كريتر نت / امين صالح محمد / عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي
على وجه كوكب الأرض بلدان تتطور وبلدان تتخلف، بلدان تبنى وبلدان تدمر، بلدان تعيش شعوبها الرفاهية وبلدان تعيش في مجاعة، بلدان تنتج وبلدان تستهلك، بلدان تصنع السلاح وبلدان تستخدم السلاح. هذا التناقض العجيب على وجه الأرض محوره الانسان وهو أداة النهوض والتطور كما هو وسيله الهدم والقتل والتخلف.
إن هذه السُنّةٌ الكونيةٌ لِله سبحانهُ يوم خلق الأرض عندما قال تعالى (اذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفه… الآية) وكذا قال تعالى على لسان ولد ادم عند ما قال لأخيه (…. لئن بسطت اليّ يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لأقتلك…. الآية).
لكنّ الله سبحانه وتعالى خصّنا كمسلمين بالرسالة المحمدية التي علمتنا كل ما ينفعنا وكل ما يضرنا كي نكون من الذين يجتنبون أسباب الدمار والخراب، وسفك الدماء التي حرم الله جل وعلا في قوله (…. من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفس بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا …الآية)
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث (…. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه….) وقوله في الحديث القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا …الحديث).
إن ما يجري اليوم بين المسلمين وبالأخص العرب في معظم اقطاره لهو تجاوز لكل تلك القيم والأخلاق التي علمنا إياها ديننا الإسلامي كي نكون خير أُمه أخرجت لناس. إن الله سبحانه حين خص المسلمين بهذا الدين وخص به العرب بأن جعله بلسانهم. الى ما وهب لنا من عقول نعقل بها ونفقه بها ونميز بها ونفكر بها مثل ما وهب عقول لكل الخلق، وبعد ان وهبنا الله هذا الخير كله وهذه النعمة، فلماذا نحن العرب أصبحت بلداننا تخرّب بيد أبنائها وتدمر بصراعاتهم؟!! ويجبر أبنائها على تركها والبحث عن بلدان بديلة يهاجرون اليها بحثا عن لقمة عيش كريمة عزّت عليهم بها بلدانهم، ويلجئون اليها بحثاً عن الأمان بعد ان فقدوه في بلدانهم.
إن البلدان التي تستقبل أبنائنا وتمنحهم الحرية والكرامة والأمان، والعيش الكريم حققت مكانتها هذه بواسطة الانسان الذي وظف عقله ونشاطه البدني والفكري لصالح الانسان وتطوره فصارت بلدانهم الى ما صارت اليه. فيما بلداننا العربية صارت بهذا الضعف والتمزق تجوع أبنائها وتشردهم وتسفك دمائهم وتهان كرامتهم من خلال توظيف الانسان الخاطئ لنشاطه الفكري والبدني بعيداً عن تلك القيم التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف أدى هذا السلوك الخاطئ الى الاضرار بالشعوب وتدميرها وكذلك الأشقاء العرب لم يقصروا في ذلك، فلم نرى بلداً عربياً دمر دون أن نرى دوراً لأشقائه بهذا القدر أو ذاك.
السؤال هو ما الفرق بين عقولنا وعقول غيرنا؟ حتى صار تفكيرهم للبناء وتفكيرنا للهدم!!! استطاعوا أن يستوعبوا غيرهم وعجزنا عن استيعاب أنفسنا، استطاعوا ان يساعدوا غيرهم وعجزنا عن مساعدة ذاتنا، اصبحوا قادرين على حماية غيرهم واصبحنا عاجزين عن تجنب البطش ببعضنا البعض، صرن وحوش كاسرة ضد بعضنا وحملان وديعة مع غيرنا ــ كما قال الشاعر اسد علي وفي الحروب نعامة …… ــ شجعان ضد بعضنا ونركع عند اقدام غيرنا، نعطي غيرنا بسخاء عربي ونمن على بعض بما نقدم لبعضنا من فتات، اذا تخاصمنا لا نتسامح، واذا امرنا بالتسامح فلا نتردد، اذا تقاتلنا لا نتوقف عن القتال، وإذا يطلب منا التوقف توقفنا، فيصبح الحرب خيارنا والسلم مفروض علينا، هم يصنعون السلاح ولا يستخدمونه ونحن نستخدمه ولا نصنعه، بل يستخدمونه ضدنا لنصرة الضعيف منا إذا أرادو ذلك، يشفقون على أبنائنا المشردين في المخيمات ويموتون من المجاعة والامراض بسبب حروبنا التي نخوضها ضد بعضنا بينما نستخدم نحن معاناتهم للضغط على بعضنا. عقولهم فكرت فأنتجت الأوضاع التي تعيشها بلدانهم، وعقولنا فكرت فأنتجت الأوضاع التي تعيشها بلداننا هم تخلقوا بأخلاق الإسلام رغم انهم غير مسلمين وتخلقنا نحن العرب بالأخلاق الغير إسلامية بالرغم مما لدينا من الإرث الإسلامي.
اليمن أكثر هذه الدول تألما من هذا السلوك المشين، الَمَها من أبنائِها ومن اشقائِها، فأشقائُها أصبحوا يتنافسون مع أبنائها في إلحاق القدر الأكبر من الضرر والاذى به.
فإن لم تكن في هذا البلد صحوتُ ضميرٍ عند النخب الفاعلة في الشمال وعلى راسهم انصار الله (الحوثيون) ومن تبقى من حزب الإصلاح و حزب المؤتمر، للالتقاء مع إخوانهم من النخب الفاعلة في الجنوب كأنداد للبحث في افضل سبل الحل الذي يضمن عدم تكرار الحروب وتحقق العيش المشترك في اطار التكامل والتعاون كدولتين مستقلتين كما كانت قبل إعلان الوحدة الفاشلة بينهما وبإرادة حرة بعيداً عما يفرضه علينا غيرنا بعد ان فشلنا في الوحدة والتعايش بدلا من الاستمرار في الصراع والحروب التي ستمزقنا الى اكثر من ذلك ونحل مشاكلنا الداخلية بعيداً عن ضغط وهوس الوحدة أو الموة، دعونا مرة واحده نعيد لعقولنا اعتبارها ووظيفتها بعيدا عن التشبث بالسراب ونصنع مستقبل أفضل لأبنائنا بدلا من تركهم يرثون الصراع والحقد على بعضهم لسبب لم يكونوا مسؤولين عن وجوده .
إن الخيار أمام إخوتنا في الشمال فإن استمرت شطحاتهم فلن تجد من الجنوب الا أن يذود عن حقه المشروع، فحق الشعوب تحققه إرادتها وليس منه من أحد، فقط نقولها بالصوت العالي أن التوافق أفضل الخيارات وأسلمها وأثمنها ولكن إذا فرض على شعبنا ما يكرهه فإنه سيفعل ما يجب عليه فعله مضطرا، وسيتضرر طرفينا مما قد يضربنا وبكم مع الفارق أنه لم يعد لنا ما نحرص عليه بعد أن دمرتم كل ما كان لدينا من خلال حربين اثمتين شنيتموها علينا من أسوى الحروب شراسة ووحشية، غير التدمير الممنهج للجنوب من خلال ألسلطة التي مارستموها على الجنوب نحو خمسة وعشرين عام ولكم الاختيار.