كريتر نت – متابعات
توقع أغلب المحللين أن تكون الحرب على أوكرانيا حاسمة لصالح روسيا بسرعة، لكن ما حصل على الأرض خيب أغلب التوقعات، حيث اصطدمت قوات الكرملين بدفاع أوكراني مدعوم من الغرب مكنها من الصمود لعام كامل. لذلك يرجح محللون أن الصراع سيستمر لمدة أطول وسينتهي بلا شك بتغيير خارطة الأراضي الأوكرانية.
وعلى نحو لم يتوقعه الكثيرون، تطورت الحرب الدائرة منذ عام والتي بدأت بغزو روسيا واسع النطاق لأوكرانيا في 24 فبراير العام الماضي، وهي تسير نحو المزيد من التطورات التي قد تكون مفاجئة للبعض.
ويرى المحلل الأميركي ريتشارد هاس أن الرأي التقليدي كان يفيد بأن القوات الروسية سوف تكتسح الأوكرانيين الذين لم يكونوا ندا لها، وسوف تستحوذ على أراضي من البلاد أكثر بكثير مما استحوذت في عام 2014.
وقال هاس، وهو أيضا رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إن آخرين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وتكهنوا بأن روسيا سوف تطيح بالحكومة في كييف وتنصّب محلها نظاما عميلا لها سوف يصادق على السيطرة الروسية.
وأضاف في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي أنه في ضوء مثل هذه التكهنات المخيفة كان الكثيرون في الغرب وفي أوكرانيا سيقبلون ببساطة نسخة مما هو قائم اليوم، أي أوكرانيا ذات سيادة تمارس السلطة على أكثر من نحو 80 في المئة من أراضيها.
ويعود الفضل للواقع الحالي إلى فعالية جيش أوكرانيا والشجاعة الجماعية للشعب الأوكراني وقادته، واستمرار الدعم الأميركي والأوروبي في شكل أسلحة وأموال وتدريب ومعلومات استخباراتية، وقبول ملايين اللاجئين.
وهذا الواقع يعد أيضا لائحة اتهام صاعقة ضد الجيش الروسي. ويواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خيارات صعبة وهو يفكر في أمر حرب من اختياره لم تمض كما كان مخططا لها.
ولم يكن قرار بوتين بالغزو غير منطقى، في ظل افتراضاته بأن أوكرانيا لن تكون ندا لجيشه، وأن أوروبا وبصفة خاصة ألمانيا تعتمد على الغاز الروسي كثيرا لدرجة أنها لن تهب للتصدي له، وأن الولايات المتحدة في فترة ما بعد السادس من يناير (الذي شهد اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكونغرس) وفي فترة ما بعد انسحابها من أفغانستان، منقسمة للغاية ومهتمة كثيرا بالشأن الداخلي لدرجة أنها لن تساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها.
ولكن نظرا لأنه ثبت أن كل هذه الافتراضات خاطئة، فإن حسابات بوتين بأن مكاسب الغزو سوف تتضاءل بجانبها تكاليفه، أصبحت صيغة لكارثة محتملة.
ويجد بوتين نفسه الآن يتصرف بطرق مختلفة لكسب الوقت. ولأنه غير قادر على هزيمة الجيش الأوكراني فإنه يهاجم أهدافا اقتصادية ومدنية على أمل كسر إرادة الأوكرانيين.
وربما يعتقد بوتين أيضا، رغم ما يقوله القادة الغربيون، أنها مسألة وقت قبل أن تعيد الحكومات الغربية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، النظر في تكاليف دعم أوكرانيا.
ومن ثم، ما الذي يمكن توقعه في المستقبل نتيجة لهذا الوضع؟ إن الحروب تنتهي بواحدة من طريقتين: عندما يهزم طرف الطرف الآخر ويكون قادرا على فرض شروطه للسلام، أو عندما يتوصل الطرفان إلى نتيجة مفادها أن حلا وسطا أفضل من مواصلة حرب ليس لدى أيّ من الطرفين القوة الكافية التي تمكنه من الانتصار فيها.
وأضاف هاس أن أيا من هذه الشروط لا ينطبق على هذه الحرب في الوقت الحالي. ومن المؤكد أنه ليس واضحا للغاية أن أوكرانيا تستطيع طرد روسيا من أراضيها، حتى إذا تخلصت الحكومات الغربية من تحفظها وزودت أوكرانيا
بأسلحة أكثر تقدما. فالقوات الروسية تتمركز في خنادق وفي مواقع حصينة وسوف يكون من الصعب طردها منها.
