حكيم مرزوقي
لن نسمي ما يبادر إليه الإسلاميون من حركات تضامنية أو تنديدية، وبصفة عشوائية، مع هذا الحدث أو ذاك بـ”رقصة الديك المذبوح”.. حاشا وكلا.. ذلك أن الديك يعلن انبلاج الصبح، بينما يبشر هؤلاء بسيادة الظلام أينما حلوا.
لم يوفر الإسلاميون بعد انفراط عقدهم، حدثا إلا وأصدروا فيه بيانا للتأكيد على أنهم مازالوا موجودين ولم يصبحوا طي النسيان كما كانوا عليه مطلع الألفية، وبعيد ثورات ما يُعرف بـ”الربيع العربي”.
أين منهم تلك الحالة الطاووسية التي كانوا عليها حين آلت إليهم الأمور في غفلة من المجتمع والتاريخ؟ أين حلفاؤهم وسمّارهم وداعموهم ومسوقوهم في بلاد المغرب ومصر والشام والعراق والخليج؟
الأمر بالتأكيد، لا يعني نهايتهم المبرمة دفعة واحدة، فلديهم ذئابهم المنفردة أو حتى المنظمة، والتي مازالت تنشط أملا في استرجاع “أمجاد” الماضي القريب، لكن هذا الحرص المسعور على إصدار البيانات ومواكبة المستجدات بطريقة خطابية وتكاد تكون يومية، لهو أفضل دليل على أفول نجمهم.
ما يفعله الإسلاميون الآن هو مواكبة روزنامة الأحداث اليومية ومحاولة التفاعل مع الوقائع والأحداث والتعليق عليها كمن يتنفس تحت الماء ويقنع نفسه بأنه لا يغرق.
إيقاع هذه الأيام هو رياضي بالتأكيد، وذلك على خلفية المونديال الذي تستضيفه دولة قطر وأبدت فيه نجاحا تنظيميا ملحوظا، بالإضافة إلى تألق كروي عربي قادته المملكة العربية السعودية التي أعلنت قيادتها الحرب على الإرهاب والمضي قدما نحو التطوير والتحديث.
وكان على الإسلاميين أن يمتطوا الموجة، وألا يفلتوا فرصة الإدلاء بدلوهم وإن كان فارغا لا ماء فيه، فبادروا إلى مواكبة الحدث الكروي، ولكن بطريقة الذي يحاول أن يسحب الغطاء لنفسه فيتقربون من المونديال ومنظميه لغاية في نفوسهم، وبأسلوب مفضوح كمن يحاول لفت الانتباه إليه بالصراخ.
ولأن إيقاع هذه الأيام هو كروي بامتياز، فلقد بادر الإسلاميون إلى تمثل أخلاق الرياضيين، ولكن في الوقت الضائع وفي منطقة “الأوف سايت”.
هذا زعيم حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي، وهو يظهر في زي رياضي مثل مدرب متقاعد، يحاول ترويض الكرة التي مزقت شباكه في مرماه، ويصدر بيانا على صفحات التواصل الاجتماعي يقول فيه إن حركته “تستنكر ما تتعرض له قطر من حملات مغرضة من جهات جمع بينها الحقد على إقدام دولة عربيّة على تنظيم هذه الفعالية الرياضيّة ذات الصيت العالمي والتشكيك في قدرتها على تنظيم هذه البطولة”.
ما لا يشك فيه بأن ما صدر في نص البيان هو بمثابة كلمة حق يراد بها باطل، ولن تنطلي هذه الأقاويل حتى على الدولة المنظمة للمونديال، والتي عدلت في سياستها مع الإسلاميين كما هو واضح وجلي.
الحركة الغارقة في عزلتها بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021 واستقالة عدد كبير من قيادييها، تجد الوقت الكافي لإصدار “بيان رياضي” على غرار ما فعلته قرينتها حماس في غزة، والتي نظمت فيها مؤسسة أحمد ياسين وقفة تضامنية أمام مقر اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، بمناسبة يوم الطفل العالمي الذي يوافق العشرين من نوفمبر من كل عام.
يبدو أن حكومة الدوحة نفسها، لم تعد تعنيها هذه المزايدات التي اعتادت عليها من طرف الإسلاميين، على غرار حماس الإخوانية التي “ضربت اثنين في واحد” أي أنها استغلت يوم الطفل العالمي لتستثمره في مناسبة مونديال قطر، لكن الخطة باتت ممجوجة فيا لخيبة المسعى كما يقولون.
قس على ذلك لدى منظمات إسلامية كثيرة تحاول أن تصطاد في المناسبة والاستثمار في هذا الحدث الرياضي العالمي، فماذا جرى للإسلام السياسي، هل تحول إلى “إسلام رياضي” أم أننا سننتظر بروز مقاربات كثيرة على شاكلة “إسلام بيئي وصحي وفني ومحارب للتدخين وإلخ إلخ”.
الحقيقة أن ركوب الأنشطة الرياضية والشبابية ليس غريبا على الإسلاميين منذ نشأة تنظيم الإخوان المسلمين، والذي كان زعيمه سيد قطب، في مصر، مؤسسا لعدة نواد رياضية في محاولة لاستقطاب الشباب والظهور بمظهر المواكب للعصر والمتفهم لمتطلبات الشباب ومشاغلهم.
وفي هذا الإطار، شهدت ملاعب رياضية عديدة في العالم رفع شعارات إسلامية وجهادية من طرف جمهور منظم، وكذلك لاعبين مأجورين أو منخرطين في تنظيمات إسلامية.
اصطياد المناسبات والتجمعات الرياضية والفنية لتمرير الشعارات وتأكيد الحضور ليس غريبا على الجماعات الإسلامية، لكنه ازداد في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ.
ويفسر المحللون هذه الظاهرة المتجددة بالإفلاس السياسي لهؤلاء، وفقدان رصيدهم الشعبي، لذلك يعمدون إلى ركوب الأحداث والتظاهرات والتجمعات والمناسبات، على غير عادتهم حين يكونون متمكنين من الحكم والسيطرة عبر الوسائل القيادية المباشرة.
الآن، يحاول الإسلاميون في تونس مثلا، ركوب أي موجة ومهما كان حجمها أو جماهيريتها، وذلك لتبليغ رسالة مفادها أنهم تعرضوا لمظلومية ووقعوا ضحية لما يصفونه بالإجراءات غير الدستورية.
أما عن سؤال: لماذا التركيز على الرياضة، وبشكل أكثر من غيرها من النشاطات؟
الجواب بسيط، وهو أن الرياضة من أكثر النشاطات جماهيرية، وتحظى باهتمام الشباب دون غيرهم، وذلك لأنهم الفئة المستهدفة في أجندة الاستقطاب الإسلامي، كما أن كرة القدم هي البوابة الجماهيرية الأكثر اتساعا ومتابعة من طرف الإعلام.
ويرى مراقبون أن الحكومات والدول، ومهما كانت توجهاتها وأمزجتها السياسية، فإنها لم تعد كما في السابق، تضع بيضها في سلال التطرف، وذلك تجنبا للضغوط الدولية والحقوقية وخوفا على مصالحها الدولية ضمن مشهد سياسي جديد.
نقلاً عن “العرب” اللندنية