كريتر نت – متابعات
أصبحت إيران في الرابع من يوليو رسميا عضوا كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، بعد أن انضمت في البداية كـ”عضو مراقب دون حقوق تصويت” في قمة يوليو 2005 في أستانة. وتقرر قبولها بعد 16 عاما، لتصبح العضو التاسع في منظمة شنغهاي للتعاون في قمة سبتمبر 2021 في دوشانبي بطاجيكستان. ومُنحت إيران منذ ذلك الحين موافقة البرلمان ومجلس الشورى الإسلامي وقدمت الوثائق اللازمة إلى الأمانة العامة لمنظمة شنغهاي للتعاون.
وتمثل عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون أول دخول للبلاد في منظمة إقليمية ذات مهام دفاعية وأمنية منذ انسحابها من حلف المعاهدة المركزية (حلف بغداد سابقا) في 1979. ويحمل هذا التطور نتائج في مختلف المجالات، ومن أهمها التأثير على الترتيبات الأمنية في آسيا الوسطى.
ولاقت المنطقة تركيزا كبيرا في المهمات الأمنية التي بعثتها منظمة شنغهاي للتعاون على مدى العقدين الماضيين. وتبنت المنظمة نهج عدم التدخل في الأزمات الإقليمية والدولية مثل تلك التي تشهدها جورجيا وأوكرانيا وسوريا، حيث تدخّل الاتحاد الروسي، وهو عضو مؤسس في منظمة شنغهاي للتعاون، عسكريا وبشكل مباشر.
إضافة إلى ذلك، كانت مقاربة منظمة شنغهاي للتعاون غير نشطة في ما يتعلق بالتطورات في أفغانستان، خاصة منذ عودة طالبان إلى السلطة. لكن المحلل فالي كاليجي يرجح أن تبقى آسيا الوسطى محور التركيز الأساسي لأهداف منظمة شنغهاي للتعاون في المستقبل القريب، رغم كون إيران دولة ذات أهمية إستراتيجية في الشرق الأوسط.
ويقول كاليجي في تحليل نشرته مؤسسة جيمس تاون الأميركية إنه من المهم فهم الآثار الرئيسية المحتملة لعضوية إيران في آسيا الوسطى.
أولا، تشترك إيران في حدود برية مع تركمانستان التي رفضت أن تكون عضوا في العديد من المنظمات الإقليمية، بما في ذلك منظمة شنغهاي للتعاون، على مدى العقود الثلاثة الماضية بسبب موقفها “الحيادي الدائم” في السياسة الخارجية. وتفتقر إيران إلى ارتباط جغرافي وإقليمي مع دول آسيا الوسطى الأربع الأخرى (كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان) مما يحدّ من وصولها المباشر إلى المنطقة. لكن إيران تعمق تعاونها الدفاعي والأمني مع هؤلاء الأعضاء الأربعة في منظمة شنغهاي للتعاون، ويرتفع احتمال أن يقرب هذا التوسع في النفوذ الإقليمي بين طهران وعشق آباد.
وهذا ما يبث الأمل، حيث نجح الجانبان مؤخرا في حل التوترات المرتبطة بالغاز التي كانت توتّر العلاقات الثنائية خلال العامين الماضيين.
ثانيا، قد تنظر إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون أو ترغب في رؤيتها على أنها “نادٍ للدول المراجعة”، أو “تكتل شرقي”، أو “تجمع بين القوى العظمى غير الغربية”، أو “حلف وارسو جديد”، أو “حلف ناتو شرقي” يعارض الولايات المتحدة والغرب الجماعي. لكن منظمة شنغهاي للتعاون هي منظمة إقليمية تركز في إعلاناتها وبياناتها على الخارج ولكن ممارساتها وأعمالها متوجهة إلى الشأن الداخلي.
كما تلتقي دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان في علاقات تعاون عسكرية وأمنية مع الناتو والولايات المتحدة. وأكد فيودور لوكيانوف رئيس تحرير مجلة “روسيا في الشؤون العالمية” أن “منظمة شنغهاي للتعاون لا تتمتع بالمتطلبات الأساسية لتصبح مناهضة لحلف شمال الأطلسي لأن روسيا وإيران هما الوحيدتان من بين الدول الأعضاء في المنظمة اللتان تعيشان صراعا حادا مع الغرب”. لذلك، من غير المرجح أن تؤدي عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون إلى تأجيج أي مشاعر معادية للغرب في آسيا الوسطى.
