علي قاسم
ظهور لطيفة الدروبي، زوجة الرئيس السوري أحمد الشرع، في حفل تخرجها بجامعة إدلب لم يكن مجرد لحظة شخصية؛ بل مثّل تحولًا رمزيًا في تعريف دور السيدة الأولى، حيث برزت كوجه أنثوي غير مؤدلج، يجمع بين الطموح المدني والأصالة الثقافية في سوريا الجديدة.
في مجتمع اعتاد أن تُختزل فيه النساء إما كرموز دعائية أو كواجهات حزبية، برزت لطيفة الدروبي، زوجة الرئيس السوري أحمد الشرع، كوجه جديد يعيد تشكيل مفهوم “السيدة الأولى” في مرحلة تاريخية حاسمة.
لم يكن ظهورها الأول في شباط/فبراير 2025، برفقة زوجها أثناء أداء مناسك العمرة في السعودية، سوى بداية لمسار بدأ يتضح مع خطابها المؤثر في حفل تخرجها بجامعة إدلب في أيلول/سبتمبر 2025.
هذا الحدث، الذي حمل اسم “دفعة النصر والتحرير”، لم يكن مجرد مناسبة أكاديمية، بل لحظة رمزية أعادت تعريف دور المرأة في السلطة السورية، مقدمةً لطيفة كطالبة سورية، لا كسيدة أولى تقليدية.
من خلال حضورها المتواضع وخطابها الإنساني واختياراتها الواعية، بدأت لطيفة الدروبي في رسم صورة لأنوثة سياسية غير مؤدلجة، تجمع بين الأصالة الثقافية والطموح المدني.
النشأة والخلفية العائلية
وُلدت لطيفة نايف الدروبي عام 1984 في بلدة القريتين بمحافظة حمص، وسط عائلة ذات جذور تاريخية عميقة تمتد إلى الحقبة العثمانية.
عائلة الدروبي، المعروفة في حمص، ليست غريبة عن الأضواء السياسية والدينية. يُشار إلى أن جدها البعيد، علاء الدين الدروبي، شغل منصب رئيس وزراء سوريا عام 1920، قبل أن يُغتال بعد 26 يومًا فقط من توليه المنصب.
كما ينتمي إلى العائلة الشيخ عبدالغفار الدروبي، أحد قرّاء القرآن المشاهير، الذي هاجر إلى السعودية وتوفي في جدة عام 2009. هذه الخلفية العريقة منحت لطيفة إرثًا اجتماعيًا وسياسيًا، لكنها اختارت، حتى وقت قريب، البقاء بعيدة عن الأضواء، مفضلةً حياة شخصية هادئة.
تزوجت لطيفة من أحمد الشرع عام 2012، في فترة كانت سوريا تعيش فيها اضطرابات سياسية وأمنية.
كما كشف الشرع لاحقًا في مقابلة مع قناة “العربية” أنهما تنقلا معًا بين أماكن إقامة متعددة، بما في ذلك الجبال، هربًا من الظروف القاسية التي فرضتها الحرب.
من هذه الفترة، برزت لطيفة كداعمة صلبة لزوجها، ليس فقط كزوجة، بل كشريكة شاركته تحدياته في ظروف استثنائية.
هي أم لثلاثة أبناء ذكور، وقد حافظت على حياة عائلية مستقرة رغم التقلبات التي مرت بها سوريا.
المسار الأكاديمي
إشارة تصالحية تشمل مختلف أطياف المجتمع السوري
تخصصت لطيفة الدروبي في اللغة العربية وآدابها، وحصلت على شهادة الماجستير من جامعة إدلب، وهي خطوة تحمل دلالات سياسية واجتماعية كبيرة.
اختيارها لإدلب، المدينة التي كانت رمزًا للثورة والمقاومة لإكمال دراستها العليا، لم يكن اعتباطيًا.
