كريتر نت – متابعات
بدأت بعض الأحزاب المصرية المحسوبة على المعارضة تطالب بإضافة بنود سياسية لإدراجها على أجندة الحوار الوطني من أجل التوصل إلى تفاهمات جدّيّة بشأنها، حيث أيقظت تصرفات الحكومة المرتبكة اقتصاديا بعض القوى السياسية وأشعرتها بأن استمرار صمتها يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الارتباك العام.
وطالب الحزب الناصري اليساري وحزب الدستور اليميني المصريين مؤخرا بتوسيع دائرة نقاشات الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي لتشمل بعض النقاط، في مقدمتها توفير حصانة لعدم المساس بمرفق قناة السويس.
وأفضت موافقة البرلمان المصري المبدئية على مشروع قانون يسمح بتشكيل صندوق خاص يخول للقائمين عليه بيع وتأجير وشراء الشركات التابعة للقناة إلى حراك حزبي بعد فترة من الجمود، لا يزال أسيرا للقنوات التي يوفرها العالم الافتراضي.
الحملة التي أطلقتها الحركة المدنية لرفض المساس بقناة السويس أشبه بـ”بروفة” لمساحة يمكن أن تتحرك فيها المعارضة
ولم يحدد مجلس أمناء الحوار الوطني حتى الآن أجندة واضحة لجدول أعماله، ومن المفترض أن يرفع توصياته قبل نهاية مارس المقبل إلى رئيس الجمهورية للبت فيها.
وأدى تأخير المداولات المعروضة على طاولته إلى قلق أحزاب المعارضة وتلويح بعضها مع شخصيات حقوقية قبلت المشاركة في الحوار بالانسحاب منه، في ظل تنامي الشعور بأن أجندة الحوار الوطني تمضي بطريقة بطيئة، ولم يتم طرح بعض القضايا الحيوية للنقاش العام ويجري التعتيم على الكثير منها، في وقت تتزاحم فيه الملفات التي أفرزتها توجهات الحكومة الرامية إلى وضع حد للأزمة الاقتصادية الحادة.
وكان ملف الإفراج عن المعتقلين والمحبوسين على ذمة قضايا رأي وحريات وحقوق إنسان يتقدم المحور السياسي في الحوار الوطني بالتوازي مع تصويب بعض المسارات التي يتضمنها المحور الاقتصادي، غير أن المستجدات التي طفت على السطح خلال الأيام الماضية قللت من الأولوية التي حظيت بها هذه القضايا.
وتصورت دوائر حكومية أن الحوار الوطني يمكنه أن يستوعب تطلعات قوى المعارضة ويمنح أفقا جيدا لإصلاحات سياسية حقيقية تتماشى مع أهدافها، حيث تعرض النظام المصري في الفترة الماضية لضغوط وانتقادات تتعلق بالمجال العام والمشهد السياسي في مصر، وأطلق الحوار الوطني لامتصاص غضب داخلي وخارجي قابل للزيادة.
وبدت الجدران التي تستقبل الحوار الوطني والجلسات التي عقدت في أكاديمية الشباب وضمت المشاركين فيها وسيلة مناسبة للتناقش مع قوى المعارضة التي شكت من تهميشها في الفضاء العام وتضييق الخناق على حركتها في الشارع وسد كل المنافذ للوصول إلى الجمهور.
وعندما تم التطرق إلى ملفات لم يكن مسموحا بها في السنوات الماضية تفاءلت الكثير من الأحزاب والشخصيات السياسية التي تقف في خندق المعارضة، وراهنت على الحوار انطلاقا من مبدأ عملي يقول “خذ وطالب” إلى أن بدأ الشعور بالإحباط يدب في أوساط بعضها، حيث تحس بأن النظام يريدها أن تقبل بما يعرضه عليها بلا مطالبات إضافية.
