كه يلان محمد
كاتب عراقي
النظر إلى القرن العشرين في نصفه الثاني سيكشف لنا حتما الانتشار الواسع لتيارات اليسار في شتى أنحاء العالم، من الشرق إلى الغرب، قبل أن تشهد نهاية هذا القرن سقوطا مدويا وتراجعا كبيرا، ما يطرح أكثر من سؤال حول أفكار هذه التيارات وسبب انتشارها الكبير وانحسارها المفاجئ.
الأزمات التي تداهم العالم لم تنته مع الإعلان عن نهاية التاريخ وانتصار المعسكر الغربي وانهيار جدار برلين الذي كان يرمز إلى عهد الثنائية القطبية، ومن الواضح أن استسلام المجتمعات الواقعة في الأطراف لموجة العولمة قد جعل الواقع الإنساني على الأصعدة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية تابعا لنظام السوق.
وهذا يعني حسب تحليل المفكر المصري سمير أمين إعادة هيكلة الكيانات الواعدة كي تفيد عملية تنميتها استعجال التراكم في الاقتصاد المركزي القائد.
وبالطبع إن صاحب نظرية التطور اللا متكافئ محق في رأيه لأن كل ما لا يتوافق مع إرادة هذا النظام العالمي سيسحق ويتسلح الفاعلون في تصميم هذه البرمجة بمبادئ متنوعة، بدءا من حقوق الإنسان والديمقراطية وليس انتهاء بمحاربة الإرهاب وإعادة هندسة العقائد والأنظمة السياسية.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الإطار من الخطأ أن يكون عن نهاية هذا النسق المهيمن وموعد تهالكه أو تاريخ نفاد صلاحيته للإنسانية، لأن ذلك يقودك إلى الأوهام على الأغلب ويبعد بالعقل عن التفكير المنطقي.
إنما يجب لفت الانتباه إلى تصاعد الموجة اليمينية وحضورها الطاغي على المشهد مقابل انكفاء التيار اليساري الذي كان يتمدد بوتيرة سريعة إبان ثلاثة عقود من القرن الماضي قبل سقوط الاتحاد السوفيتي.
هل يكون التفسير لهذا التقلب في المعادلة أن ما تراه ليس إلا نتيجة لدورة التاريخ وشيخوخة اليسار العالمي؟ ألا يتناقض ذلك المنطق مع جوهر ما كان يدعو إليه ويؤكده أقطاب الفلسفة الماركسية بأن البشرية إذا نجت ولم تدمر نفسها عن طريق سوء استخدام العلم فإن المستقبل لن يكون إلا شيوعيا؟
جاذبية الفكرة
هنا ينبغي الإقرار بأن اليسار اتخذ مع التنظير الماركسي منحى تحليليا ولم يعد تيارا فوضويا يؤول مصيره إلى الحلول التلفيقية والمشاركة الصورية في الاحتجاجات والهبات الجماهيرية، كما غادر اليسار بحلته الماركسية قشرة المشروع الطوباوي فكان الاعتقاد بأن تحل التناقضات الاجتماعية تلقائيا دون الوعي بجذورها وأسبابها المحركة حلقة من المراهقة الفكرية برأي ماركس.
إن التنظير في منهاج كارل ماركس من الضروري أن يصبح قوة مادية لدى الجماهير، لأن قيمة الأفكار تكمن في حيويتها وقدرتها الكاشفة لأمراض الواقع، لذلك أيا كانت العناوين التي اتخذتها الحراكات الشعبية والسياسية على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين فهي قد عجنت مبادئها من طينة الفلسفة الماركسية، واستلهمت تشكيلتها المؤسساتية من خارطة برنامجها الفكري.
ومن هذا المنطلق من المنطقي العودة بالذهن إلى الحقبة التي كان مفهوم اليسار فيها يعادل المنظور العلمي في التفسير ودراسة الظواهر. والإيمان بالمستقبل قبل تحديد العوامل التي أدت إلى انتكاسة مشروعه منذ نهاية العقد الثامن من الألفية الثانية.
ولم يتعاف إلى الآن من ضموره على المستوى العالمي.
