القاهرة – أحمد جمال
وضع تصرف الشركة التي تدير حسابات لاعب نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي ماركوس راشفورد بمقاضاة طالب مصري بتهمة التنمر في أحد التعليقات على صفحته الشخصية جمهور مواقع التواصل الاجتماعي أمام حقيقة أن تطبيق القانون على المنفلتين ممكن وإن بعدت المسافات، وأن تجاوز بعض المشاهير أو الشخصيات العادية عن حالات السب والقذف لا يعني أن الجمهور بمعزل عن العقاب.
وأحدث إصرار الفريق القانوني للاعب الإنجليزي ماركوس راشفورد بمقاضاة طالب مصري بتهمة التنمر في أحد التعليقات على صفحته الشخصية صدمة قد تأتي بنتائج إيجابية في المستقبل، حيث تثبت أن ما يدونه المتابعون من تعليقات وتغريدات تحمل اتهامات وتستخدم مصطلحات عنصرية يمكن أن تكون لها أصداء مباشرة عليهم، لأنها على منصات عالمية تتسم بمؤسسية تحتم اختيار الكلمات وانتقاء الألفاظ.
وعقدت محكمة مصرية بمدينة أبوحماد بمحافظة الشرقية شمال القاهرة مؤخرا أولى جلسات محاكمة طالب مصري يدعى محمد عصام اتهمه راشفورد بسبه وقذفه على مواقع التواصل من خلال تعليق على صفحة اللاعب عقب إحدى المباريات.
وقررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الاقتصادية المختصة في نظر قضايا المنازعات التجارية والاستثمارية، للبت في القضية في السابع من يوليو المقبل.
وتعود القضية إلى شهر فبراير من العام الماضي عندما تقدم أحد وكلاء اللاعب بشكوى، ووصلت القضية إلى ساحة القضاء، وصدر أكثر من مرة أمر بالحفظ، ثم فوجئ الطالب بوجود جنحة مباشرة مقامة من قبل وكلاء اللاعب في القاهرة يقاضون الطالب مرة ثانية، وتمت إحالتها إلى المحكمة الاقتصادية وفقًا للاختصاص النوعي.
وأوكل اللاعب الإنجليزي بواسطة الشركة التي تدير حساباته على مواقع التواصل عشرة محامين للدفاع عنه في مصر، وقالوا إن المتهم استخدم عبارات تحتوي على معاني عنصرية وإهانات للاعب عن طريق تعليق في صفحته الرسمية.
ونفى الطالب المصري تلك الاتهامات ودون عدة تغريدات على صفحته بموقع فيسبوك أكد فيها ثقته في تبرئته من جانب القضاء المصري، قائلا “ربما كان راشفورد لاعبا معروفا وعالميا، وأنا مواطن بسيط إلا أننا أمام القانون سواء”.
وأشار إلى أنه حاول التواصل مع راشفورد عن طريق أشخاص في بريطانيا، وقالوا إنه لا يُدير حسابه الشخصي، لكن هناك شركة راعية تدير حساباته تتولى القضية.
وأحدثت قضية اللاعب الإنجليزي جدلاً في مصر، وبدا أن هناك انقسامًا بين من رأوا ضرورة أن يأخذ القانون مجراه ويعاقب الطالب على كلماته التي تحمل تنمرا، وبين آخرين دافعوا عنه بذريعة أنه شاب في مقتبل حياته ومواقع التواصل تعج بالسباب.
وأوضح خبير الإعلام الرقمي خالد برماوي أن هذا النوع من القضايا يأخذ في التصاعد داخل مصر، وأن الكثير من المشاهير أضحوا يتخذون الإجراءات القانونية ضد متابعيهم، غير أن المشكلة تكمن في أن غالبية القضايا لا تصدر فيها أحكام رادعة ولا يتم إثبات التهم نتيجة إجراءات قانونية أو تقنية معقدة تُصعب المهمة.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن التشريعات المحلية بحاجة إلى تحديث ليكون هناك انضباط على المستوى المحلي يسهم في الحد من تكرار رفع قضايا من مشاهير عالميين ضد مواطنين محليين، لأن العالم يسير في اتجاه تحقيق أكبر قدر من الانضباط على المنصات العالمية التي تتداخل في منظومة الاقتصاد والاستثمار الرقمي في العديد من الدول مع اتساع سوق أعمال الشركات العاملة فيها.
