النفط بسعر 42 دولارا للبرميل اليوم بقدر ما يمكن أن تكون قد كسبته من 86 دولارا للبرميل في 2014.
وتفيد التقارير في المقابل بأن السعودية تحتاج إلى سعر 81 دولارا لبرميل النفط لتحقيق أهداف موازنة هذا العام.
وأعادت ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة تشكيل أسواق الطاقة العالمية. وكانت طفرته واحدة من أكثر قصص النمو المدهشة، منذ انطلاقها في 2008 إلى سرقة حوض بيرميان صفة أكبر حقل نفط منتج في العالم من حقل الغَوَّار في السعودية قبل عشر سنوات.
وقدرت رويترز أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط يزيد بما لا يقل عن 10 و11 مليون برميل يوميا عما كان يمكن أن يكون دون الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي.
ومع ذلك تكافح رقعة النفط الصخري مؤخرا لزيادة الإنتاج بسبب سلسلة من التحديات، بما في ذلك ضغوط المستثمرين لزيادة العائدات ومحدودية المعدات والعمال ونقص رأس المال.
وتراهن شركة إكسون موبيل العملاقة الآن على أن منتجي النفط الصخري يمكنهم مضاعفة الإنتاج من الآبار الحالية عبر استخدام تقنية تكسير جديدة.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، دارين وودز، الخميس الماضي في مؤتمر بيرنشتاين للقرارات الإستراتيجية “يوجد الكثير من النفط المتبقي في الأرض. وكان التكسير الهيدروليكي موجودا منذ فترة طويلة حقا، ولكن علمه غير مفهوم بشكل جيد”.
وكشف وودز أن إكسون تعمل حاليا في مجالين محددين لتحسين التكسير الهيدروليكي.
وتحاول الشركة أولا التكسير بدقة أكبر على طول البئر حتى تشمل العملية المزيد من الصخور النفطية. وتبحث ثانيا عن طرق لإبقاء الشقوق مفتوحة لفترة أطول لتعزيز تدفق النفط.
إعادة تنشيط الصخر الزيتي
9 في المئة نسبة ارتفاع الإنتاج الأميركي من النفط الخام خلال العام الجاري على أساس سنوي
لن تضطر الآبار الأميركية إلى انتظار إتقان إكسون لتقنياتها الجديدة. وتوجد بالفعل تقنية مثبتة للعودة إلى الآبار الحالية وتنظيم تكسير ثان عالي الضغط لزيادة الإنتاج.
ويعدّ التكسير عملية مصممة لإعادة تنشيط البئر بعد فترة أولية من الإنتاج، ويمكن أن يعيد الإنتاجية إلى معدلاتها الأصلية بالإضافة إلى إطالة فترة إنتاج البئر.
ويمكن أن تكون إعادة التكسير جرعة معززة للمنتجين بمنحهم زيادة سريعة في الإنتاج مقابل جزء بسيط من كلفة تطوير بئر جديدة.
ورغم أن التكسير ليس سائدا إلا أن هذه التقنية تشهد اعتمادا أعلى مع تحسن تقنية الحفر وتقادم حقول النفط بما يؤدي إلى تآكل الإنتاج، ومحاولة الشركات تحقيق المزيد بموارد أقل.
ووفقا لتقرير نُشر في مجلة بتروليوم تكنولوجي، يُظهر بحث جديد من حقل إيغل فورد في جنوب تكساس أن الآبار المنكسرة بهذه التقنية تستطيع التفوق على الآبار الجديدة رغم استفادتها من تصاميم أكثر حداثة.
ويقدّر التقرير كذلك أن حقل باكن الصخري بولاية داكوتا الشمالية يمتد على حوالي 400 بئر مفتوحة قادرة على توليد ما يزيد عن ملياري دولار إذا نجح تكسيرها.
ويبقى هذا التقدير قائما على كون أسعار النفط عند 60 دولارا للبرميل مقابل متوسط سعر النفط هذا العام البالغ 90 دولارا للبرميل.
ووفقا لكبير مسؤولي التشغيل غاريت فاولر، يمكن أن تكون التقنية أرخص بنسبة تصل إلى 40 في المئة من البئر الجديدة وتدفق النفط مرتين أو ثلاث مرات من الآبار القديمة.
مراحل العملية
يقول فاولر إن أكثر الطرق شيوعا تشمل وضع بطانة فولاذية داخل تجويف البئر الأصلية ثم تفجير الثقوب عبر الغلاف الفولاذي للوصول إلى الخزان. وتستخدم هذه العملية عادة نصف كمية الصلب ورمال التكسير مقارنة بالآبار الجديدة.
وتعدّ العملية منطقية في البيئة التضخمية الحالية. ففي أبريل الماضي كشفت شركة كالون للبترول المنتجة للصخر الزيتي في تكساس أن رمال التكسير وأنابيب الحفر وتكاليف العمالة زادت من تكاليف الإنتاج بنسبة 20 في المئة تقريبا على أساس سنوي.
واضطرت شركة كالون ومؤسسة هس اللتان تحفران في حقل باكن الصخري إلى زيادة ميزانيات الإنفاق الرأسمالي على التكاليف مع إضافة شركة كالون 75 مليون دولار إلى ميزانيتها الأصلية، بينما شهدت مؤسسة هس زيادة بقيمة 200 مليون دولار في إنفاقها.
وقال ستيفن إنغرام، نائب الرئيس الإقليمي في شركة هاليبرتون للتكسير الهيدروليكي، “ستسمح تقنيات مثل إعادة التكسير للصناعة بمواصلة استخراج النفط والغاز من هذه المكامن”.
وتكمن فائدة رئيسية أخرى في عدم تطلب عمليات إعادة التكسير تصاريح إضافية من الدولة أو مفاوضات جديدة مع مالكي الأراضي، كما أنها أقل إزعاجا للبيئة.
وقال مات جونسون، الرئيس التنفيذي لشركة استشارات الطاقة برايماري فيجين نتوورك، لرويترز “بالنظر إلى التضخم وقضايا سلسلة التوريد وارتفاع الأجور، يعد هذا وقتا رائعا لبدء البحث عن فرص إعادة التكسير”.
وكانت لإعادة التكسير أيضا معدلات استرداد أعلى. وخلال فعاليات مؤتمر تكنولوجيا الموارد غير التقليدية شارك الرئيس التنفيذي لشركة خدمة الطاقة المتكاملة، روبرت باربا، دراسة حالة من حقل إيغل فورد.
وحققت الآبار التي شملتها إعادة التكسير متوسط استرداد نهائي نسبته 13.2 في المئة مقارنة بمتوسط أولي نسبته 7.4 في المئة وسجّلته سبع آبار جديدة ذات تصميمات حديثة.
ويشير الاسترداد النهائي المقدر إلى الإنتاج المحتمل المتوقع من البئر أو الرواسب النفطية ويشمل الاحتياطيات المؤكدة والاحتياطيات المحتملة والاحتياطيات الممكنة.
ويقول مؤلفو التقرير إنه رغم مزايا التصميمات الحديثة المفترضة، يمكن أن تزيد إعادة التكسير من حجم الخزان المحفز “بما يتجاوز ما يمكن تحقيقه في بئر جديدة”.
ويرجع هذا إلى حقيقة أنه مع استنفاد الخزان وانخفاض ضغط المسام، تميل الكسور الجديدة إلى التحرك في اتجاه جديد وإتاحة الاستفادة من أجزاء لم يكن الوصول إليها ممكنا.