لا شك أن اليسار الماركسي يستمد زخمه من وضوحه المنهجي وربطه بين حركة الواقع ونشوء الفكر. بخلاف معشر الفلاسفة الذين ناقشوا مشروع المدينة الفاضلة دون الاهتمام بما يتطلبه هذا الأمر من تعدين آليات عملية على الصعيد الواقعي، فإن كارل ماركس تمكن من تحديد الفئة التي كانت من المفترض أن تعبر بالتاريخ نحو مرحلة تنتهي فيها ظاهرة استغلال الإنسان للإنسان.
ورأى أن الفلسفة تجد أسلحتها المادية في طبقة البروليتاريا كما أن أبناء هذه الطبقة يجدون أسلحتهم الفكرية في الفلسفة، والبروليتاريا هم جميع الذين لا يوفر لهم رأسمالهم حياة معافاة من العوز.
وكشف ماركس أن تاريخ أي مجتمع ليس سوى تاريخ صراع الطبقات، والدولة التي تنظم الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع هي دولة الطبقة الأقوى الحاكمة اقتصاديا.
والأهم هو التزامن الذي أشار إليه ماركس وإنجلز بين تحرير الطبقة العاملة وانعتاق المجتمع بأسره من ربقة الاستغلال والعبودية. وبهذا يبدأ التاريخ الإنساني وفق توقعات صاحب “بؤس الفلسفة”.
لا ينكر بأن هذه الأفكار المبنية على مراقبة الحياة وإشكالياتها الدقيقة تنتشر أسرع من انتشار النار في الهشيم.
لاسيما في البيئات التي كانت ضحية للحملة الاستعمارية، وصل الاحتفاء بالشيوعية في العالم الثالث إلى درجة أثارت استغراب المستشرق برنارد لويس وتساءل عن الجاذبية التي يتمتع بها المنهج الماركسي اللينيني لدى المسلمين على الرغم من كراهيتهم الشديدة للإلحاد، والطريف ما يذكره فاروق الشرع في “الرواية المفقودة” بأن أحد رفاقه في الحزب ينشر مقالة بعنوان “أقسم باليسار” مفتيا بأن المرء لا يجوز له أن يستمر في أداء قسم اليمين، ولا يجب أن يسير إلا على الجانب الأيسر من الطريق.
فعلا كانت الأحزاب الشيوعية قد سجلت نجاحا وتفوقا على الصعيد الجماهيري في المجتمعات الإسلامية والشرقية، فالحزب الشيوعي الأندونيسي كان يعد ضمن أكبر الأحزاب الشيوعية في العالم، كذلك الأمر بالنسبة إلى العراق، فقد زاحمت الشيوعية سلطة الرموز الدينية وما زاد من تمدد نواتها الفكرية أنها اخترقت الأطر الطائفية والمذهبية والقومية.
يشير المفكر اللبناني أمين معلوف إلى هذا الملمح في الأحزاب اليسارية لافتا النظر إلى زعيم الحزب الشيوعي العراقي “فهد” الذي كان من الأقلية الآشورية دون أن يثير الأمر حفيظة رفاقه من خلفيات مذهبية متعددة، كذلك الأمر بالنسبة إلى خالد بكداش فإن انتمائه إلى القومية الكردية لم يعقه أن يكون زعيما بارزا للحزب الشيوعي السوري.
والدرس المستخلص من هذا المعطى التاريخي أن اليسار اتسع لأطياف دينية وقومية وطائفية مختلفة بل سادت قراءات جديدة في ضوء الفلسفة اليسارية لمفهوم الدين وكان الاهتمام منصرفا إلى استعادة الشخصيات الثورية في تاريخ الإسلام وفي مقدمتهم أبوذر الغفاري بوصفه رمزا للوقوف ضد الأيديولوجية الجبرية التي تكرس ظاهرة الاستبداد الديني.
ومن يقرأ “العدالة الاجتماعية في الإسلام” لسيد قطب يتضح لديه مدى تغلغل الروحية اليسارية في رؤيته للصراعات التي نشبت منذ عهد ثالث الخلفاء الراشدين.
