الجزائر – صابر بليدي
ركزّ الإسلاميون في الجزائر جهودهم مؤخرا على الانتخابات النيابية المقرر تنظيمها في شهر يونيو المقبل، حيث يعتبرونها فرصة سانحة للانقضاض على البرلمان المقبل، ما جعلهم يروّجون لخطاب وممارسات توحي بأنهم منفتحون من خلال تغليبهم للعنصر النسوي في لوائحهم الانتخابية.
ولم يعد الرجل الأول في حركة مجتمع السلم الإخوانية يتحرّج من التعبير عن طموحه في شغل منصب رئيس الحكومة القادم في الجزائر، كامتداد لثقة اكتسبتها الحركة للفوز بالأغلبية في الانتخابات النيابية المبكرة، وهو الطموح الذي لم يتجرأ رموز الإخوان على التصريح به طيلة العقود الماضية، الأمر الذي يعكس حجم الفرصة التي لا تتكرر للإخوان في القفز إلى الواجهة السياسية بعد عقود الاصطفاف خلف القاطرة.
رفع رئيس حركة “حمس” عبدالرزاق مقري من سقف التعهدات للأنصار والمتعاطفين مع أكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر، وبات يخاطب هؤلاء من كرسي رئيس الحكومة المرتقب، لثقة ترسخت لدى قادة حمس للفوز بالأغلبية في الانتخابات النيابية المبكرة والمقررة في الـ12 من يونيو المقبل.
وبات الرجل يقدم نفسه من مركز قوة، على أنه رئيس الحكومة القادم، وأن حمس هي القوة السياسية الأولى بعد الاستحقاق القادم، رغم مزاحمة قوى إخوانية له، على غرار حركة البناء الوطني، وجبهة العدالة والتنمية، ووجود عدد ضخم من المرشحين المستقلين يحظون بدعم وتأييد من السلطة.
التطورات في الجزائر فسحت المجال أمام الإخوان، بعد تراجع الأحزاب التقليدية، وافتقاد المستقلين للخبرة في السباق نحو البرلمان
ويبدو أن خطاب الإخوان المحذر للسلطة منذ انطلاق الحملة الانتخابية، ودعوته إلى عدم تكرار سيناريو الاستحقاقات الماضية حينما كانت تتدخل السلطة لحسم النتائج لصالح القوى السياسية المؤيدة لها، ينطوي على رغبة هؤلاء في الاستفادة من تراجع حظوظ جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، لأسباب متعددة تجمع بين مراجعة السلطة لتحالفاتها السياسية، وتأثيرات الانتفاضة الشعبية المناهضة لتركة مرحلة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، فضلا عن الوضعية النظامية والهيكلية الداخلية، حيث عرف الحزبان نزيفا بشريا بتوجه الكثير من مناضليهما للترشح في صفوف أحزاب أخرى، أو كمستقلين.
وغازل مقري المعسكر المعارض للانتخابات بتعهده بفتح “حوار سياسي شامل وإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي”، إذا كان رئيسا للحكومة المقبلة، وهو اعتقاد تشكل لدى الإخوان لأول مرة في مسارهم السياسي بالبلاد، بعدما صنعوا لأنفسهم كيانا مستقلا عن التيارات الإسلامية الراديكالية ودخلوا في تحالفات ظرفية مع السلطة في المحطات الكبرى.
وأجمع قادة حمس وجبهة العدالة والتنمية على أن “مقاطعة الانتخابات والعزوف عن الصناديق يوم الاقتراع هو الذي يمدد عمر الاستبداد والدكتاتورية”، كرد على القوى السياسية وقوى الحراك الشعبي الرافضة للانتخابات، والتي ما انفكت تتهم الإسلاميين بـ”المساهمة في شرعنة استحقاق يراد منه إيجاد واجهة مدنية لسلطة العسكر”.
ودخلت الأحزاب الإسلامية غمار الانتخابات القادمة منفردة، ولم تبد أي نية في ربط تحالفات أولية، عكس الانتخابات التشريعية التي جرت العام 2017، والتي دخلتها حمس مع التغيير تحسبا لوحدة بينهما تستمر لحد الآن، ودخلتها جبهة العدالة والتنمية مع النهضة والبناء، لكن ذلك لا يمنع من إمكانية بروز تحالفات داخل البرلمان إذا تجسدت فرصة انتزاع منصب رئاسة الحكومة.
ويتضمن الدستور الجزائري الجديد، المستفتى عليه في شهر نوفمبر الماضي، بندا يخير رئيس الجمهورية بتعيين رئيس للوزراء إذا كانت الأغلبية النيابية لصالح القوى السياسية غير المعارضة له، وإذا كانت الأغلبية المذكورة لصالح المعارضة، فإن البند يحتم على رئيس البلاد تعيين رئيس للحكومة من الحزب الفائز بالأغلبية.
ولم تجد الأحزاب الإسلامية صعوبة في التكيف مع مقتضيات قانون الانتخابات الجديد في ما يتعلق بالمناصفة بين العنصرين النسوي والرجالي، أو عنصر الشباب، وعمدت إلى تزيين لوائح مرشحيها بحسناوات لاستمالة الناخب والظهور في ثوب الأحزاب المنفتحة.
