كتب .. شكري حسين
إلى ما قبل 3 أشهر من انطلاق كأس العالم قطر 2022، لم يكن يخطر ببالي البتة أن أكون حاضرا في المحفل العالمي الكبير وشاهدًا على الكثير من تفاصيل المونديال بأجوائه المثيرة وأحداثه الصاخبة ومفاجأته التي تجاوزت حدود المساحة والمكان.
وحتى ما بعد وصول الـ (كووود)، الذي يتيح لي فرصة التسجيل في قناة الفيفا الإعلامية، لم أكن مدركًا إن الأمر جديًا، فقط اتصال من زميلي وصديقي العزيز معاذ الخميسي ، رئيس اللجنة الإعلامية في الاتحاد العام لكرة القدم، بعد أكثر من 50 يومًا من حصولي على كووود التسجيل، أحيا فيّ شعورًا خاصًا وأوقظني من حالة اللامبالاة التي كنت عليها، على اعتبار أن تلك فرصة يتمناها آلاف الإعلاميين من كل البلدان، فمشاهدة المباريات من أرض الملعب ومعايشة الأجواء من داخله ومشاهدة نجوم الكرة العالمية عن قرب، (مزيّة)، ليست في متناول الكثير ولا يحصل عليها إلا القليل.
رحلة المعاناة
بلهجته الصنعانية المحببة خاطبني الخميسي قائلًا: (أنت مجنون)، إذا ما تريد الذهاب إلى كأس العالم كنت كلمتني ومنحنا المقعد لغيرك، حرام يذهب مقعد خاص باليمن بسبب عدم اهتمامك، كان لوقع كلماته أثرًا بالغًا في نفسي، لتبدأ بعدها رحلة المعاناة!؟
نعم “معاناة” التسجيل في قناة الفيفا ومتابعة ما يصل من تعليمات بشكل يومي على البريد الإلكتروني، إلى حين وصول الموافقة التي تخوّل لي دخول المباريات والمراكز الإعلامية للبطولة والمؤتمرات الصحفية ومناطق التصريحات الإعلامية (mix zone)، التي تعقب المباريات وغيرها من البرامج المصاحبة، كانت متعبة جدًا ومصحوبة بلحظات قلق لم تخل من الأحباط في أكثر الأوقات.
قد لا يعرف القارئ إن العملية استغرقت وقتًا طويلًا وتعبًا شديدًا خاصة وأنا لا أجيد اللغة الإنجليزية التي هي أساس كل شيء في تعاملات الفيفا، وعلاقتي بها كعلاقة جدتي باللغة الصينية.
لم يتوقف الأمر عند الحصول على موافقة الفيفا، فالحصول على بطاقة (هيّا) والدخول إلى بوابة قطر الإعلامية شرطًا أساسيا للحصول على بطاقة الفيفا، لتبدأ معها رحلة أخرى من المعاناة والترقب، باعتبارها تصريح الدخول إلى الدولة المستضيفة والحصول على امتيازات التنقل مجانا وغيرها من الامتيازات.
حدثًا استثنائيًا
مشاهدة مباريات كأس العالم والاستمتاع بالأجواء العامة للمونديال كان حدثًا استثنائيا بالنسبة لي ولحظة فارقة، لن يشعر بجمالياتها إلا من عاش تفاصيلها وراقب احداثها وتابع عن قرب مجرياتها، هناك ومنذ الوهلة الأولى لدخولك “قطر” تشعر بحجم الجهد المبذول والعمل الجبار الذي بذلته تلك الدولة الصغيرة في مساحتها، الكبيرة بإنجازاتها، في المطار كل شيء يدعوك للدهشة، مجسمات ضخمة ولوحات دعائية الكترونية وصور المنتخبات وإعلام الدول وملعب لكرة القدم يتوسط المطار، كل ما حولك يوحي إليك أنك في عالم أخر من المتعة والجمال، إذ لا صوت يعلو فوق صوت المونديال،
هي المرة الأولى التي لم أقف فيها أمام ضباط الجوازات، لا ختم ولا تفتيش، فقط الوقوف أمام أحد الكاميرات لثواني معدودة، ثم بإمكانك الانطلاق إلى حيث شئت؛ الأمور تسير بانسيابية مطلقة لا عقُد ولا تقييد، العملية لم تستغرق أكثر من 15 دقيقة لتجد نفسك مستقبلًا وجهتك أو حيث تم الحجز لك، (التكنولوجيا) المتطورة حاضرة في كل شيء، ولم تترك شيء.
بإمكان الزائر استقلال (الميترو)، أكبر مشاريع قطر العملاقة خلال كأس العالم، من داخل المطار للوصول إلى أي ملعب أو محطة تريد التوقف فيها، كما أن أكثر من (ألف) و (100) حافلة كهربائية متاحة أمام حاملي بطاقة (هيّا)، للتنقل في جميع الأمكنة، فإلى جانب التنظيم المحكم والدقيق لحركة المركبات والمشاة ليس في محطات الميترو أو الملاعب وحدها، بل حتى في الشوارع والأماكن العامة، يولّد لك انطباعا أنك تعيش تجربة فريدة من نوعها.
