صالح عبد الله مثنى
عندما رأيت الاخ المناضل محمد علي الجعدي يتحدث على قناة صوت ٢١ ، عادت بي الذاكرة الى تلك الايام من العام ١٩٦٤م التي عرفته فيها لأول مرة ، ورأيته كقائد للعمل السري في الداخل بمنطقة الضالع ، ، كنت التقي فيه وانا لازلت طالب ، كان يحدثنا عن اهمية وضرورة كسب الشعب لتأييد الثورة والانظمام اليها والمشاركه فيها ، وكان يشجعنا على القيام بذلك النشاط بين صفوف الطلاب ،، وهو الكلام الذي سمعته من الاخ علي عنتر ، عندما جاءنا الى قرية ذخار بعد الهجمات الاولى على القاعده العسكرية البريطانية في حبيل كريزه ، وطلبت منه الانضمام لجيش التحرير ، قال لا ابقى على ما انت عليه بالعلاقة مع الاخوه في الداخل والعمل السياسي بين الطلاب ، الى ان تمكنا من تنظيم اول اضراب للمدرسة المتوسطة في الضالع ، كتبت مذكرة الاحتجاج والمطالب ، ركزت فيها على الحقوق المطلبية قبل الانتقال بعدها للحديث عن الثوره ، علم الامير وطلب احضار الطلاب للوقوف امامه ، واثناء حديثه سأل من كتب المذكرة يااولادي ، اجبنا جميعاً كلنا ، تماماً كما اتفقنا على ذلك مسبقاً ، قال كلكم طيب ، خذوهم الى السجن ، والذي كان يقع داخل سور دار الحاكم الشامي المهدوم بدار الحيد .
كان المناضل محمد علي الجعدي والمناضل محسن فضل قد سبقونا اليه بعد ملاحضة تزايد نشاطهم الثوري ، تمردنا داخل السجن بتشجيعهم ، واخذنا نقذف العسكر الواقفين في حراسته على البوابة الخارجية الرئيسية بالحجارة ، ساعدنا على التمرد ان دار الشامي كان مهدماً وحجاره منثوره حوله ، ولأن السجن لم يسعنا ابقونا مسجونين داخل السور ، شحنوا علينا البنادق ولكنا لم نخف ، بلغوا الامير بالموقف ، وقالوا له اما ان نطلق عليهم النار لايقافهم ، اوان يؤدي تمردهم الى اطلاق سراح المساجين ، فأمر باخراجنا من السجن وعدنا لمواصلة الاضراب معتصمين بالقسم الداخلي ، طلب الامير من وزارة المعارف بعدن تحمل مسؤليتها بمعالجة المشكلة ، فجاء مدير المعارف الاستاذ حسن فريجون ووعد بتلبية مطالبنا بتحسين الضروف المعيشية ، كان الامير شعفل يتصف بالمرونة والحكمة في معالجة المشاكل التي كان يواجهها بادارة الضالع ، عدى تلك التي كانت سلطات الاحتلال تدفع الى تصعيدها ، لجعل السلطات المحلية بالحاجة الى تدخلها ودعمها .
، كان عليا ان اذهب لزيارة الامير للأذن بالعوده والبقاء لرعاية الأسره ، بعد ان اوقفت القيادة المصريه دفع رواتب جيش التحرير وطلاب الجبهة القومية على اثر رفضها الاندماج بجبهة التحرير في العام ١٩٦٦م ، وتوجيهنا للعمل من الداخل للمشاركة في تنفيذ استراتيجية الاغتماد على الشعب ، كان الامير يعرفني من سنوات الدراسة حين كان يحضر سنوياً احتفال اختتام العام الدراسي ، ومرات كثيره هي التي تسلمت منه جائزة الدرجة الاولى ، وكذا بحادثة الاضراب ، قال لي لا لن تبقى في البيت ، لازم تشتغل عندي هنا بالسكرتارية ، وعندما لاحظ عدم تجاوبي ، اضاف او ستذهب للتدريس بردفان ، بعيد يابا شعفل قلت له ، اردف خلاص تروح جحاف ، وافقت ، كان ذكياً شكّ بضروف العوده واراد ان يبقيني تحت الرقابه واشغالي عن التواصل والنشاط لصالح جيش التحرير ، وان يبعدني عن مواقع تحركاتهم ، حسبت ذلك من مزايا المرونة والحكمة التي كان يتمتع بها ، واعتقد انه استفاد من تجربة الامراء السابقين الذين كانت قسوتهم تزيد مقاومة المواطنين اكثر فاكثر ، لولى انه جاء في ضروف تشكلت معها كثير من العوامل الداخلية والخارجية لاندلاع الثورة .