ورغم إسقاط لجان السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات للعشرات من المرشحين، ومقابلة قادة الأحزاب الإسلامية (حركة مجتمع السلم، جبهة العدالة والتنمية، وحركة البناء الوطني) لرئيس اللجنة محمد شرفي للاحتجاج على عملية الفرز، إلا أن الأحزاب المذكورة أحضرت بدائلها في الوقت المناسب، وأعلنت حضورها في أغلب المحافظات، عكس أغلبية الأحزاب الأخرى، باستثناء الأحزاب المحسوبة على الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
ورغم إسقاط لجان السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات للعشرات من المرشحين، ومقابلة قادة الأحزاب الإسلامية (حركة مجتمع السلم، جبهة العدالة والتنمية، وحركة البناء الوطني) لرئيس اللجنة محمد شرفي للاحتجاج على عملية الفرز، إلا أن الأحزاب المذكورة أحضرت بدائلها في الوقت المناسب، وأعلنت حضورها في أغلب المحافظات، عكس أغلبية الأحزاب الأخرى، باستثناء الأحزاب المحسوبة على الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وعكس الحسابات الخاطئة لقادة إخوانيين خلال الاستحقاقات الماضية، لما جزم كل من عبدالقادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني ومقري رئيس حركة حمس، بتحقيق نسب مشاركة عالية في الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور، حيث تعهد الأول حينها بسقف لا يقل عن 12 مليون مشارك في الاقتراع الدستوري، غير أن النتائج جاءت مخيبة تماما، فإن نفس الأشخاص يكررون نفس الخطاب خلال هذه الحملة الانتخابية، رغم وجود مؤشرات قوية تفضي إلى تسجيل نسب مشاركة متدنية.
ومع توقعات بتغيير تركيبة البرلمان القادم، بعد تراجع مرتقب للأحزاب التقليدية لأسباب مختلفة، ودخول لافت للمستقلين المدعومين من طرف السلطة، حيث أسدت مساعدة مالية تقدر بأكثر من ألفي دولار أميركي لكل مترشح تحت سن الأربعين كتكفل من الحكومة بالأعباء المالية للحملة الانتخابية، والعودة المحتملة للإسلاميين، يستبعد مراقبون أن يحرز أي حزب بمفرده بالأغلبية مما يطرح خيار تحالفات قادمة للاستحواذ على الحكومة.
ويستبعد المحلل السياسي رضوان بوهيدل، انفراد أي حزب بمفرده بالبرلمان القادم، في ظل غياب قوى سياسية حقيقية بإمكانها الاستحواذ على الشارع، في الترتيبات التي أدرجها المشرّع على قانون الانتخابات، خاصة في ما بات يعرف التصويت على الأشخاص في القائمة الواحدة، بعدما كان يتم على القائمة برمتها.
ويرى بوهيدل أنه “من الواضح أن الأمور تتجه إلى مجلس مشكل من فسيفساء، وسينتهي الأمر إلى تكتلات بين الأحزاب أو القوائم المستقلة، لتحديد الأغلبية التي ستحسم تركيبة الحكومة لاحقا”، الأمر الذي سيفتح المجال أمام أطراف المعادلة الجديدة خاصة الإسلاميين لتشكيل تحالف رغم الخلافات الأزلية بينهم.
ورغم اعتراف عبدالله جاب الله، في وقت سابق بتراجع وعاء الإسلاميين في الجزائر لأسباب داخلية وخارجية، فإن الرجل الأول في حمس، الحائزة على أكثر من 40 مقعدا في البرلمان المنحل، أرجع نكسة التشريعيات الأخيرة إلى “التزوير والتلاعب برأي المقترعين”.
ويرى متابعون للشأن السياسي الجزائري، أن الإسلاميين الذين تقوقعوا بعد نكسة مخرجات الربيع العربي في تونس ومصر وفشل موجة من التغلغل في البلاد، رغم رهان الإخوان عليها واستبقوها بالانسحاب في العام 2011 من التحالف الحزبي المؤيد آنذاك للرئيس السابق بوتفليقة تحسبا للانقضاض على نتائج أي ثورة في الجزائر أسوة بما حدث في الدولتين المذكورتين.
غير أن التطورات التي عاشتها الجزائر في السنوات الأخيرة، فسحت المجال أمام الإخوان، بعد تراجع دور وثقل الأحزاب التقليدية، وافتقاد المستقلين الفاقدين للخبرة اللازمة رغم دخولهم القوي في مضمار السباق نحو البرلمان.
ويخوض المعترك الانتخابي نحو 24 ألف مرشح لحيازة 402 مقعد في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، يتوزعون على 1500 لائحة، منها أكثر من 800 لائحة للمستقلين والبقية للأحزاب السياسية، وسجل دخول جميع أحزاب تيار الإسلام السياسي بمختلف توجهاتها.
وفتحت حركة البناء الوطني لوائحها لمرشحين من خارج صفوفها النضالية وخاصة للعنصر النسوي، كما تزينت مختلف الأحزاب الإسلامية بما بات يعرف بـ”الحسناوات” على أمل استمالة الناخبين والظهور في ثوب القوى السياسية المنفتحة، وابتعادها عن القوى المتطرفة والمحافظة.
المصدر : العرب اللندنية