ملاعب ضخمة صديقة للبيئة هي أقرب للخيال في تصاميمها التي تحاكي طابعنا العربي الأصيل، قربها من بعضها منحها ميزة خاصة لن تتكرر على المدى القريب، وشبكات طرق تم تشييدها على أحدث طراز، وميترو يتوسط الدوحة وعشرات الألاف من المتطوعين المنتشرين في كل مكان ليل نهار، يسهلون لك الوصول إلى المكان الذي تريده بسهولة ويسر، ومئات الفنادق والحدائق والفعاليات الثقافية والشاشات العملاقة التي نُصبت في مناطق المشجعين، إلى جانب تنوع ثقافات الجماهير والمتابعين، أضفت على المونديال أجواء فرائحيه خاصة وزادته رونقًا وبهاءً، كل ذلك الخيال تم إنجازه خلال فترة 10 سنوات فقط، ولا عجب في ذلك، ففي دولة مثل قطر اعتادت القفز فوق أسوار الجغرافيا، بمقدورها أن تفعل ذلك وزيادة، أتصور أن قطر نجحت وإلى حد بعيدٍ في تغيير الصورة النمطية عن العرب، وقدّمت نسخة استثنائية بكل المقاييس، فازت فيها “الأرجنتين” بكأس البطولة، فيما فازت فيها قطر بكل شيء، ولم تترك شيئًا.
الإطلالة الأولى
لأن الأشياء الجميلة عادة ما تأتي دفعة واحدة، فقد كان حضوري الأول في كأس العالم من بوابة الأرجنتين والسعودية، يا آلهي هل حقًا سأشاهد النجم الذي تابعت فصول ألقة سنوات طويلة، شجعت فريقه برشلونة بجنون، اختلفت مع كثيرين من أجله؟ هل حقًا سأشاهد اسطورة الأرجنتين والعالم ليونيل ميسي أمامي؟ خليط من المشاعر الجياشة اجتاحتني قبل أن أدلف إلى ملعب (لوسيل) الضخم وأرى كل ما كان يحدثني به الخيال واقعًا ومشاهدًا أمامي.
تكررت مشاهد الدهشة كثيرًا برؤية نجوم البرازيل (سحرة كرة القدم)، وأفضل من يغازلها في ملاعب المستديرة، وغيرهم من نجوم المنتخبات الأخرى، فما أجمل القدر حين يمنحك (لحظات جميلة)، لم تخطر لك على بالٍ ولم تكن يومًا في جدول أمنياتك.
صحبة طيبة
قيّض الله لي صحبة جميلة ورائعة رافقتني في الذهاب إلى قطر، رغم عدم سابق معرفة أو تواصل سوى أسماء كنت أطالعها على الورق تارة أو اسمع بها تارة أخرى..
العزيزان الأستاذ Khaled Alsawdi والدكتور Marwan Alkhaled كانا نعم الرفيقين في رحلة الدهشة والجمال إلى دوحة الخير والخيال، شخصان جميلان بكل ما للكلمة من معنى، ( أخلاق، طيبة، كرم، تواضع، صدق)، أجمالا هما ممّن إذا تحدثت مع أحدهما أو جالسته حّلقت روحك تفاؤلًا ومحبة، هما ممّن إذا حاورتهما سعدت روحك بقربهما، وانتعشت نفسك بمخالطتهما..
مثل (خالد ومروان)، لابد للشخص أن يشتري جوارهما، فقد قيل: (جمال الحياة بمن تصاحب).
ولأن اللحظة جمالية منذ الوهلة الأولى؛ كانت خاتمتها مسكا برفقة الخلوق جدا فؤاد محمد قاسم البرطي ؛ الذي تقاسمت واياه المسكن والمأكل والمشرب؛ أيام عديدة؛ فكان نعم الأخ الكريم والصديق الوفي.
لهم الشكر والمحبة
من لا يشكر الناس لا يشكر الله، شكري وتقديري الكبير للشيخ أحمد صالح العيسي الذي كان حريصا على تسجيلي وذهابي إلى قطر ، والشكر للعزيز معاذ الخميسي رئيس اللجنة الإعلامية؛ لاختياري أن أكون ضمن الوفد الإعلامي اليمني في المونديال العالمي، وهو أيضًا لمعالي وزير الشباب والرياضة “نايف البكري”، الذي سهّل لي إجراءات السفر من عدن قبل انطلاق البطولة بأيام، وللشاب النبيل نسيم واصل مدير عام المراكز الشبابية بقطاع الشباب والرياضة، الذي ساعدني كثيرا في عملية التسجيل في قناة الفيفا وبوابة قطر الإعلامية، ولكل من شعر بالسعادة لذهابي إلى قطر، ولكل الغاضبين والمعترضين أيضا، للجميع محبتي وامتناني.