وشدد على أن المشاهير دائما ما يكونون أكثر قدرة على تحريك إجراءات قانونية ضد المنفلتين وقد يصعب على الأشخاص العاديين القيام بما فعله اللاعب راشفورد حتى وإن كان ذلك على النطاق المحلي الذي يأخذ فيه هذا النوع من القضايا اهتماما كبيرا من الجهات المسؤولة عن ضبطها.
وتعد هذه هي القضية الأولى من نوعها التي يرفع فيها لاعب أجنبي قضية على مشجع مصري، حيث قام عدد من لاعبي كرة القدم المصريين برفع دعاوى قضائية ضد بعض رواد مواقع التواصل بسبب السب والقذف أيضا، غير أنها لم تأخذ حيزاً من النقاش الإعلامي الجاد، كما هو الحال في قضية راشفورد.
وأكدت أستاذة الإعلام الرقمي بجامعة القاهرة سهير عثمان أن عدم تسليط الضوء على مثل هذه القضايا يؤدي إلى تكرار هذه الجرائم، وقد تكون هناك معلومات عن قضايا رفعها مشاهير ضد مواطنين لكن لا أحد يعرف مصيرها، وأن قضية اللاعب راشفورد تسهم في زيادة الوعي المطلوب في التعامل مع منصات التواصل العالمية.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن استخدام ألفاظ دارجة من قبل مصريين يجري تصنيفها على أنها تحض على الكراهية، من هنا جاء التحرك القضائي الذي يبقى مدعومًا بمساعي مواقع التواصل للحد من انتشار الكراهية من خلالها، كما أن وجود شركات تدير الحسابات يؤكد أن هناك احترافا في التعامل مع القضية.
وأشارت إلى وجود العديد من النقاط التي تغيب عن أذهان الجمهور المصري، لأن بعض الألفاظ التي يتعامل معها البعض كمصطلحات مألوفة قد يعاقب عليها القانون تحت تهمة التنمر، وأن الجهل المجتمعي بكيفية استخدام منصات التواصل وماهية الحالات التي يكون فيها الشخص متهمًا تقود إلى تكرار قضية اللاعب راشفورد.
ويعاقب القانون المصري المتهم بالسب والقذف بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة وغرامة مالية لا تتجاوز 800 دولار، أما التنمر الذي يعد نوعا من أنواع استعراض القوة أو استغلال ضعف المجني عليه فهو حالة يعتقد الجاني أنها مسيئة، كالجنس أو العرق أو الدين أو المستوى الاجتماعي أو غيرها، ويعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تتجاوز 1500 دولار ولا تقل عن 600 دولار.
ويشير خبراء الإعلام إلى أن تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى متنفس للجمهور المصري بديلاً عن وسائل الإعلام التقليدية يزيد من معدلات السب والقذف والتنمر من خلالها، وأن الكثير من المواطنين يتعاملون معها كمساحة يختبئون خلفها ويوجهون عبرها كلمات من النقد اللاذع الذي يتحول إلى عبارات يعاقب عليها القانون، دون أن يكون لديهم الإدراك بطبيعة العولمة وقدرتها على إحداث تأثير مباشر يتجاوز الحدود والمسافات الجغرافية.
ودفع محامي الطالب المصري ببراءة موكله بعدم وجود إثبات بكتابته تلك المنشورات التي يستند إليها اللاعب الإنجليزي، وقد يكون حسابه تعرض للسرقة أو الاختراق، ويرى أن وسائل الإثبات في جرائم الإنترنت قاصرة وعاجزة حتى الآن، في حين أن الجرائم المرتكبة من خلالها متشعبة وعديدة.
المصدر: العرب