كتب .. أحمد عبداللاه
كان الفضاء الحضاري القديم متصلاً بين ضفّتي البحر حتى تشاركتا الممالك و الأساطير.. لكن القرب الجغرافي أصبح اليوم موجعاً بعض الشيء، فمن إثيوبيا الحديثة تأتي الهجرة غير الشرعية.. آلاف البشر يتدفقون دون ضوابط، لا هناك ولا هنا.
والآن الرماد يهاجر حاملاً معه ذاكرة البراكين. بعد أن قررت الأرض أن تمنح بعداً طبيعياً إضافياً للهجرة، كأن البلد ساحة تستقبل ما يتفلّت من وراء البحر ومن وراء الأفق إنساناً وبركاناً.
إنه التساوق الذي لا تصنعه المؤامرات وإنما نشاط الطبيعة، كأنما هناك معضلة وجودية بأوجه مختلفة.
الجارة التاريخية (وراء البحر وخلف الحاجز الاريتري) تتحول إلى مصدر جارح أحياناً. ما يفيض عندها ينسكب هنا، وما يثور هناك يتساقط (دون إرادتها) هنا، وما يُهمل على أرضها يصبح جزءاً من إشكالية الحياة في الضفة المقابلة.
إنها ليست مجرد علاقة بأشكال مختلفة وحسب، بل أشبه بما يسمى “قدر التجاور”، بحيث لا تستطيع دولة أن تنجو وحدها، ولا يستطيع بركان أن ينفجر دون أن يلامس سماء بلد آخر.
وهكذا، حين تحمل الرياح رماد الجبال ليترسب فوق غبار الأزمات، تتشكل كوميديا سوداء ثقيلة في صورة بلد أصبح، دون أن يقصد، محطة استيعاب تستقبل ما يتدفق من الأرض وما يتساقط من السماء، وما تجرفه الأحداث.
ولأن عفار (عفر) ليست بمقاييس ما حصل في آيسلندا أو إندونيسيا أو الفلبين… الخ، و لأن هذا الرماد لا يخلق بالتاكيد شتاءً بركانياً ولا يحمل معه قطرات حمضية وفي موسم لا تاتي فيه السحب الممطرة من وسط أفريقيا إلى الجبال الغربية لليمن فإنه يمكن هنا فهم البعد المجازي المحدود لهجرة البراكين.