وبقدر ما تزعج توجهات الحكومة القاتمة في التعامل مع قضايا اقتصادية جوهرية بعض أحزاب المعارضة، يمكن أن توفر لها هذه التوجهات فرصة للاشتباك معها، والتخلي عن الحذر الذي سيطر على الكثير من تصرفاتها، ومن ثمّ تحاول كسب مساحة جديدة في الشارع وإيقاظه، خاصة أن الكثير من الملفات بدأت تمس مواضع الوجع مباشرة.
وأخذت بعض قوى المعارضة تستعد للعودة السياسية والتمرد على القيود التي كبلتها، مستفيدة من نتيجة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، خاصة أنها لا تلقى أصداء إيجابية في الشارع وقد تنال من قدسية بعض الملفات الإستراتيجية.
وتعد حملة التوقيعات التي أطلقتها الحركة المدنية لرفض المساس بمرفق قناة السويس أشبه بـ”بروفة” لمساحة يمكن أن تتحرك فيها المعارضة، فإذا نجحت في الخروج بالحملة من الواقع الافتراضي إلى الشارع ستحرز هدفا مهما في مرمى حكومة مثقلة بالمشكلات التي تكبل حركتها السياسية وربما تجعلها محدودة في الفترة المقبلة.
القبضة الأمنية لن يتم تخفيفها، بل على العكس سيتم توسيع دائرة التشدد تجاه قوى المعارضة، لأن الدولة لن تتحمل غليانا سياسيا يضاف إلى نظيره الاقتصادي
وقد ينعكس تركيز النظام المصري على إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية سلبا على الحلبة السياسية، من زاوية تخفيف قبضته عنها ومنح مساحة منضبطة للأحزاب وامتصاص مزايداتها في قضايا اقتصادية ذات تأثير مباشر على المواطنين.
ويقول متابعون إن القبضة الأمنية لن يتم تخفيفها، بل على العكس سيتم توسيع دائرة التشدد تجاه قوى المعارضة، لأن الدولة لن تتحمل غليانا سياسيا يضاف إلى نظيره الاقتصادي، وتعلم الأجهزة الأمنية أن كسر القيود التي جرت هندستها في الشارع يمكن أن يفضي إلى خروجه عن السيطرة والعودة إلى الدوران في حلقات التظاهرات والاحتجاجات.
ويضيف المتابعون أن تنشيط الحوار الوطني وإعادة الاعتبار للصورة التي جرى رسمها له في الأشهر الماضية هما البوتقة المناسبة لاستيعاب قوى المعارضة، لأن اتساع نطاق إحباطها من إمكانية أن يحقق تقدما ملموسا يفقدها الثقة بهياكله، وربما يضطرها إلى إعادة التفكير في العودة إلى الاحتماء بشارع يزداد فيه الغليان.
وبالنسبة إلى المعارضة أيضا يبدو خيار العودة إلى الشارع محفوفا بمخاطر، إذ أدى غياب الأحزاب والحركات السياسية عنه إلى عدم وجود شخصيات أو قوى قادرة على توجيهه، ما منح أحزابا تدور في فلك الحكومة فرصة الإمساك بزمام الأمور عبر برامج حماية اجتماعية تلبي حاجات الناس الاقتصادية، وهي تتقدم على أي أولوية سياسية.
وتكاد السياسة تخرج من الباب الاقتصادي الكبير، والذي يمثل المدخل الرئيسي لحل المشاكل اليومية التي لا تستطيع تصورات المعارضة إيجاد حلول خلّاقة لها، والحكومة -بما تملكه من قدرات وإمكانيات- هي الجهة الوحيدة التي بإمكانها أن تسترضي شريحة كبيرة من المواطنين لتخفيف الأعباء عن كاهلهم.
ومهما حاولت قوى المعارضة إيقاظ السياسة في الشارع ستكون حركتها هامشية؛ ففي ظل عدم الاكتراث بالشأن العام أو حصره في النطاق الاقتصادي لن تستطيع أحزاب الحركة المدنية -التي تمثل رأس الحربة حاليا- قيادة الشارع إلا في الحدود التي يسمح بها النظام المصري الذي يعتقد أن السياسة “مرض” يجب استئصاله من جذوره.