كتب : احمد عبدالله المجيدي
تابعت مثل غيري الحلقات التي تبثها قناة ( العربية ) مع الاخ حيدر العطاس تحت عنوان ( الذاكرة السياسية ) ، و مع انني من الناس الذين لا يحبذون نبش الماضي لاغراض سياسية و جعله مدخلا لمزيد من الاحتقان خاصة في مثل هذه الاوقات العصيبة التي يمر بها وطننا و شعبنا ، و حاجتنا الماسة لمعالجة الحاضر ومداوات جروح الماضي المليئ بالمرارة و فتح افق المستقبل في ظل حرب جائرة اكلت الاخضر و اليابس و ادت الى اوضاع كارثية يكتوي بنارها المواطن اليمني اينما كان ، فأن استرجاع تاريخ التجربة في الجنوب و على لسان العطاس و بالاعتماد على ذاكرته ليس اوانها الان ، كما وانها جاءت لاغراض مبيتة لا تخفى على احد.
ولكن ما دفعني للكتابة عما قاله حيدر العطاس في سياق حديثه عن الاحداث والصراعات الموءلمة التي عصفت بجنوبنا الحبيب و كان ذروتها الاحداث المؤسفة في ١٣ يناير ١٩٨٦ م .
فقد اتهم العطاس الاخوين علي سالم البيض و سعيد صالح سالم بقتل الاخ عبدالفتاح اسماعيل ، ولاننا كنا شهودا على الاحداث و قريبين منها بشكل مباشر فإننا نستغرب هذا الاتهام بل و نستهجنه الا ان يكون الاخ العطاس قد اختلطت عليه الاحداث و الاسماء بحكم عامل السن و هو ما يتوجب منه تصحيح ذلك والاعتذار عن ما بدر منه
واتذكر جيدا ان الاخ علي سالم البيض كان مرقدا في معاشيق اثر الاصابة التي لحقت به عند خروجه من مبنى اللجنة المركزية ، وعند اتصالي به للاطمئنان عليه قال لي كلمات مؤثرة 🙁 لم يزرني احد ولم يسأل عني احد من الرفاق غير ملكي التي تمارضني ) قلت له : ( الرفاق جنبك جالسين يناقشوا و مختلفين على ترتيبات الامانة العامة للحزب ) وكان ابرز المتنافسين عليها الاخوين صالح منصر السييلي و سالم صالح محمد الذين تغيبا عن اجتماع المكتب السياسي يوم ١٣ يناير ، ولم نعرف او نسمع ان الاخ علي سالم البيض كان طامحا او منافسا لاي شخص على منصب الامين العام للحزب.
لكن اغلب قيادات اللجنة المركزية و المكتب السياسي كانت ترى في البيض رجل المرحلة خاصة بعد استشهاد عبدالفتاح اسماعيل وعلي عنتر وصالح مصلح وعلي شائع وخروج الاخ علي ناصر محمد ، وهذا ما اقترحناه في اجتماع في منزلي بتاريخ ١٨ يناير ضم ثمانية عشرعضوا ان لم تخني الذاكرة – من اعضاء اللجنة المركزية و المكتب السياسي ، وجميعنا اتفق على ان الاخ علي سالم البيض هو من تبقى من القيادات التاريخية وهو المناسب والاكفئ لتحمل قيادة الحزب وان يكون الاخ سالم صالح محمد نائبا للامين العام ، وكان همنا وقف القتال ووضع حد للمتنافسين على منصب الامين العام و المواقع القيادية المهمة من الاعضاء القياديين المتواجدين في معاشيق في الوقت الذي يجري الاقتتال في شوارع عدن و الشيخ عثمان ودار سعد وغيرها ووضع حد لتداعيات الحرب التي جعلتنا نتداعى لذلك الاجتماع عصر يوم ١٨ يناير بحضور ١٨ عضوا بينهم عضوين من المكتب السياسي هما الشهيد جار الله عمر وسالم جبران الى جانب سعيد صالح سالم و قائد محمدعلي صلاح و محمد جرهوم و سيف منصر محمد و د.صالح محسن الحاج و د. احمد عبداللاه و حسان حسين علي و محمد سالم بادينار وسعيد الخيبة وسعيد مثنى الكحيل و احمد عبدالله المجيدي . وذلك في منزلي الكائن في منشاءات المياه بستان الكمسري حديقة الملاهي حاليا ، وليعذرني الاخوة الذين لم تحضرني اسماءهم الان
في الاجتماع تقدمنا بمقترح الى الاخوة اعضاء القيادة الموجودين في معاشيق المقترح الاول ان يكون الامين العام للحزب علي سالم البيض وبررنا ذلك المقترح وثانيا- يكون الاخ حيدر العطاس رئيسا وثالثا- ان يكون الاخ د.ياسين سعيد نعمان رئيسا للوزراء و قد رفض الاخ سعيد صالح مقترحنا بان يكون نائبا للرئيس ، كما اقترحنا المفاضلة بين الاخوين صالح عبيد احمد و هيثم قاسم بأن يكون احدهما وزيرا للدفاع و الاخر رئيسا لهيئة الاركان
كما وضعنا مقترحا بمعظم اسماء الوزراء و استلم القائمة الاخوة جار الله عمر وسعيد صالح سالم وقائد علي صلاح وذهبوا بها الى معاشيق لمناقشتها مع الاخوة المتواجدين هناك و فعلا جرت مناقشات مطولة حول القائمة المقترحة و تمت الموافقة عليها باستثناء بعض التعديلات في بعض الحقائب حيث رفض الاخ محمد سعيد محسن قبول اي منصب امني و حل محله صالح منصر السييلي وزيرا للداخلية و الاخ سعيد صالح لامن الدولة
هذا كان بعد ان صدر بيان النعي للشهيد عبدالفتاح اسماعيل و بعد ان اقرت اللجنة المركزية تقرير اللجنة التي حققت في ملابسات استشهاد عبدالفتاح.
هذه الحقائق التي اوردتها كما حدثت بالفعل تؤكد عدم صحة حديث العطاس ( للعربية ) و اتهامه للاخ البيض والاخ سعيد صالح باغتيال عبدالفتاح اسماعيل.
وفي صباح ١٩ ينايراتصل بي تلفونيا الاخ علي سالم البيض و قال : ( بلغني انكم اجتمعتم في بيتك خير ما عملت يا ابا عمرو لوقف نزيف الدم ، فقط لو انكم اقترحتم الاخ صالح ابوبكر بن حسينون وزيرا للدفاع لما يمتلك من تجربة طويلة في القيادة العسكرية وشخص عاقل قلت له : اتفق معك و لكن لا تنسى اهمية الامانة العامة للحزب و رئاسة الدولة اهم .. وان الاخوة قد لا يقبلوا ذلك و تكون مشكلة ، فقال : صحيح ).
و اختتم حديث الذكريات هذا ان البيض لم يكن مسئولا لا من قريب او بعيد عن اغتيال عبدالفتاح اسماعيل و لا ادري من اين جاء العطاس بمثل هذا القول الخطير.
ٱملا في الاخير ان يتصدى للكتابة التاريخية – وخاصة تلك التي لازالت ذيولها و تداعياتها باقية الى اليوم – مؤرخون اكاديميون محايدون و ان يبدأوا بتوثيق الحقائق و الوقائع و تدوينها و المحافظة عليها الى فترة لاحقة ليس فيها اية تداعيات و يكون فيها هذا التاريخ الموثق مسرودا للباحثين و الطلاب للمراجعة و اخذ التجارب و الدروس و الاستفادة من اخطاء الماضي.