كريتر نت – متابعات
أثار اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير المسجد الأقصى في القدس القديمة، بعد ساعات على توليه المنصب، غضب الفلسطينيين الذين اعتبروا الخطوة بـ”الاستفزازية” وسط مخاوف من تفجر الأوضاع الأمنية بعد عقدين على زيارة مماثلة لزعيم اليمين الإسرائيلي الراحل أرييل شارون، شكّلت الشرارة التي فجرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وقال بن غفير في بيان “لن تستسلم حكومتنا أمام تهديدات حماس”، بعدما حذّرت الحركة الفلسطينية من أي خطوات من هذا النوع يعتبرها الفلسطينيون استفزازية.
وتأتي زيارة بن غفير بعد أيام على توليه منصب وزير الأمن القومي الذي يمنحه سلطات على قوات الشرطة.
ويعد المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة في السعودية. أما اليهود، فيعتبرون باحة المسجد الأقصى التي يطلقون عليها اسم جبل الهيكل، أقدس موقع في ديانتهم.
وقال بن غفير إن “جبل الهيكل هو الموقع الأهم بالنسبة لشعب إسرائيل ونحافظ على حرية الحركة بالنسبة للمسلمين والمسيحيين، لكن اليهود أيضا سيتوجهون إلى الجبل، وينبغي التعامل مع أولئك الذين يوجّهون تهديدات بيد من حديد”.
وتتولى دائرة الأوقاف الإسلامية إدارة باحات الأقصى في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل، بينما تسيطر القوات الإسرائيلية على الوصول إلى الموقع.
وطالب بن غفير بإدخال تغييرات على إدارة الموقع للسماح بالصلوات اليهودية فيه، وهو أمر تعارضه السلطات الدينية اليهودية التقليدية.
وأفاد حراس من دائرة الأوقاف بأن بن غفير زار الموقع برفقة وحدات من قوات الأمن الإسرائيلية، بينما حلّقت مسيّرة فوقه.
ورغم أن بن غفير أجرى زيارات متكررة إلى الموقع منذ دخل البرلمان في أبريل 2021، إلا أن حضوره كوزير بارز يحمل أهمية أكبر بكثير.
وكانت زيارة مثيرة للجدل أجراها سنة 2000 زعيم المعارضة آنذاك أرييل شارون من بين أهم العوامل التي أشعلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي استمرت حتى العام 2005.
وعقب اقتحام بن غفير المسجد الأقصى نددت الرئاسة الفلسطينية والحكومة والمجلس الوطني ووزارتا الخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية بذلك، واعتبرته “استفزازا غير مسبوق وتهديدا خطيرا لساحة الصراع”.
وقال متحدث الرئاسة نبيل أبوردينة، في تصريح نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية، إن “استمرار هذه الاستفزازات بحق مقدساتنا الإسلامية والمسيحية سيؤدي إلى المزيد من التوتر والعنف وتفجر الأوضاع”.
وأضاف أن في اقتحام بن غفير المسجد الأقصى المبارك “تحديا لشعبنا الفلسطيني، وللأمة العربية والمجتمع الدولي”.
وأردف أبوردينة أن اقتحامات الأقصى “تحولت من اقتحامات مستوطنين إلى اقتحامات إسرائيلية حكومية، وهي مرفوضة ومدانة”.
وحمّل أبوردينة “الحكومة الإسرائيلية المتطرفة المسؤولية عن أي نتائج أو تداعيات حيال ما تتخذه من سياسات عنصرية بحق أبناء شعبنا ومقدساته”.
وتابع “محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتغيير الواقع التاريخي والقانوني القائم في الأقصى، عبر تكريس تقسيمه الزماني على طريق تقسيمه مكانيا، مرفوضة ومصيرها إلى الفشل”.
وشدد أبوردينة على أن “القدس الشريف والمقدسات خط أحمر لا يمكن تجاوزه”، داعيا الإدارة الأميركية إلى “تحمل مسؤولياتها وإجبار إسرائيل على وقف تصعيدها واقتحامات المسجد الأقصى قبل فوات الأوان”.
وقال رئيس المجلس الوطني (برلمان فلسطينيي الداخل والخارج) روحي فتوح إن اقتحام الأقصى “تطور خطير”، محذرا “من عواقبه على استقرار المنطقة”.
