ترجمة: حسن عبده حسن عن «سي إن إن»
تعتبر محطة الفضاء الدولية مثالاً ساطعاً على التعاون الدولي. فقد اجتمع حلفاء وأعداء الحرب الباردة والحرب العالمية الثانية معاً لصنع ما يعتبر البرنامج المدني الدولي الأكثر نجاحاً، والذي لايزال مستمراً حتى الآن، بعد نحو 20 عاماً. وفي هذه الأيام وبعد أن وصل التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا إلى أعلى مستوى ممكن منذ بداية محطة الفضاء الدولية، من الجدير بالأهمية النظر إلى السماء بحثاً عن طريق إلى الأمام على الأرض.
صداقات قوية
وللوهلة الأولى، حقاً إنه أمر رائع أن تواصل الدول المشاركة في المحطة الدولية، وهي الدول الموجودة في وكالة الفضاء الأوروبية، واليابان وكندا، والولايات المتحدة، وروسيا، العمل معاً بصورة جيدة، بالنظر إلى أنها غالباً تمتلك وجهات نظر مختلفة عن أحداث العالم وقضاياه.
ولكن مع قليل من التفكير، تصبح جلية أسباب عدم وصول التوتر الدولي إلى محطة الفضاء الدولية، إذ إن كل شريك في هذه المحطة له مصلحة كبيرة في نجاحها واستمرار القيام بعملياتها. ويكرس رواد الفضاء، ومراقبو الرحلات الفضائية، والاختصاصيون الفنيون كل جهودهم من أجل نجاحها، وتم تقديم جميع الموارد الضرورية لهم وتركوا وشأنهم ليقوموا بواجبهم.
وتتكون صداقات قوية بين المهنيين الدوليين على المحطة وجميع من يعمل في هذا البرنامج، بدءاً من مراقبي الرحلات الفضائية إلى المهندسين. وتحدث أيضاً نقاشات صادقة وأحياناً ساخنة. ولكن الصداقة تستمر وكل شخص يواصل التحرك في الاتجاه نفسه.
وفي بداية العقد الأول من الألفية الأخيرة، وبعد سنوات من حرب البوسنة والهرسك، بدأتُ العمل في التدريب في روسيا، وكان هناك صراع في منطقة البلقان وحولها، وأتذكر مراراً عندما كنا نسمع هدير طائرات الشحن الروسية الثقيلة، وهي تقلع طوال الليل من القواعد الجوية القريبة منا، وهي تنقل الجنود والمواد اللازمة إلى مناطق الصراع.
ضم القرم
وناقشنا نحن الأميركيين هذه القضايا مع أصدقائنا الروس في برنامج التدريب، وتعلمت أن أحد أروع الأشياء التي تتعلق بكيفية العيش في عوالم أخرى، تكمن في تطوير وجهات النظر. وليس بالضرورة أن تتفق مع ما يقولون، ولكنك تستطيع احترام وجهات نظر الطرف الآخر.
وكنت أعمل في التدريب في روسيا شهراً وأتوقف شهراً آخر خلال البرنامج، الذي امتد لأربع سنوات، قبل إطلاق محطة الفضاء الدولية على متن الصاروخ الروسي «سايوز تي إم إيه-5»، وخلال جميع الخلافات التي وقعت بين الدولتين، بينما كنت جزءاً من محطة الفضاء الدولية في الفترة ما بين 2001-2005 لم يكن هناك أي مشكلات مطلقاً حول برنامج المحطة. ولكن في عام 2014، عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وضمتها إلى أراضيها، وردت بعض التلميحات على أن الوضع لن يستمر على ذلك.
وفي أعقاب الضم الروسي للقرم، صدرت إدانات عن الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، ما دفع نائب رئيس الحكومة الروسية في حينه، ديميتري روغوزين، إلى نشر تغريدة قال فيها، ربما يضطر رواد الفضاء الأميركيون للصعود إلى محطة الفضاء الدولية عن طريق «الترامبولين» بدلاً من صواريخ الفضاء الروسية.
«سبيس إكس» تكسر الاحتكار
وكنا في ذلك الوقت نعتمد بصورة شاملة على روسيا من أجل الصعود إلى محطة الفضاء الدولية، وكانت هذه المرة الأولى، التي يهدد فيها مسؤول سياسي في دولة مشاركة في المحطة الدولية، دولة أخرى، حول التعاون في برنامج الفضاء الدولي. وأصبح روغوزين في ما بعد مدير وكالة الفضاء الروسية «روسكوسموس» عام 2018. وهو منصب لايزال يعمل فيه حتى يومنا هذا. وخلال هذه الأيام، لم تعد الولايات المتحدة تعتمد على صواريخ سويوز الروسية من أجل إرسال الأشخاص والمعدات إلى محطة الفضاء الدولية بعد أن كسر صاروخ، دراغون من شركة «سبيس إكس» احتكار صواريخ سايوز.
