نوران بديع
صحفية سورية
تشهد الآونة الأخيرة تصعيداً كبيراً للتهديدات الإيرانية وميليشياتها باستخدام الطائرات دون طيار، وذلك بعدما أعلنت إسرائيل إسقاط 3 منها تابعة لحزب الله اللبناني يوم السبت.
وفي تقرير تحليلي، أشارت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية إلى أنّ “إسقاط إسرائيل 3 طائرات دون طيار السبت، كشف العلاقة المتزايدة لتهديدات إيران وحزب الله في المنطقة، وتحديداً المحاولات المتصاعدة لاستهداف منصات الغاز قبالة سواحل تل أبيب.
وبحسب الصحيفة “تم إسقاط إحداها بواسطة طائرة F-16، بينما تم إسقاط اثنتين أخريين من قبل البحرية Barak 8 على INS Eilat”، مشيرة إلى أنها “المرة الأولى التي يتم فيها استخدام النظام ضد التهديدات الجوية”.
وكانت القوات الإسرائيلية قد ذكرت مساء السبت عبر موقع “تويتر” أنها أسقطت 3 طائرات مسيّرة تم إطلاقها من لبنان فوق البحر المتوسط. وقال الجيش الإسرائيلي عبر تويتر إنّ الطائرات المسيّرة كانت تتجه إلى المياه الإسرائيلية، لكن وفقاً للتحقيقات الأولية “لم تمثل أي خطر وشيك”.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ الطائرات المسيّرة أطلقتها حركة “حزب الله” الشيعية اللبنانية، التي تحظى بعلاقات وثيقة مع إيران، العدو الرئيسي لإسرائيل.
وفي أول تصريح بعد الحادثة، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، يائير لابيد، إيران، قائلاً: “لا تختبرونا”، واعتبر أنّ “إيران هي التهديد الأول لنا”. وأضاف لابيد: “سنفعل ما بوسعنا حتى لا تمتلك إيران سلاحاً نووياً”.
وكان تقرير جديد لمركز “ألما” البحثي الإسرائيلي قد كشف أنّ حزب الله اللبناني يمتلك نحو 2000 طائرة مسيرة، العديد منها طورتها إيران.
من جهته، أكد حزب الله اللبناني أنه استهدف منطقة متنازع عليها مع إسرائيل بـ 3 مسيرات فوق منشآت غاز بالبحر المتوسط. وقال إنّ المسيرات كانت استطلاعية وإنّ إسرائيل تسلمت الرسالة على حد قول حزب الله، وفق ما أورده “مرصد مينا”.
وجاء في بيان للحزب: “بعد ظهر يوم السبت قامت مجموعة الشهيدين جميل سكاف ومهدي ياغي بإطلاق 3 مسيرات غير مسلحة ومن أحجام مختلفة باتجاه المنطقة المتنازع عليها عند حقل كاريش للقيام بمهام استطلاعية”.
تحذيرات داخلية وخارجية
وبعد هذه الحادثة، أطلقت العديد من التحذيرات الداخلية والخارجية من جر لبنان إلى “معارك بالوكالة” بعد إطلاق مليشيات حزب الله مسيرات باتجاه منشآت نفطية في إسرائيل وكذلك عرقلة مفاوضات ترسيم الحدود.
وفي رد رسمي على اطلاق حزب الله الطائرات المسيرة باتجاه حقل كاريش، عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، اجتماعاً مع وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب لبحث الموضوع.
وانتقدت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة ميقاتي أيّ تحركات غير رسمية في الخلاف مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، واعتبرت أنّ أيّ خطوة غير رسمية في هذا الملف “خطيرة وغير مقبولة”، وفق وكالة الأنباء الوطنية.
وجاء في بيان صادر عن مكتب ميقاتي أنّ لبنان يعتبر أنّ أيّ عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي الذي تُجرى فيه المفاوضات غير مقبول ويُعرّض البلد لمخاطر لا داعي لها.
وكانت السفيرة الأمريكية في بيروت أبدت استياءها من مسيرات حزب الله.
وقال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب في حديث تلفزيوني: “أبلغتني السفيرة الأمريكية دوروثي شيا احتجاجها لإطلاق حزب الله مسيرات فوق حقل كاريش وهناك اتفاق بأن لا يتم أي إثارة للوضع خلال المفاوضات”.
