القاهرة – أحمد جمال
دخل تنظيم الإخوان المسلمين بين ما تسمى بـ”جبهة لندن” و”جبهة إسطنبول” في أزمة جديدة بعد أن تعّمقت الخلافات الداخلية في صفوفه. وأفرزت تعيين قائمين مختلفين بأعمال مرشد الجماعة خلفًا لإبراهيم منير الذي توفي مطلع الشهر الجاري، ما يفتح الباب للمزيد من التشرذم أمام جماعة أخفقت في التعافي عقب فشلها في تحريك الشارع المصري عبر دعوات إلى التظاهر مؤخرا.
وأعلنت ما تعرف باسم “جبهة إسطنبول” الأربعاء عن تعيين زعيمها محمود حسين قائماً بأعمال مرشد الجماعة، وبررت ذلك بارتكازها إلى لائحة مجلس شورى الجماعة التي تنص على اختيار أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنًا، ليحل محل المرشد حال حدوث ظروف قهرية تحول دون مباشرة المرشد العام لمهام عمله.
جاء التحرك بعد أن استبقت “جبهة لندن” التي تزعّمها منير بتعيين نائبه محيي الدين الزايط خلفًا له، وهي ترى أن لها حقاً في إعادة ترتيب أوضاع التنظيم من الداخل، وبعد أن قامت “جبهة إسطنبول” بتعيين حسين ردت عليها “جبهة لندن” بعد ساعات بتثبيت الزايط في موقعه إلى حين استكمال الترتيبات اللازمة بتسمية القائم بالأعمال.
وأخذ الصراع الحالي حيزاً واسعًا من النقاشات داخل تنظيم استفاق على انعدام تأثيره في الشارع المصري، بعد أن حاول توظيف دعوات تظاهر لغض الطرف عن خلافات بدأت تتصاعد منذ ديسمبر الماضي مع إعلان “جبهة إسطنبول” عن إعفاء منير من مهام القائم بعمل المرشد العام للجماعة، وتكليف مصطفى طلبة للقيام بمهامه.
وزعمت قيادات في الجبهتين أن كليهما تلقى رسالة دعم وتأييد له من جانب مرشد الجماعة محمد بديع المتواجد في السجون المصرية.
وقامت بعض الشخصيات بجهود وساطة استهدفت الالتفاف حول هدف واحد يتمثل في إحراج النظام المصري لإحداث هزة في الشارع قد تسهم في توحيد الصفوف وبث الأمل في إمكانية العودة من جديد إلى الساحة السياسية بمصر.
الإخوان جبهتان وتيار ثالث
تعامل تنظيم الإخوان مع دعوات التظاهر في الحادي عشر من نوفمبر الجاري بمزيد من المراوغة اعتادت عليها الجماعة، فلم تصدر “جبهة لندن” بيانات مباشرة تدعم التظاهر، لكن بعض المحسوبين عليها أشاروا إلى أن منير قبل وفاته أوصى بالتعاطي معها بإيجابية.
ولم تدع “جبهة إسطنبول” بقيادة حسين أنصار التنظيم في مصر إلى التظاهر مباشرة وحاولت تصوير الأمر على أنه صدر من قوى سياسية مصرية وهي لا ترفضها.
واستمر موقف التيار الثالث الذي ظهر للعلن مؤخرا، والمعروف باسم “تيار التغيير” أو “الكماليون” نسبة إلى محمد كمال القيادي الإخواني الذي تمت تصفيته في اشتباكات مع قوات الأمن المصرية عام 2016، وكان يتولى قيادة اللجان المسلحة والنوعية للإخوان بتأييد دعاوى العمل المسلح ضد النظام المصري.
واتخذ التنظيم بأجنحته الثلاثة مواقفه المعلنة ستاراً للنفخ في تظاهرات لم تحدث بشتى الطرق، وظهرت واضحة عبر الأذرع الإعلامية التابعة للتنظيم وتدشين قنوات جديدة تستهدف تحريك المواطنين في مصر، وإلقاء الثقل خلف اللجان الإلكترونية والمنصات المختلفة للإيحاء بأن الشارع ربما يستجيب لدعاوى تتماشى مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لكنها اصطدمت بردة فعل سلبية تقود إلى مزيد من الأزمات داخل التنظيم.