بدوره يفرد الباحث الإيراني آصف بيات فصلا من كتابه “ثورة بلا ثوار” لمتابعة التيارات اليسارية في المجتمع الإيراني ودورها المؤثر في الوسط الطلابي، فكان علي شريعتي ملهما بأفكاره المتشبعة بالأدبيات الماركسية لجيل الشباب والجامعيين.
ولم يتردد عن تأييده لـ”اليسار الثوري” لأنهم يعملون لفائدة الشعب المحروم.
ولعل ما يميز خط علي شريعتي هو مسعاه الحثيث لتبيئة مفاهيم ونظريات ماركس مع متطلبات الواقع الذي كان ينوء بالأزمات المركبة متأرجحا بين المشاريع المتناقضة.
والأهم في موقف علي شريعتي أنه رفض استبدال الحكومة الدينية بالملكية لأن النتيجة المحتومة لمثل هذه الحكومة هي الدكتاتورية. قدم شريعتي بأفكاره وترجمته لكتاب تشي غيفارا مستندات لحركات ونشاطات ثورية.
ولم يكن شريعتي صوتا وحيدا في هذا المعترك، بل الأدب اليساري أصبح مرجعا فكريا لطيف واسع من الكتاب والباحثين في العالم العربي، يذكر آصف بيات في هذا السياق كلا من طارق البشري، مصطفى محمود، محمد عمارة، عادل حسين، وبالتأكيد لا يصح تجاهل ما قدمه حسين مروة لتاريخ الفكر العربي بكتابه العلامة “نزعات مادية في الفلسفة العربية والإسلامية”، إذ أعاد تعريف المذاهب والفرق الدينية بحفرياته الفاحصة في تربة الأزمنة السالفة.
في الواقع لم تكن مبادئ اليسار قيد التنظير والشعارات، صحيح أن الحراك اليساري لم تكلل تضحيات رموزه بالنجاح، وسجل الانتصار باسم بعض الجماعات التي صعدت من على أكتاف الانتفاضات اليسارية إلى السلطة، لكن مع ذلك حققت الحركة الثورية على امتداد جغرافية رحبة انتصارا في معاركها مع الأنظمة الكومبرادورية.
وكان قادة اليسار أيقونات مزلزلة للعقليات الرجعية والمتخلفة.
ربما خيل ذلك الوضع الحيوي المشحون بالتفاؤل إلى الأغلبية من المثقفين بأن ما انتظرته البشرية من حلم العدالة والمساواة وما دعت إليه الأديان من القضاء على الظلم والفساد، كل ذلك ينزله اليسار من السماء إلى الأرض ولا تفسير لكلام سارتر بأن الماركسية أفق لا غنى لعصرنا عنه سوى أن تلك الفكرة قد راودت العقل الجمعي بأن العالم القديم الذي تحكمه العقلية الاستغلالية سيحال إلى المتحف قريبا.
فشل التجربة
إذا كان الاتحاد السوفيتي مختبرا للشيوعية وترقب العالم مصيرها المعقود على ما يدور خلف الستار الحديدي لأكثر من ثمانية عقود، فإن فشل هذه التجربة قد أدى إلى انسحاب المشروع اليساري ولم يعد هناك ما يذكر بهذه الأفكار الثورية سوى جزر متفرقة تعاني من وطأة الحصار. باستثناء جمهورية الصين الشعبية التي حافظت على الواجهة الشيوعية لنظامها، انكمشت حفنة من الكيانات المتبقية التي تنتهج عقيدة الشيوعية ويشهد وضعها الاقتصادي على تعثر البرنامج الاشتراكي وعدم تحقيق ما خطط له لينين؛ أي خلق نظام اجتماعي أرقى من الرأسمالية والوصول إلى زيادة الإنتاجية في العمل.
لفهم الأسباب التي أفضت إلى عكس ما كان متوقعا وانتهاء مشروع الخلاص الأرضي لا بد أن تنطلق عقارب البحث من الاتحاد السوفيتي الذي خرج من الحرب العالمية الثانية منتصرا، لكن خسر الحرب الباردة، وكما يقول سمير أمين لم يكن بمقدور أحد التظاهر بأن الانهيار المفاجئ لم يصدمه.