وأضاف: “اجتمعت مع السفيرة الأمريكية وكانت متفائلة بشأن الوصول لاتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية”، مشيراً إلى أنّ “التفاوض بشأن ترسيم الحدود البحرية في مرحلة متقدمة جداً وآخذ في التفاؤل ومن الآن حتى شهرين تتضح مساراته”.
وفي السياق ذاته، نقل “تلفزيون الجديد” اللبناني معلومات مفادها بأنّ الوسيط الأمريكي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين أجرى اتصالات بمسؤولين لبنانيين معنيين بملف الترسيم بينهم نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، وطلب توضيحاً لما جرى بشأن إطلاق حزب الله طائرات مُسيّرة باتجاه حقل كاريش، أمس.
واعتبر هوكشتاين أنّ “إرسال حزب الله لتلك المسيرات من شأنه إيقاف جهود التفاوض، وقد يؤثّر على الإيجابية التي رشحت عن المُحادثات الأخيرة”.
وفي الداخل اللبناني، ارتفعت الأصوات المحذرة من مسيرات حزب الله، وقال النائب في حزب القوات اللبنانية، غسان حاصياني، في حديث تلفزيوني: “لبنان يُستخدم من قبل دول مختلفة للضغط على دول أخرى. لذلك نرى التصعيد والرسائل التي تطلق من لبنان وتوجه بكل الاتجاهات وكان آخرها مسيرات حزب الله، فعسى ألا تتحول المسيّرات إلى مسارات يقحم بها لبنان أو إلى مسايرات شرقية وغربية على حساب لبنان”، وفق ما أورده موقع “العين”.
كذلك اعتبر النائب في “حزب القوات اللبنانية”، غياث يزبك، في حديث إذاعي، أنّ “حزب الله لا يريد ترسيم الحدود، لأن ذلك يفقده حقه في الاحتفاظ بالسلاح وتعزيز دور إيران في لبنان، والمسيرات التي انطلقت البارحة رسالة من إيران، وننتظر رد الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين لمعرفة تداعياتها على الجانب اللبناني”.
بدوره، اعتبر النائب السابق ورئيس المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان، فارس سعيد، أنّ “مسيّرات حزب الله فوق بئر كاريش تهدف إلى تذكير جميع الأطراف أن إيران حاضرة في المفاوضات الجارية بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود برعاية أمريكية وعلى حساب المصلحة اللبنانيّة”.
وكتب على حسابه بتويتر قائلاً: “لأن حادثة المسيرات التي أعلن عنها حزب الله قد تكررّ وقد تحدث حوادث أخطر منها، نطالب نواب الأمّة طرح إشكالية احتلال إيران داخل مجلس النواب”.
وعقب الواقعة، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد، يائير لابيد، إنّ “حزب الله” يشكّل عقبة أمام اتفاقٍ بين لبنان وإسرائيل على ترسيم حدودهما البحرية.
وأضاف لابيد أنّ “الحزب يواصل السير في طريق الإرهاب ويقوّض قدرة لبنان على التوصّل إلى اتفاق حول الحدود البحرية”.
وأضاف خلال الاجتماع الأول لحكومته بعد أيام على حل البرلمان تمهيداً لانتخابات تشريعية جديدة أنّ “إسرائيل ستواصل حماية نفسها ومواطنيها ومصالحها”.
حرب الغاز
وأتت هذه المسيّرات في وقت تُبذل جهود لاستئناف المفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البحرية، التي كانت قد بدأت عام 2020 بوساطة أمريكية في أيار (مايو) من العام الماضي جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها بما في ذلك حقل غاز كاريش.
وكان لبنان قد ندد باستقدام إسرائيل سفينة إنتاج وتخزين تابعة لشركة “إنرجيان” ومقرها لندن، للعمل على استخراج الغاز من حقل كاريش الذي تعتبر بيروت أنه يقع في منطقة متنازع عليها.
من جهتها، تصر إسرائيل على أنّ الحقل يقع ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة وأنّ المفاوضات الجارية حول ترسيم الحدود البحرية لا تشمله.
