الجزائر – صابر بليدي
يسود الترقب نتائج الانتخابات النيابية المبكرة في الجزائر حيث أكدت سلطة تنظيم الانتخابات أن النتائج ستُعلن خلال بضعة أيام، وذلك في وقت أكدت فيه تسريبات لـ”العرب” أن الأحزاب التقليدية على غرار جبهة التحرير الوطني قد حافظت على مكانتها في المشهد السياسي على عكس ما كان متوقعا.
وخلّف تأخير سلطة تنظيم الانتخابات الجزائرية للإعلان عن نتائج الانتخابات النيابية المبكرة التي جرت السبت في ربوع البلاد حالة من الترقب والغموض حول هوية النواب الجدد، خاصة في ظل الصدمة التي تركتها المقاطعة الشعبية الواسعة في أوساط المرشحين والأحزاب، وبروز مؤشرات توحي بمحافظة الأحزاب التقليدية على مواقعها، مقابل تسجيل “أعمال تزوير”.
وصرح رئيس حزب صوت الشعب المعتمد حديثا لمين عصماني بأن رغبة حزبه بالمساهمة في عملية التغيير السياسي لم تكلل بالنجاح، في ظل المعطيات التي أفرزتها العملية الانتخابية، حيث أفضت إلى تأكيد سيطرة الأحزاب التقليدية على المشهد بفضل هيكلتها القاعدية وتغلغلها في النسيج الإداري، وإلى تسجيل عزوف شعبي كبير، بات من الضروري التوقف عنه بجد وتقديم الحلول اللازمة، وفق قوله.
وألمح عصماني إلى “وقوع تواطئ بين الإدارة وبين الأحزاب السياسية المحسوبة على مرحلة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وعلى حساب الوجوه والمكونات السياسية الجديدة”، مستدلا على ذلك بحالات ذكرها كان فيها مسؤولو سلطة تنظيم الانتخابات المحليون على علاقة أو قرابة مع مرشحين في الانتخابات.
وأظهرت تسريبات أولية استقتها “العرب” من عدة محافظات كالعاصمة وجيجل والبويرة وبومرداس عن تحقيق الأحزاب التقليدية كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي لنتائج مفاجئة مقارنة بتوقعات سابقة حول تراجعها في المشهد الجديد، في حين صعدت أحزاب إسلامية وأخرى جديدة إلى الصف الثاني، على غرار جبهة المستقبل وحركة البناء الوطني وحركة مجتمع السلم، بينما سجل المستقلون انتكاسة مفاجئة.
غير أن الغموض الذي يلف عملية فرز الأصوات ونسبة المشاركة وتأخير الإعلان عن النتائج زاد من مخاوف المهتمين بالعملية، حيث أعلنت سلطة التنظيم عن إرجاء الكشف عن النتائج إلى بعد عدة أيام، وبررت ذلك بتعقيدات العملية عكس الاستحقاقات السابقة.
لمين عصماني: رغبة حزبنا بالمساهمة في عملية التغيير لم تُكلل بالنجاح
وأعلنت حركة مجتمع السلم ”حمس” الإخوانية الأحد أنها تصدرت نتائج الانتخابات محذرة من “محاولات واسعة لتغيير النتائج ستكون عواقبها سيئة على البلاد”.
وشكل نمط التصويت المفتوح على اللائحة، باختيار مرشحين دون آخرين في اللائحة الواحدة، تحولا لافتا في مسار الاستحقاقات الانتخابية بالجزائر، إذ تم انتقال السباق وحتى المناورة إلى ما بين أعضاء اللائحة الواحدة، وهو ما يستدعي فرزا أوليا للوائح ثم فرزا ثانيا لعدد الأصوات التي تحصل عليها كل مرشح.
ووسط الصدمة التي أحدثتها المقاطعة الشعبية الواسعة للانتخابات، حيث لم تتجاوز سقف 15 في المئة قبل أربع ساعات من قفل صناديق الاقتراع، لا يستبعد معارضون للاستحقاق أن تكون السلطة قد لجأت لتضخيم النتائج، حيث أعلنت سلطة التنظيم عن تسجيل نحو 30 في المئة في المساء، مما يوحي إلى أن المشاركة قد ارتفعت بنسبة مئة في المئة، وهو أثار استياء رواد شبكات التواصل الاجتماعي التي ظلت طيلة الأسابيع الأخيرة منصة لأنصار الانتخابات ولمعارضيها.
وكان الرئيس عبدالمجيد تبون قد أعلن السبت عقب الإدلاء بصوته بأن “نسبة المشاركة لا تهم، بقدر ما يهم التمثيل الحقيقي للأعضاء الجدد للبرلمان للذين صوتوا عليهم، والاضطلاع بالسلطة التشريعية، في إطار إرساء المؤسسات الجديدة وإحداث التغيير المنشود”.
ويبدو أن سلطة تنظيم الانتخابات ستظل في موقف حرج، بفعل احتجاجات واسعة رفعت في العديد من مكاتب الاقتراع بعدد من المحافظات، على غرار وادى سوف، تقرت، تيارت والبويرة، حيث أظهرت تسجيلات تم تداولها على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعي تسجيل خروقات وتزوير مفضوح لحساب مرشحين على حساب آخرين.
الغموض الذي يلف عملية فرز الأصوات ونسبة المشاركة وتأخير الإعلان عن النتائج زاد من مخاوف المهتمين بالعملية
وذكر المرشح المستقل عبدالعالي مزغيش، في محافظة تقرت، أن “مدير المركز قام في المساء بغلق المكاتب والمركز في وجه المواطنين، ولما تم فتحه بالقوة تم الوقوف على عملية تزوير مفضوحة لحساب مرشحين حزبيين”، داعيا إلى ضرورة تدخل السلطة المركزية لحماية الأصوات من التلاعب والتزوير.
وفيما سجلت منطقة القبائل أقل نسبة مشاركة في الاستحقاق، كانت المشاركة واسعة في المحافظات المستحدثة في التقسيم الإداري الأخيرة، وتجاوزت في معظمها سقف الأربعين والخمسين في المئة، الأمر الذي طرح إمكانية توظيف السلطة للمحافظات المذكورة في إيجاد التوازن للاستحقاقات الانتخابية.
وكانت الحكومة قد راجعت التقسيم الإداري للبلاد، باستحداث عشر محافظات جديدة تقع كلها في الجنوب، بدعوى تقريب الإدارة والخدمات من المواطنين وبعث التنمية المحلية، غير أن اللافت هو تسجيل نسب مشاركة كبيرة فاجأت الرأي العام، وأعادت فرضية توظيفها في مثل هذه الاستحقاقات.
ويعتبر البرلمان الجديد أول مؤسسة تأتي بعد أحداث الحراك الشعبي المستمر في البلاد، ويعول عليه من طرف السلطة في تمرير الأجندة القادمة، وعلى رأسها إمكانية إرسال الجزائر بوحدات عسكرية إلى خارج حدودها الجنوبية، في إطار عقيدة عسكرية جديدة استحدثها الدستور الجديد، يمكّن المؤسسة العسكرية من المشاركة في الحرب على الإرهاب تحت غطاء الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وحتى ضمن اتفاقيات ثنائية.
المصدر : العرب اللندنية