وقد يكون وقع الصدمة بدرجة أقل بالنسبة إلى المتابع للمراحل التي قد مرت بها هذه القوة التي تقاسمت مناطق النفوذ في العالم مع الولايات المتحدة.
برأي أمين تحول الاتحاد السوفيتي بعد ولاية خروشوف إلى نظام “كوربوراتي” وهو يقصد بذلك تكوين تكتلات مصلحية تجمع معا أصحاب القرار والعمال الفاعلين في قطاع إنتاجي معين.
وما عمق أزمة التجربة السوفيتية إلى أن وصل بها نحو نقطة اللا عودة هو التشدد في تطويق المجتمع بشبكة أمنية خانقة للحريات وتضخيم دور المؤسسات القمعية، وغدا الولاء لهذا الجهاز الأمني محكا في الحزب والسلطة.
ومن نافلة القول بأن مصطلح الستالينية يعادل أقصى درجات العنف وعدم الوثوقية والانفراد المطلق بالحكم، ومن المعروف أن جوزيف ستالين قد شن حملة تطهير شرسة قد طالت رفاقه قبل أعدائه وكان من ضحاياها أبرز قادة الحزب المتفانين في نشر الثقافة الشيوعية وهذا ما يتناوله أمين معلوف في كتابه “متاهة الضائعين، الغرب وخصومه”، مسلطا الضوء على النهاية التراجيدية لشخصية بورودين الذي كان عرابا للشيوعية في الصين، كذلك الأمر بالنسبة إلى كارل رادك وهو العقل المدبر لمؤتمر شعوب الشرق، فقد لفظ أنفاسه الأخيرة في المعتقل.
كما تم إقصاء بطل حرب ستالينغراد جوكوف. باختصار فقد كانت الدولة والحزب تجسيدا لإرادة الزعيم الأوحد.
ولم يفد شجب خروشوف لأخطاء الحقبة الستالينية في تصحيح المسار إنما قد بدا الاتحاد السوفيتي في صورة الكيان الذي لا يجد فيه المرء طريقا غير ما هو محدد على مقياس أيديولوجي.
والحال هذه فإن الأعمال الفنية والأدبية من الصعب أن تقدر قيمتها إذا لم تكن مطابقة لرؤية الحزب ومؤسساته التعبوية. لذلك لاحق الحظر مؤلفات كافكا ولوحات بابلو بيكاسو ودكتور جيفاكو لباسترناك وغيرهم من المؤلفين والمبدعين. وكان كيمينوف يعتقد بأن الفن البرجوازي يعكس الشعور المرضي والبارانويا.
بالطبع ليس من الموضوعية في شيء العودة بالأسباب إلى الأخطاء والعوامل الداخلية فحسب، بل يكون القول الفصل على الأكثر في تحديد مصائر الكيانات مترامية الأطراف وقفا على العامل الخارجي.
فقد طرح الموظف المغمور في السلك الدبلوماسي جوج كينان إستراتيجية الحرب الباردة مقترحا على المسؤولين الأميركيين رمي كل ما في متناولهم من الأوراق على رقعة هذه المواجهة.
كما هو معلوم إن أميركا قد نجحت في إدارة البيادق الثقافية والاستخباراتية والعسكرية أي ما يصطلح عليه بالقوة الخشنة والناعمة لضرب الاتحاد السوفيتي في الصميم، وتمكنت من فتح الجبهات التي استنزفت موارد السوفيت عسكريا وماديا، خصوصا ما تورط فيه الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، إذ نحت الحرب منحى عقائديا دينيا.
فقد بدأ مستشار الأمن القومي الأميركي بريجنسكي جولات مكوكية لحشد الدعم المالي والبشري لمجاهدي أفغانستان، وهناك ثأرت أميركا فعليا لهزيمتها المدوية في فيتنام.