وفي السنوات الأخيرة، أثار اكتشاف حقول ضخمة للغاز في شرق البحر المتوسط شهية دول مشاطئة وأجّج الخلافات الحدودية. وتوقّفت المفاوضات التي انطلقت بين لبنان وإسرائيل عام 2020 بوساطة أمريكية في أيار (مايو) من العام الماضي جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها بما في ذلك حقل غاز كاريش.
فبالنسبة إلى الدولة العبرية، يقع حقل كاريش في الأراضي الإسرائيلية “على مسافة كيلومترات من المنطقة المتفاوض عليها مع لبنان”، وهو أيضاً ما يشير إليه تحليل صور أقمار اصطناعية لصحيفة “هآرتس” العبرية. لكن بالنسبة إلى بيروت، يقع هذا الحقل في المياه المتنازع عليها.
وفي 9 حزيران (يونيو)، أكد حزب الله أنّ “الهدف المباشر يجب أن يكون منع العدو من استخراج النفط والغاز من حقل كاريش”. وحذّر أمينه العام حسن نصرالله من أن “المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي وأن كل الإجراءات الإسرائيلية لن تستطيع حماية المنصة العائمة لاستخراج النفط من حقل كاريش” على حد تعبيره.
المسيرات الإيرانية
يذكر أنّ إيران تزود ميليشياتها في لبنان واليمن والعراق، بالطائرات المسيرة والتي لها استخدامات مختلفة من طائرات الاستطلاع إلى الطائرات الانتحارية التي تحمل كميات من المتفجرات. وقبل حزب الله، سبق واستخدمت الميليشيات الإيرانية تلك الطائرات في هجماتو على المصالح الأمريكية في العراق، كما استخدمتها ميليشا الحوثي في تهديد الأمن والسلم الأهلي في دول خليجية مثل السعودية والإمارات.
وكانت إيران قد كشفت مؤخراً عن قاعدة مسيّرات عسكرية تحت الأرض، تشمل 100 طائرة مسيّرة يحتفظ بها الجيش في قلب جبال زاغروس، بينها طائرات من طراز “أبابيل – 5” التي قالت إنها مزودة بصواريخ “قائم – 9”.
وكانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، قد أقرت مطلع شهر حزيران (يونيو) مشروع قانون لوقف المسيرات الإيرانية، جاء ذلك بعد يوم من جلسة استماع أمام اللجنة حول سوريا والتي تطرق فيها عدد من المتحدثين إلى دور إيران ووكلائها.
في التفاصيل، أعلن السيناتور الأمريكي بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أنّ اللجنة وافقت على قانون رقم 6089 الخاص بإيقاف الطائرات بدون طيار الإيرانية، مع تعديل يسعى إلى منع طهران وأي جماعات إرهابية أو ميليشيات متحالفة معها من الحصول على طائرات درون.
وأضاف في بيان، أنّ الولايات المتحدة تكثف جهودها لوقف برنامج الطائرات بدون طيار، مشيراً إلى أنّ مشروع القرار يهدف إلى منع إيران والميليشيات الموالية من حيازة مسيرات هجومية.
كما تابع أنّ مشروع القرار هذا يهدف إلى محاسبة إيران على زعزعة استقرار المنطقة.
ولفت السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، إلى أنّ إيران تزود ميليشيات الحوثيين بمسيرات تستهدف السعودية والإمارات، مؤكداً على أنّ مسيرات إيران تهدد أمن الولايات المتحدة وحلفائها.
كذلك أضاف أنّ إيران رعت الهجوم بالمسيرات على رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي العام الماضي.
وأكد أيضاً أنّ هذه الموافقة الأمريكية تأتي بمثابة خطوة مهمة إلى الأمام في ضمان مواكبة وقوف القانون الأمريكي بوجه الاعتداءات الإيرانية، ومحاسبة طهران على أفعالها المزعزعة للاستقرار، وفق ما أورده موقع “العربية”.
وتأتي هذه التصريحات بعد أن لوحظ أنّ السياسة الأمريكية تجاه إيران دخلت مرحلة جديدة منذ أسابيع، بدأت بتحوّل واضح في موقف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وأعضاء حكومته من النشاطات الإيرانية في الشرق الأوسط والعالم.
المصدر : حفريات