خلال حفل تخرج دفعة “النصر والتحرير” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ألقت لطيفة كلمة مؤثرة وصفت فيها نفسها بأنها “طالبة سورية حملت حلمها وسارت إليه رغم التحديات.”
هذه الكلمات، التي تجنبت الخطاب الرسمي التقليدي، أظهرتها كشخصية قريبة من الناس، تتقاسم معهم أحلامهم وتحدياتهم.
خطابها في إدلب لم يكن مجرد كلمة احتفالية. فقد أهدت نجاحها “لكل أم سورية”، في إشارة تصالحية تشمل مختلف أطياف المجتمع السوري. هذا الخطاب، الذي جمع بين التجربة الشخصية والرمزية الوطنية، عكس رؤية لطيفة كامرأة تسعى لتكون جسرًا بين السلطة والمجتمع، لا مجرد واجهة لزوجها.
حضورها في الحفل وتكريمها من قبل زوجها الرئيس أحمد الشرع أثارا تفاعلاً واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أشاد البعض بتواضعها واعتبرها رمزًا للمرأة السورية الفاعلة.
رمزية سياسية
قبل 2025 كانت لطيفة الدروبي شخصية غامضة، بعيدة عن الأضواء.
لكن ظهورها الأول العلني في فبراير 2025، خلال زيارة رسمية إلى السعودية برفقة زوجها لأداء مناسك العمرة، جذب انتباه الإعلام الإقليمي والدولي. ارتدت الحجاب التقليدي السوري دون نقاب، ما كسر الصورة النمطية التي رُوجت عنها في بعض الشائعات.
في الشهر نفسه رافقت زوجها إلى تركيا، حيث التقت بالسيدة الأولى أمينة أردوغان، وناقشتا قضايا تتعلق بالمساعدات الإنسانية وتمكين المرأة والتعليم.
هذا اللقاء، الذي وثقته صورة نشرتها أمينة على منصة إكس، عكس بداية دور دبلوماسي هادئ للطيفة.
في الأشهر التالية توالى ظهورها في مناسبات عامة. في نيسان/أبريل 2025 شاركت في تكريم أبناء الشهداء خلال احتفالات عيد الفطر بدمشق، وفي اليوم التالي ظهرت في منتدى أنطاليا الدبلوماسي الرابع، حيث وقّعت إعلان النوايا العالمي لمشروع “صفر نفايات”، في خطوة أظهرت اهتمامها بالقضايا البيئية والاجتماعية.
في يونيو 2025 سارت إلى جانب زوجها في حديقة تشرين بدمشق، وسط المواطنين، في مشهد بدا عفويًا لكنه كان محسوبًا لإظهار قرب السلطة من الناس.
المناسبات التي ظهرت فيها، رغم محدوديتها، لم تكن عشوائية؛ كل مشهد بدا كأنه جزء من إستراتيجية أوسع لإعادة تقديم الرئيس أحمد الشرع كقائد مدني، داعم للمرأة، ومقرّب من هموم الشعب. لطيفة، من خلال حضورها المتواضع وخطابها الإنساني، أصبحت جسرًا رمزيًا بين السلطة والمجتمع، خاصة في إدلب، المدينة التي كانت خارج سيطرة النظام السابق.
اختيارها لإدلب كمكان لتخرجها، وتكريمها من زوجها، حملا دلالات سياسية عميقة، إذ بديا كأنهما محاولة لدمج المناطق المهمشة سابقًا ضمن سردية وطنية جديدة.
أنوثة سياسية غير مؤدلجة
ما يميز لطيفة الدروبي هو ابتعادها عن النمط التقليدي للسيدات الأوائل في العالم العربي.
لم تتحدث بلغة حزبية، ولم تظهر كواجهة دعائية للنظام.
بدلاً من ذلك اختارت لغة شخصية، تقربها من الناس، وتجعلها ممثلة للمرأة السورية المحافظة التي تسعى لتحقيق أحلامها.
