كتب : محمد الثريا
لقد أثبتت سنوات الأزمة والصراع باليمن وبما لايدع مجالا للشك ان لاشيئ يبقى على حاله وان كل ماسلمنا به دوما كحقيقة ثابتة لاتقبل التغيير سرعان ما أتضح لاحقا انه عكس ذلك تماما؛ وبصيغة أكثر وضوحا ربما ! دعنا نقول ان الأزمة الحالية قد جسدت المعنى الحقيقي والفعلي لبرجماتية العلاقة القائمة بين أطراف الصراع اليمني وديدن سياسات الدول المعنية تجاه بعضها بصفة عامة، وهي بهذا لم تحد بتاتا عن مقولة تشرشل المفسرة لطبيعة العلاقة المتغيرة بين الاطراف المتضادة : ( ليس هنالك صديق دائم ولا عدو دائم، هنالك فقط مصالح دائمة).
ما أود التركيز عليه هنا من وراء هذه المقدمة هو أهمية البحث عن صيغة طرح متزنة تعكس خطابا اعلاميا واعيا ومسؤولا يستوعب حقيقة الصراع وطبيعة تبدل المواقف والعلاقات وضرورة الإلتزام بها حتى يتسنى من خلال ذلك تناول اي قراءة او خبر او حتى نقد بشكل موضوعي بحت بمعزلا عن العاطفة والتدليس .
خطاب يتناول الحدث كمادة خبرية مجردة ويفند تفاصيلها (الدوافع والمآلات) بمهنية ومصداقية بعيدا عن فرط الاهتمام والتدقيق في سريرة الاشخاص والجهات (صانع الحدث) إنطلاقا من قناعات ومعتقدات مغلوطة عن تلك الشخوص والجهات وبالتالي افتقار تلك القراءة او النقد لحيادية الطرح وشفافية النقل المطلوبة اثناء تناول الخبر .
ان إشكالية هذا النوع من التعاطي المسيس تكمن في انه يساهم بشكل مباشر او غير مباشر في تأجيج الصراع والفوضى من حيث لايدري، واضعا في حسبانه ان ما يصنعه هنا ليس إلا خطابا وطنيا وعملا بطوليا يصنف الحدث ويكشف فحوى الخطاب المضاد ، بينما في حقيقة الامر انه لم يقدم سوى مزيدا من التشويش والتصدع لدى مخيلة الجمهور في فهم حقيقة الحدث.
لاأحد ينكر حقيقة استمرار تبادل اللكمات السياسية وجولات النزال بين أطراف الصراع باليمن لكن بالمقابل ليس بإستطاعة أحد إنكار حقيقة وجود علاقات تواصل ودية وربما مصالح مشتركة قد تجمع تلك الاطراف خارج الحلبة ولو على هامش النزال الإفتراضي بينهما.
فمثلا ما الذي قد تعلق به مؤسسات الشحن الاعلامي المقرف ومنصات التصنيف السياسي المبتذل حول لقاء الرئيس هادي بأعضاء المجلس الانتقالي في الرياض الخميس الماضي؟ فضلا عن سؤال الكيفية التي ستتعاطى بها تلك المؤسسات لحظة أعلان الحكومة التوافقية والاجواء الواجب تلطيفها وتهيئتها إعلاميا قبل واثناء عمل الحكومة الجديدة ؟!
بالطبع لاشيئ إيجابي قد تقدمه، وأساسا ما الذي قد نتوقعه من مؤسسات ومنصات دأبت طيلة سنوات عملها على تشوية طرفي ذلك اللقاء وتصويرهما غالبا كأعداء منغلقين يصعب تكهن تحولهما يوما الى شركاء سوى استمرارها في محاولة التقليل من أهمية ذلك اللقاء وربما التشكيك في جدواه أملا بأن يخفف ذلك من حدة العار والخيبة وهوان الموقف الذي عادة ما تضع نفسها فيه جراء تلك الممارسات الساذجة واللامسؤولة عقب كل حدث يؤكد شذوذها الإعلامي ويكشف زيف إدعاءاتها .
والواقع ان مؤسسات ومنصات أعلامية كتلك التي أخفقت في تناول حادثة اختفاء واحدة بطريقة مهنية تحترم عقل المتابع من المستحيل ان تجيد تناول تقلبات الصراع ومشاهد الازمة السياسية بإدراك ووعي حقيقي .
ليس المؤسف فقط ان يتحول المصدر المفترض للمادة الخبرية السليمة الى واجهة سياسية لتغذية النزاع وتأجيج الصراع فهذا يظل أمرا واردا في قاموس الحروب والصراعات السياسية بل عندما تشاهد المتلقي لتلك المادة الموجهة وقد تحول ضمن قطيع المناكفات والتصنيفات السياسية الخرقاء اثناء تعاطيه مع حدث معين ليس لشيئ سوى انه قد جعل بعفويته وجهله ربما من مواد وخطابات تلك المصادر الإعلامية الملوثة هي المغذي والراعي الرسمي لقناعاته ومعتقداته السياسية الخاصة التي يستند عليها في قرائته للحدث والمشهد عامة .
وفي نظري انه لم يعد بالإمكان اليوم إخفاء حقيقة أن تلكم الظاهرة الاعلامية المزعجة قد أصبحت أحدى التحديات والمعوقات التي تقف حائلا امام اي جهود حقيقية لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين فرقاء الأزمة، وبصراحة سنجد انها قد صارت بالفعل إشكالية حاصلة ومعقدة تضاف الى جملة التعقيدات التي تواجه مساعي حل الازمة وإنهاء الصراع في اليمن .