وأضاف أن اقتحام بن غفير “ليس خطوة فردية، إنما جرت بموافقة الائتلاف الحاكم لدولة الاحتلال، لتنفيذ مخططاتهم التهويدية التي تهدف إلى تغيير الطابع العربي الإسلامي للمدينة المقدسة، والمسجد الأقصى، في انتهاك واضح وصارخ لجميع القرارات الدولية”.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية في مستهل الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء إن اقتحام الوزير الإسرائيلي للأقصى “يشكل تحديا خطيرا لمشاعر جميع أبناء شعبنا الفلسطيني”، وفق كلمة وزعها مكتبه على الصحافيين.
ودعا أشتية “أبناء شعبنا إلى التصدي لمثل هذه الاقتحامات التي تستهدف جعل المسجد الأقصى معبدا يهوديا، وهذا انتهاك لكل الأعراف والقيم والاتفاقيات والقوانين الدولية وتعهدات إسرائيل للرئيس الأميركي”.
وقال الأردن الثلاثاء إنه يدين “بأشد” العبارات زيارة وزير الأمن القومي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى مجمع المسجد الأقصى في القدس.
وأوضحت وزارة الخارجية في بيان أنها تدين “بأشد العبارات… اقتحام المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف”.
كما نددت حركة حماس باقتحام بن غفير المسجد الأقصى، معتبرة أن الخطوة “حرب” على هوية المسجد.
وقال حازم قاسم المتحدث باسم الحركة “المسجد الأقصى كان وسيبقى فلسطينيا عربيا إسلاميا، ولا يمكن لأي قوة أو شخص فاشي أن يغيّر هذه الحقيقة”.
وأشار قاسم إلى أن “الشعب سيواصل الدفاع عن المقدّسات والمسجد الأقصى لتطهيره من دنس الاحتلال، والمعركة لن تتوقف إلا بانتصاره”.
وعرفت الزيارة المثيرة للجدل انتقادات من داخل الكنيست الإسرائيلي، حيث اعتبر أعضاء من المعارضة اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى بمثابة “استفزاز وخطر على أمن إسرائيل”.
وقالت عضو الكنيست من حزب “العمل” (معارض) نعاما لازيمي، في تغريدة “اليوم أثبت بن غفير (زعيم حزب “القوة اليهودية”) ما قلناه خلال المناقشات حول تعديل قانون الشرطة، إن ما يهمه ليس الأمن القومي، بل السلطة والسيطرة من أجل الاستفزاز والانتباه وتجنيد الشرطة لاحتياجاته السياسية”.
وأضافت “لا أصدق أن هذا المصاب بهوس الحرائق هو وزير الأمن الداخلي (الاسم السابق لوزارة الأمن القومي الحالية)”.
وقال النائب العربي في الكنيست أحمد الطيبي، في تصريحات لإذاعة الجيش الإسرائيلي “لقد كان مشهدا بائسا لفأر يتسلل مثل لص في الليل”.
وأضاف “مما لا شك فيه أن هناك عواقب لاقتحام المسجد الأقصى كوزير للأمن الداخلي، إن المسجد هو للمسلمين وحدهم.. نقطة (كناية عن انتهاء الكلام)”.
وكذلك العضو عن حزب “العمل” جلعاد كاريف، قال في تغريدة “خلقت تصريحات بن غفير العلنية وضعا فُسر فيه الامتناع عن الصعود إلى الحرم الشريف على أنه استسلام لحركة حماس. هكذا وضع (رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو والمؤسسة الأمنية في الزاوية”.
وأضاف “لكن القضية لا تتعلق بحركة حماس فحسب، بل تتعلق أيضا بالعلاقة مع الدول العربية”.
وتابع النائب المعارض “الآن يبدو أن بن غفير يملي الأجندة الوطنية ويتم جر نتنياهو إليه، هذا خطر على أمن إسرائيل”.
وقالت العضو عن حزب “هناك مستقبل” المعارض ميخال شير، في تغريدة، “هذا السلوك المحرج يوضح بالضبط مدى ضعف بيبي (نتنياهو) داخل حكومته”.
فيما قال زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني أفيغدور ليبرمان، في تصريحات لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية، “حماس تعلم أن نتنياهو جبان، فلماذا يقيل بن غفير ويحل الائتلاف؟”.
وإخراج بن غفير من الحكومة يعني حلها لوجود 6 مقاعد له بالكنيست الإسرائيلي.
وتم الاقتحام دون إعلان مسبق، وبعد أن أشاعت مصادر إسرائيلية بأنه قرر إرجاء الزيارة بعد طلب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وكان بن غفير قد أعلن عن نيته اقتحام المسجد، ولكنه لم يحدد موعدا للاقتحام.
وتم الاقتحام عبر باب المغاربة في الجدار الغربي للمسجد الأقصى في ساعة مبكرة من الصباح، وشمل جولة في باحات المسجد.