كان االمناضل محمد علي الجعدي يعطينا المعلومات والرسائل لايصالها للاخ علي عنتر قائد جيش التحرير ، كان مناضلاً صلباً لم يهن اويضعف يوماً ، واصل دوره بعزيمة المقاتل المخلص والوفي بعد ان اطلق سراحه ، واستمر يؤدي واجبه حتى اشراقة فجر الحرية وتحقيق الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر ١٩٦٧م ، ضل يمارس عمله في ادارة المديرية كمسؤل ادارة المحاسبة في مديرية الضالع ولم يفكر يوماً ان طالب بوظيفه ارفع او مصلحة خاصة به ، كلما اصبح عليه هو ان اختير ليكون عضواً في القيادة المحلية لتنظيم الجبهة القومية بالضالع التي كلفت بأن اكون مسؤلاً عليها بعد ان شاركت بقيادة انتفاضه شعبيه اسقطنا فيها اول مركز اداري لحكومة الاتحاد ، مركز جبل جحاف في يوم ٧ يونيو ١٩٦٧ م حين كنت مدرساً هناك انذاك ، وعلى الفور شكلنا لجنه شعبيه لادارة المركز ، وقبلها كنا قد شكلنا لجنه شعبيه عليا لحل مشاكل المواطنين في فترة العصيان المدني الذي اعلناه في ربيع العام ١٩٦٧ م .
تحدثناا الى قيادة الحراك السلمي للاستفاده من تلك التجربه بعد تحرير الضالع من الغزو الحوعفاشي ، لكن تعدد تيارات وقيادات الحراك حال دون ذلك ، فعدم وجود بديل لانهيار السلطات المحليه اوالتنسيق معها ادى الى بداية مرحلة الفوضى التي وصلت الى الحالة الراهنه ، واعتقد ان الحاجة لازالت قائمة ، حيث ينبغي اشراك المجتمع بحل مشاكله ، وتضافر الجهود لاقامة مجلس اهلي لمنطقة الضالع من الوجاهات المعتبره والمؤهلة للعمل بين الناس وخدمتهم ، وكذا تشكيل مجالس مماثلة في المديريات ، ولجان المساعدة الاهليه في القرى ،على ان تركز مهامها على حل الخلافات بين المواطنين قبل ان تتحول الى نزاعات واقتتال احياناً ، ورعاية الاسر الفقيره من الزكوات ومساعدات المنضمات الدوليه والتبرعات الخيريه ، وحماية امن واستقرار المواطنين .
لقد ادت جهود المناضل محمد علي الجعدي ورفاقه الأخرين الى كسب معظم رجال وشباب مدينة الضالع الى جانب الثورة والمشاركة بكل فعالياتها السلمية حتى قيام انتفاضة ٢٢ يونيو التي جرى فيها سقوط منطقة الضالع بأيدي الجبهة القومية ، قبلها تواصلت قيادة جيش التحرير مع بعض وجهاء الضالع وعلى رأسهم الشيخ المحترم عبد العزيز الزبيدي لاقناع الأسرة الأميرية بتسليم الاداره سلمياً ، والانتقال للاقامة بالضبيات او اي مكان اخر في الضالع ، ولكنهم فضلوا الرحيل ، وفعلوا ذلك دون ان يتعرضوا لأي أذى ، واحسن لهم ان رحلوا ، فقد دخلت البلاد بعد الاستقلال في فوضى تطورت الى صراعات داخلية محزنه ، دشنت اولى مراحلها مع حركة ٢٢ يونيو ١٩٦٩ م التي ادت الى عزل قيادة الثورة وحكومة الاستقلال ، وتصفية ابرز قادتها ، وفي الواقع كانت تلك الاحداث بداية النهاية التي وصلت اليها دولة الجنوب العتيدة في نهاية المطاف ..
ولكل ذلك تحتل دعوة المناضل محمد علي الجعدي للاستفادة من تجربة الماضي وضرورة الحفاظ على وحدة المناضلين اهمية قصوى لتفادي تكرار الخلافات والصراعات الداخلية التي ادت تداعياتها الى تجدد الازمات ونزيف رحيل القيادات والعقول وفقدان كل منجزات الثورة والشعب ، واننا اذ نحيي هذا المناضل الكبير فاننا ندعو قيادة المجلس الانتقالي الى تكريمه ورعايته وكذا زملائه الاخرين ممن لازالوا على قيد الحياة ، امثال المناضلين عبيد حسين ، وعبد الله مثنى عبد اللاه واحمد محسن الحاج ومحسن الربوعي وغيرهم من اعضاء القيادة المحلية والمناضلين الاخرين الذين اسهموا بتحرير الوطن وتحقيق استقلاله واقامة دولته المجيدة ، ومساعدتهم لمواجهة شضعف العيش الذي اصبح لايطاق ، ومعالجة الامراض التي اصبحوا يعانوا منها ، وبذلك يكمل المجلس رسالته الوطنيه وترسيخ مكانته كحامل لقضية شعب الجنوب وحقه بتقرير مصيره واستعادة حريته ودولته المدنية الديمقراطية .
٢٤ / يونيو ٢٠٢٢ م