في خطابها بإدلب تجنبت الإشارة إلى إنجازات السلطة، وركزت على التعليم كسلاح لمواجهة التحديات، واصفةً إدلب بأنها “أرض جرحتها الحرب فأنبتت أملًا.”
هذه النبرة التصالحية، التي تجمع بين التجربة الفردية والرمزية الوطنية، جعلتها رمزًا لأنوثة سياسية جديدة، غير مؤدلجة، تحترم القيم الثقافية والدينية السورية دون أن تكون محصورة في قالب أيديولوجي.
لغة الجسد التي رافقت ظهورها، سواء في إدلب أو في زياراتها الخارجية، عززت هذه الصورة.
الصورة التي انتشرت من حفل التخرج، حيث يسلمها الشرع شهادتها ويلف ذراعه حول خصرها، لم تكن مجرد لحظة عاطفية، بل رسالة بصرية تُظهر شراكة حقيقية بين الرجل والمرأة في السلطة.
في بلد اعتاد على صور القادة المنفردين، كانت هذه اللقطة كسرًا للنمط، ومحاولة لتقديم نموذج قيادي ثنائي يعكس الدعم المتبادل.
جدل وتفاعل شعبي
ظهور لطيفة الدروبي لم يمر دون جدل. فقد أثار تفاعلاً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، بين من أشاد بتواضعها واعتبرها رمزًا للمرأة السورية الفاعلة، ومن سخر من المشهد معتبرًا إياه محاولة لتجميل صورة السلطة.
المخرجة السورية وعد الخطيب، مخرجة فيلم “من أجل سما”، عبّرت عن إعجابها قائلة بلهجة محليّة “حبيتها جدًّا.. في شي غريب.. وحلو كتير.. بتشبهنا وما بتشبهنا،” مشيرة إلى قدرتها على تمثيل شريحة واسعة من السوريين دون أن تكون صورة نمطية.
لكن آخرين رأوا في ظهورها محاولة لتسويق السلطة الجديدة دون تغيير جوهري في بنيتها.
هذا الجدل يكشف أن المجتمع السوري يقرأ ظهور لطيفة كأكثر من مجرد حدث شخصي. البعض يرى فيه تمهيدًا لدور سياسي مستقبلي، ربما في ملفات مثل تمكين المرأة والتعليم أو المصالحة الوطنية.
ظهورها في فعاليات مثل تكريم أبناء الشهداء أو التوقيع على مبادرات بيئية يعزز هذا التصور.
ومع ذلك، يبقى السؤال: هل ستتمكن لطيفة من تحويل هذه الرمزية إلى دور فعلي، أم ستبقى واجهة للسلطة؟
رؤية للمستقبل
لطيفة الدروبي، من خلال ظهوراتها المحدودة والمحسوبة، بدأت في رسم صورة جديدة للسيدة الأولى في سوريا.
هي ليست مجرد زوجة الرئيس، بل امرأة تحمل إرثًا ثقافيًا وسياسيًا، وتسعى لتكون صوتًا للمرأة السورية المحافظة التي تحلم بغد أفضل. اختيارها للتعليم كمنصة لظهورها الأبرز، وتركيزها على إدلب كرمز للتحدي والأمل، يعكسان رؤية واعية تهدف إلى إعادة تعريف السلطة بوجه إنساني.
في النهاية، لطيفة الدروبي ليست مجرد شخصية عابرة في المشهد السوري.
هي جزء من سردية سوريا الجديدة، التي تحاول، وسط تناقضات الواقع وآمال المستقبل، أن تجد لغة جديدة للقيادة.
سواء أكانت فاعلة مستقلة أم رمزًا داعمًا لزوجها، فإن حضورها يطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للمرأة في السلطة أن تكون جسرًا حقيقيًا للمصالحة والتنمية، أم ستبقى محصورة في ظل القائد؟ الإجابة، ربما، ستتشكل بمرور الوقت، لكن لطيفة الدروبي، شاءت أم أبت، قد بدأت كتابة فصل جديد في تاريخ سوريا.
المصدر : العرب