وتبادلت جبهات جماعة الإخوان الاتهامات وتراشق المسؤولية حول فشل التظاهرات، واتهم ناشط إخواني يدعى أحمد الجاسر أحد الإعلاميين الذين يعملون في فضائية “الشرق” التابعة للإخوان بأنه وراء تسريب خطة الجماعة لجهات أمنية مصرية.
وطلبت جبهة منير البحث عن أسباب فشل الحراك تمهيداً لتكرار الدعوات والحصول على دعم شعبي، والتزمت “جبهة إسطنبول” الصمت، وبدا تيار التغيير أكثر تمسكاً بتوجهاته نحو العمل المسلح.
من فشل إلى آخر
يقول الباحث في شأن تنظيمات الإسلام السياسي عمرو عبدالمنعم إن تنظيم الإخوان ينتقل من فشل إلى آخر، والخلافات التي ضربت الجماعة منذ فترة وظهرت تجلياتها للعلن العام الماضي تجعلها خارج سياق التاريخ وغير قادرة على ضبط بوصلتها السياسية التي اختفت وسط حالة من التشرذم مع إعلان كل تيار عن تعيين متحدث رسمي وأمين عام ومجلس شورى للجماعة، وأخيراً الإعلان عن مرشدين مختلفين.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الجماعة تلعب بالسياق الإعلامي لإخفاء جوانب فشلها وتتخفى وراء قنواتها الإعلامية نحو تسليط الضوء على ما يحدث في الداخل المصري دون أن تبرز كنتظيم يواجه حالة من التفتت والعطب من الداخل.
وحاولت الجماعة تصعيد الاهتمام بتأبين أحد عناصرها الذي وافته المنية نتيجة ظروف طبيعية في أحد السجون المصرية للتغطية على انتحار شاب من أتباعها في إسطنبول.
وشهدت منطقة شيرين إيفلر التابعة لمدينة إسطنبول الأربعاء انتحار شاب مصري يدعى عبدالرحمن هيثم زهران وهو من عناصر تنظيم الإخوان، ألقى بنفسه من الطابق السابع في العقار الذي يسكنه مع زملائه ليسقط جثة هامدة مع تكرار شكواه من أوضاعه الاجتماعية الصعبة التي يمر بها وعدم قيام قيادات الجماعة بمساعدته.
الصراع الحالي يأخذ حيزاً واسعًا من النقاشات داخل تنظيم استفاق على انعدام تأثيره في الشارع المصري
ويواجه تنظيم الإخوان إحدى أكبر الأزمات على مدار تاريخه وقياداته تفتقر إلى القدرة على فهم ما يحدث من تطورات تدفع الجماعة للبحث عن إعادة تغيير جلدها بشكل كامل، وأن جبهتي لندن وإسطنبول تنتظران وصول رئيس آخر على رأس الحكم في مصر للتفاوض معه نحو إمكانية العودة أسوة بما حدث عقب فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حيث تولى الرئيس أنور السادات السلطة وعقد ما يشبه الصفقة معهم.
وأكد الخبير في شؤون التنظيمات الإسلامية عمرو فاروق أن أزمة التنظيم تتمثل في أن الخلاف لا يقتصر على الصراع في القيادة، فالأكثر حدة وجود خلاف حول تحديد الخلفية الفكرية للتنظيم، وأن نقد القيادي الإخواني المحسوب على جبهة إسطنبول مصطفى طلبة للوثيقة التي أعلنتها جبهة لندن وحديثه عن ضرورة الحفاظ على ثوابت الجماعة وعدم الانجراف نحو متغيرات عامة وضعها حسن البنا تُعبر عن لُب الأزمة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الجماعة أمام متغيرات إستراتيجية تحاول جبهة لندن تمريرها، وتتمثل في الانتقال من الهيكل التنظيمي إلى النشاط الفكري، ووقف النشاط السياسي وعدم الدخول في نزاعات مباشرة مع القاهرة وعدم الاتجاه للسيطرة، والتخلي عن أفكار سيد قطب ما يجعل جوهر الخلاف عميقا بين التيارات الثلاثة.
ولدى قيادات عديدة في التنظيم قناعة بأنه جرى تحجيم أنشطته في الداخل المصري، لكن لم تتم تصفيته والقضاء عليه بشكل نهائي، ما يجعله أكثر تمسكاً ببنيته التنظيمية، وهذا لا ينفي مواجهته لأزمات لم تمر الجماعة بها من قبل، على أمل استرداد عافيته.
المصدر العرب اللندنية