استخدام الدين في الحرب أتى بنتيجة إيجابية للمعسكر الغربي، كما أن تصاعد النزاعات القومية والإثنية في بيئات جغرافية موبوءة بالتركة الاستعمارية قد أتاح فرصة نوعية لأميركا لأن تمضي باللعبة إلى شوطها الختامي، وهنا من الخطأ القفز على إنشاء النظام الثيوقراطي في إيران وما تبعه من العودة إلى الانتماءات الفرعية.
والجدير بالتأمل هو ما يقوله سمير أمين بأن غورباتشوف الذي وصل السوفييت في عهده إلى مطافهم الأخير لم يكن ماركسيا، ولم يعرف المبادئ الجوهرية للماركسية، متسائلا كيف تسنى لشخص كهذا أن يصل إلى منصب السكرتير العام لحزب شيوعي؟ وما يخلص إليه المعاين للمضمر في الكلام المستشهد به آنفا أن الحزب كان مخترقا، ولم يعد له إلا هيكل مغلف بالأديولوجيا العقائدية.
اليسار العربي
أيا يكن الأمر، ما تجب مناقشته هو بصمة اليسار الماركسي في البلدان الشرق أوسطية، هل يمكن رصد مفاعيل فكرية إيجابية لتلك الموجة الفكرية؟
يعترف المفكر اللبناني كريم مروة بأن أخطر ما أنتجته التجربة السوفييتية أنها شكلت مستندا لأنظمة الاستبداد العربي، لكن لا يصح الأخذ بهذا الرأي على علاته لأن أميركا لها سبق في تقويض الحكم الديمقراطي في تشيلي، كما وفرت غطاء أمنيا للأنظمة التقليدية التي تخدم مصالحها الإستراتيجية في البلدان العربية، كما أطلقت الولايات المتحدة أيدي الأنظمة الشمولية للتنكيل بالشيوعيين أينما كانوا.
وبالتالي لا يصلح هذا التفصيل أن يكون قاعدة لقراءة مظاهر الفكر اليساري في العالم العربي، لأن السبب الفعلي حسب رأي حازم صاغية الذي تنقل بين عدة أحزاب قبل أن يكون لا منتميا لانجذاب جيله إلى اليسار الماركسي هو طلب الكرامة بعد إخفاق العروبيات التقليدية في دحر الإمبريالية.
وما يؤكد صحة استنتاج مؤلف “وداع العروبة” والإبانة عن الدافع إلى الانضمام إلى هذا التيار باعتباره صرعة فكرية وليس نتيجة للتبصر بمقوماته الفلسفية هو موقف من بقي من هذه الموجة، إذ إن معظم دعاة اليسار بدلوا جلدهم، وتراهم على أبواب زعامات إقطاعية بدرجة وظيفية ربحية، ولسان حالهم يقول: لنكن ملكيين أكثر من ملك، وطالما انتهت موضة الاشتراكية فلماذا لا نجرب ملعبا آخر؟
وما يمكن أن يختم به الكلام هو التذكير بأن القطار الذي سافر لينين على متنه من سويسرا إلى سان بطرسبرغ دوت صافرته في جميع أنحاء العالم، لكن هذا القطار أصبح جزءا من الفولكلور والتحف التي تعيد إلى الأذهان عهد إمبراطورية غابرة. وبالتأكيد إن هذه النتيجة البائسة لمسيرة الفكر الشيوعي لا تعد دليلا على صحة المنهج الرأسمالي ولا تنتقص من موقع ماركس وإنجلز على خارطة التاريخ الفلسفي، لكن قد تضعنا أمام حقيقة صادمة هي أن جل رواد اليسار خصوصا في منطقة الشرق الأوسط كانوا مضللين للجماهير، وإلا كيف تفسر تهافتهم على تسجيل الحضور مرة في طابور أميركي ومرة أخرى في صفوف الأنظمة التقليدية؟
والأسوأ هو أن الأحزاب اليسارية على كثرتها لم تترك أدبيات يعتد بها ولم تتجرأ على مراجعة إخفاقاتها المتتالية وذلك لأن قادتها أدركوا بأن الاحتماء بمظلات بديلة أسهل من نقد الذات.
المصدر : العرب