وفي عام 2022، تتجدد التوترات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعالم الغربي، وسط التهديدات الروسية بغزو أوكرانيا. وبالنظر إلى أن روغوزين هو الآن رئيس وكالة روسكوسموس ومقرب من بوتين، فمن المحتمل أن يصبح التعاون في برنامج محطة الفضاء الدولية رافعة للضغط على الولايات المتحدة، كي تخفف من غلواء موقفها، وهذا من شأنه أن يسبب مشكلة عويصة.
أكبر شريكين
والحقيقة، أن كلاً من الشريكين الكبيرين في محطة الفضاء الدولية، وهما روسيا والولايات المتحدة، مطلوب منهما مواصلة العمل. وتعتمد قدرة المحطة على العمل في التعاون بين كل من مراكز التحكم والمراقبة في كلا البلدين، إضافة إلى فرق المتخصصين في كلا البلدين وأفراد الطواقم. وإذا أصدرت إحدى وكالات الفضاء أوامر للعاملين فيها أن يحدّوا، أو يوقفوا تعاونهم، فإن محطة الفضاء الدولية ستكون في خطر داهم.
وعلى سبيل المثال، فإن السيطرة على توجيه محطة الفضاء الدولية موضوع حاسم بالنسبة لبقائها في مدارها، ويتطلب هذا الأمر تنسيقاً وثيقاً بين مراكز المراقبة والتحكم ومدى تعاونها. ويمكن أن يعمل أحد الأطراف أو الآخر لفترة طويلة بصورة مستقلة. وهو أمر ربما لا يمكن أن يفهمه كبار القادة السياسيين أو يقدرونه. ولأسباب فنية، فإن انعدام التعاون يمكن أن يؤدي فعلياً إلى ضياع المحطة برمتها.
وفي الحقيقة فإن أحد أهم الأشياء الناجمة عن برنامج الرحلات البشرية الفضائية كان الإطار العالمي الذي جعل محطة الفضاء الدولية أمراً ممكناً. وكان الشركاء في البرنامج يعملون جيداً بصورة جماعية، وكانوا مثالاً يحتذى بالنسبة للمجالات الأخرى للتعاون الدولي، وفق بيان صادر عن البيت الأبيض عام 2009، والذي ساعدت على كتابته.
تفهّم الموقف الروسي
واستناداً إلى خبراتي، فإني أستطيع تفهم المخاوف الروسية خلال النزاع الأوكراني الجاري، على الرغم من تأييدي بحزم الموقف الأميركي. ولو أن الاتحاد السوفييتي لايزال موجوداً، لا أدري كيف يمكن أن تشعر الولايات المتحدة حول احتمال انضمام كندا والمكسيك إلى حلف وارسو. وبصورة مشابهة، فإن أصدقائي الروس وأنا متأكدون من وجاهة وجهة النظر الأميركية، فأوكرانيا دولة ذات سيادة، ولها الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة بتحالفاتها، وفي القضايا الأخرى. وهذا على الرغم من حقيقة أن كلاً من روسيا وأوكرانيا ينحدران من دولة كيفان روس، (وهي دولة فدرالية كانت تضم العديد من الشعوب السلافية والبلطيق، واستمرت في الفترة ما بين القرن التاسع حتى الثالث عشر الميلادي)، ولذلك بالنسبة لهم، فإن الخطوط يمكن أن تكون أكثر رمادية من كونها سوداء أو بيضاء.
حفظ ماء الوجه
يتعيّن على القادة السياسيين لدى جميع الأطراف الانخراط مع بعضهم بعضاً بتفهّم جيد لوجهات نظر الأطراف الأخرى، ولإيجاد حلول تحفظ ماء الوجه. وليس لمجرد المحافظة على محطة الفضاء الدولية وهي تعمل بصورة آمنة، وإنما الأمر الأكثر أهمية هو من أجل شعوب الدول المعنية. أحد أهم الأشياء الناجمة عن برنامج الرحلات البشرية الفضائية كان الإطار العالمي الذي جعل محطة الفضاء الدولية أمراً ممكناً.
المصدر : الإمارات اليوم