كريتر نت
تونس – يترقب التونسيون ما ستكون عليه خارطة الطريق في المرحلة المقبلة بعد القرارات الرئاسية التي تم بموجبها تجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من منصبه واتخاذ مجموعة من القرارات لتسيير دواليب الدولة طوال الأيام الثلاثين القادمة.
وكان الرئيس التونسي قد أعلن أن لجوءه إلى الفصل ثمانين من الدستور جاء على خلفية وجود “خطر داهم” تواجهه البلاد في ظل أزمة سياسية عميقة أدت إلى شلّ الحكومة والمؤسسات العامة.
وجمّد الرئيس سعيّد ليل الأحد الماضي أعمال البرلمان لمدة شهر وأعفى المشيشي من مهامه وتولى بنفسه السلطة التنفيذية، في خضم أزمة اقتصادية واجتماعية فاقمتها تداعيات جائحة كوفيد – 19.
ثمّ أعفى يوم الاثنين وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالنيابة ووزيرة الوظيفة العمومية والناطقة الرسمية باسم الحكومة حسناء بن سليمان من مهامهما.
واعتبر الرئيس التونسي أن “الخطر واقع بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمرافق العمومية”، وأن “العديد من الملفات في كل القطاعات صارت تسير بناء على الولاء لذلك الحزب أو ذاك اللوبي”.
صلاح الدين الجورشي: الرئيس سعيّد سيكون حذراً في عملية اختيار رئيس الحكومة المقبل
ويرى الباحث السياسي صلاح الدين الجورشي أنّ سعيّد “أمام تحدّ كبير ليظهر للتونسيين والعالم أنه اتخذ القرارات الصائبة”.
ومنذ الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي قبل عشر سنوات، لم تتمكن الحكومات المتعاقبة، التي وضعت البلاد على سكة الممارسة الديمقراطية، من إيجاد حلول لأزمات عدة أبرزها ارتفاع نسبة البطالة وسوء الخدمات العامة الأساسية وتدني القدرة الشرائية وكلها شكّلت مطالب الثورة.
وأدى ذلك كله، فيما تثقل الديون الخارجية ونسبة التضخم كاهل البلاد، إلى تنامي الغضب الشعبي على وقع انقسامات سياسية واحتدام الصراع على السلطة منذ انتخابات عام 2019. وعُيّن منذ ذلك الحين ثلاثة رؤساء وزراء لم يتمكن أي منهم من تشكيل حكومة، وأُعفي آخر من مهامه بعد ستة أشهر، وسط أزمة اجتماعية وأخرى صحية حادة.
وجاءت قرارات الرئيس قيس سعيّد بعد نهار تخللته تظاهرات واسعة في مدن عدّة مناهضة للحكومة وتحديداً لكيفية تعاملها مع تفشي وباء كوفيد – 19 بعد تسجيل طفرة في الإصابات.
وأدت جائحة كورونا إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية، فالأمر يفسر جزئيا مساندة الكثير من التونسيين لقرار الرئيس قيس سعيّد تعليق عمل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء.
وطالب الآلاف من المتظاهرين بحل البرلمان، في وقت يشعر الرأي العام التونسي بالغضب من الخلافات بين الأحزاب الممثلة فيه، ومن الصراع المستمر بين رئيس البرلمان راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة وبين الرئيس سعيّد، وهو أمر أدّى إلى حال من الشلل.
لكن تونسيين كثيرين أيضا نزلوا إلى الشوارع لإظهار الدعم لما وصفه الرئيس بأنه محاولة لإنقاذ بلد يتهاوى بما يعكس الغضب من المحنة الاقتصادية والشلل السياسي.
ووصف حزب النهضة، الأكبر تمثيلاً في البرلمان، إجراءات سعيّد الأحد بأنها “انقلاب على الثورة والدستور”، لكنه عبّر عن استعداده لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة ومتزامنة من أجل ضمان حماية المسار الديمقراطي.
لكن يتعيّن قبل انتخابات مماثلة، وفق ما قال القيادي في حركة النهضة نورالدين البحيري لوكالة الصحافة الفرنسية، أن “يستأنف البرلمان نشاطاته ويصار إلى إنهاء السيطرة العسكرية عليه”، حسب قوله.
ودعت النهضة إلى “حوار وطني” لإخراج البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.
يتعيّن على الحكومة المقبلة تحسين الظروف المعيشية للتونسيين، في وقت تطالب منظمات غير حكومية تحظى بنفوذ واسع الرئيس سعيّد بوضع خارطة طريق مع جدول زمني مفصّل.
ويرى مراقبون أن الأمور باتت هادئة، وأن قرارات الرئيس سعيد صارت أمرا واقعا وأن حركة النهضة ليس أمامها سوى أن تتفاعل مع تلك القرارات حتى لا تجد نفسها في عزلة تامة عن المشهد.
وكان سعيّد أعلن الأحد أنه سيتولى “السلطة التنفيذيّة بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة ويُعيّنه رئيس الجمهوريّة”.
لكن الجورشي يعتبر أن “سعيّد سيكون حذراً جداً في عملية اختيار رئيس الحكومة المقبل لأنه يريد شخصاً يثق به ويشاطره السياسات نفسها”.
ويتعيّن على الحكومة المقبلة تحسين الظروف المعيشية للتونسيين، في وقت تطالب منظمات غير حكومية تحظى بنفوذ واسع سعيّد بوضع خارطة طريق مع جدول زمني مفصّل. ويخول الفصل ثمانون من الدستور الرئيس اتخاذ تدابير استثنائية “في حالة خطر داهم”، دون أن يحدد طبيعتها.