كما أن هناك إمكانية، أو حتى وجود احتمال، أن تقدم الصين مساعدات اقتصادية وعسكرية غزيرة لروسيا بدلا من رؤية شريكتها الإستراتيجية تتلقى هزيمة على أيدي تحالف بقيادة الولايات المتحدة.
من جانبها، تفتقر القوات الروسية إلى التدريب الجيد أو القيادة الجيدة التي تمكنها من هزيمة أوكرانيا في ميدان القتال. ولا تعد الهجمات الجوية على المناطق المدنية، مهما كانت وحشية ومكلفة، بديلا عن النجاح في ميدان القتال، وحتى الآن لم تؤد إلا إلى تعزيز تصميم الشعب الأوكراني.
ومع ذلك، فإن آفاق التوصل إلى حل وسط لا تزال قاتمة. ويبدو أن بوتين مصمم على المضي قدما في مساره خشية أن تحفز أيّ هزيمة متصورة في أوكرانيا جهود منافسين محليين للإطاحة به من السلطة.
ويضيف المحلل الأميركي أنه كان للعقوبات تأثير محدود نظرا لأن الهند والصين وغيرهما يواصلون شراء الطاقة الروسية. ويسيطر بوتين على لغة الخطاب السياسي في البلاد ويقنع الكثيرين بأن روسيا ضحية، وأرغمتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) على خوض قتال ضد الغرب ككل من أجل البقاء.
ولا تبدي أوكرانيا أيضا ميلا للتوصل إلى حل وسط. ويدعو كل الأوكرانيين تقريبا إلى التحرير الكامل لأراضي بلادهم، والسبب واضح: وهو أن الحرب قد غيّرت العقول.
وأدت بسالة جيش أوكرانيا، وجوانب القصور الواضحة للجيش الروسي، إلى تعزيز ما هو أكثر من مجرد تفاؤل إستراتيجي ضئيل بشأن ما قد يحمله المستقبل.
وعلاوة على ذلك، جعلت الحرب القلوب متحجرة. وأدت الفظائع التي ارتكبها الروس، بما في ذلك قصف المباني السكنية وإعدام المدنيين، إلى دعوات للحصول على تعويضات وإنشاء محاكم للنظر في جرائم الحرب.
وسوف يضيف البعض إلى هذه القائمة الإطاحة ببوتين ودائرته الداخلية من السلطة، وهذه نتيجة ينظر إليها الكثيرون بوصفها أمورا أساسية إذا كان يتعين أن يكون لدى أوكرانيا ثقة بأيّ تسوية سلمية.
وباختصار، فإن الظروف أبعد ما تكون مواتية للدبلوماسية. وفي يوم مّا سوف يتغيّر هذا، ولكن ذلك اليوم يبدو بعيدا جدا. والخبر السار (إذا كان هناك أي خبر سار) هو أن الحرب ربما تصبح أقل حدة في الوقت الذي يواجه فيه كلا الطرفين صعوبة تحمل حجم الخسائر التي تكبداها العام الماضي.
ويفتقر الطرفان ببساطة إلى القوى البشرية والمعدات والموارد الاقتصادية لتحقيق ذلك. ويبدو من غير المحتمل أن روسيا سوف تختار التصعيد. وقيام روسيا بشن هجوم على الناتو لا معنى له، عندما يكون واضحا بشكل جلي أنه لا يمكنها حتى هزيمة أوكرانيا. ويبدو أن الأسلحة النووية لها قيمة عسكرية ضئيلة أو لا قيمة لها إطلاقا، وأن الهند والصين قد أوضحتا معارضتهما لاستخدامها.
والأمر الأكثر أهمية، هو أنه من المؤكد أن استخدام روسيا للأسلحة النووية من أيّ نوع سوف يؤدي إلى دخول قوات الولايات المتحدة والناتو الحرب بشكل مباشر.
واختتم هاس تقريره بالقول إن الخبر السيء هو أن الحرب لن تنتهي في أي وقت قريب، وأن الأمر المرجح هو أن خارطة أوكرانيا بعد عام من الآن لن تشبه كثيرا الخارطة كما تبدو اليوم. وينذر العام المقبل بأن يكون قاتما وليس حاسما، مما يذكر بالحرب العالمية الأولى أكثر من الحرب العالمية الثانية.