ثالثا، توفر عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون أساسا لمشاركة الدولة في مناورات عسكرية مشتركة مع الأعضاء من آسيا الوسطى، ومع روسيا لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
وستتمتع إيران بالقدرة على المشاركة في مهمة السلام التي تنظمها منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تشمل منذ 2014 تدريبات متنوعة لمكافحة الإرهاب. وستُجرى هذه التدريبات في المنطقة العسكرية المركزية الروسية في منطقة تشيليابينسك في جبال الأورال في أغسطس 2023. ويمثل هذا تطورا جديدا في نهج طهران الدفاعي، مما يعزز علاقاتها العسكرية والأمنية مع آسيا الوسطى، بالإضافة إلى روسيا والصين.
مع استمرار تراجع تأثير الهياكل الأمنية الإقليمية الأخرى، مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تجد إيران نفسها أمام فرص أكثر من أي وقت مضى لتعميق نفوذها الأمني وتعاونها مع دول آسيا الوسطى
رابعا، من المحتمل أن تكمن أهم منصة مؤسسية للتعاون الأمني والعسكري لإيران في الهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون، والذي تشكّل وفقا للمادة 10 من ميثاق المنظمة. ويمكن أن يوفر هذا الهيكل باقة من سبل التعاون الأمني والعسكري لإيران في مواجهة الإرهاب والتطرف الديني وتهريب الأسلحة والمخدرات، وحتى التهديدات الإلكترونية. ويمكن أن تكون استجابة أكثر تنسيقا من إيران ودول آسيا الوسطى للتهديدات المنبثقة من أفغانستان إثر استيلاء طالبان على السلطة من أهم نتائج هذا التعاون.
خامسا، تستطيع إيران الآن المشاركة في آلية التصويت القائمة على الإجماع المنصوص عليها في المادة 16 من ميثاق منظمة شنغهاي للتعاون، وتتضمن الاعتراف أو عدمه بالجماعات الإسلامية المتطرفة في آسيا الوسطى والصين أو روسيا كمنظمات إرهابية. وتجمع علاقات إيران مع حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان، لكنها تعارض مجموعات أخرى مثل حزب التحرير الإسلامي وحركة أوزبكستان الإسلامية. وبالتالي، ستوفر العضوية الإيرانية إمكانية منع تصنيف حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان على أنه جماعة إرهابية، وهو ما تتشبث به حكومة طاجيكستان منذ أحداث سبتمبر 2015.
سادسا، وربما الأهم، توفر عضوية إيران فرصة للبلاد لتوسيع صادراتها من الأسلحة، وخاصة الطائرات دون طيار إلى دول آسيا الوسطى. وقد أظهر افتتاح مصنع أبابيل 2 للطائرات دون طيار في دوشانبي في مايو 2020 قدرات طهران في هذا الصدد. وكانت هذه الفرص الموسعة للصادرات من أهم نتائج رفع حظر الأسلحة الإيراني نتيجة لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 الصادر بالإجماع في 20 يوليو 2015 مؤيدا لخطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني. وانتهت صلاحية جميع القيود المفروضة على إمدادات الأسلحة الرئيسية من إيران وإليها في أكتوبر 2020. ويعني هذا أن طهران أصبحت الآن قادرة قانونا على شراء الأسلحة التقليدية وبيعها بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والصواريخ والمروحيات والدبابات. ويعني هذا أن عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون قد تجعل منها منافسا جادا لتركيا التي باعت خلال السنوات الأخيرة العديد من الطائرات دون طيار إلى قيرغيزستان وكازاخستان وغيرهما.
ويرى كاليجي أنه مع استمرار تراجع تأثير الهياكل الأمنية الإقليمية الأخرى، مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تجد إيران نفسها أمام فرص أكثر من أي وقت مضى لتعميق نفوذها الأمني وتعاونها مع دول آسيا الوسطى.