مصطفى الأنصاري كاتب وصحافي
في تطور مثير، أصدرت لجنة رئيسة في الكونغرس أمس الإثنين مذكرة ورسماً مثيراً للإيحاءات الجنسية يبدو أنه يحمل توقيع دونالد ترمب، مما أشعل جدلاً واسعاً.
الرسم، الذي يزعم أنه من كتاب عيد ميلاد الممول جيفري إبستين الـ50 في 2003، يتضمن رسماً لامرأة عارية تحمل اسم “دونالد” أسفل خصرها، ونصاً متخيلاً لمحادثة بين ترمب وإبستين، لكن ترمب نفى بشدة إقدامه على رسمه أو توقيعه.
سلمت ورثة إبستين الوثائق، بما في ذلك نسخة منقحة من الكتاب، إلى لجنة الرقابة في مجلس النواب بناء على أمر استدعاء من المشرعين الأميركي.
النص، المكتوب بخط يد مميز، ينسب إلى ترمب عبارات مثل “لدينا بعض القواسم المشتركة يا جيفري”، ويختتم بـ”سر رائع”، مما زاد من حدة الجدل. نشرت اللجنة الوثائق مساء الإثنين، لتثير موجة غضب تجاه إدارة ترمب وتعاملها مع ملفات إبستين، الذي قضى منتحراً، بحسب ما أشيع في 2019 أثناء انتظار محاكمته بتهم الاتجار بالجنس.
التفاعل والانقسام
أثار الرسم ردود فعل متضاربة، إذ استغل الديمقراطيون، بقيادة النائب روبرت غارسيا، الوثيقة للضغط على ترمب للكشف عن كامل ملفات إبستين، معتبرين إياها دليلاً على تورطه. صحيفة “نيويورك تايمز” نقلت عن غارسيا قوله: “حان الوقت للكشف عن الحقيقة”.
في المقابل، نفى البيت الأبيض نسبة الرسم لترمب، إذ كتبت السكرتيرة الصحافية كارولين ليفيت على وسائل التواصل: “من الواضح أنه لم يرسمه”.
ونشر نائب رئيس موظفي البيت الأبيض تايلور بودوفيتش صوراً لتوقيعات ترمب الحديثة لإثبات الاختلاف.
“التايمز” رجعت إلى مراسلات قديمة لترمب، مما كشف عن تشابه ملاحظ مع التوقيع في الرسم، بينما نشرت “وول ستريت جورنال” تفاصيل الوثيقة في يوليو (تموز) الماضي، مما دفع ترمب لرفع دعوى تشهير.
على منصات السوشيال ميديا، انقسم المستخدمون بين مؤيدين يدافعون عن ترمب، ومنتقدين يرون في الرسم دليلاً على علاقاته المثيرة للجدل مع إبستين.
أدى الأمر إلى شرخ داخل الحزب الجمهوري، إذ يواجه ترمب غضب شريحة من أنصاره اليمينيين بسبب تراجع إدارته عن نشر الملفات كاملة. الديمقراطيون والجمهوريون في لجنة الرقابة تعاونوا لإحضار الوثائق، لكن رئيس اللجنة جيمس كومر اتهم الديمقراطيين بـ”تسييس” القضية، مؤكداً أن ترمب “غير متهم”. مع استمرار الضغط، تحاول القيادة الجمهورية كبح جهود تشريعية مشتركة للإفصاح الكامل عن الملفات.
الكتاب الفاضح
كان ترمب وإبستين صديقين في التسعينيات والعقد الأول من القرن الـ21، لتنهار علاقتهما نحو 2004. غير أن الكتاب، الذي يضم أكثر من 230 صفحة من رسائل وصور لجيفري، يكشف عن دائرة أثرياء مهووسين بالجنس، مع إشارات إلى سلوك إبستين.
وعلى رغم حذف أسماء الضحايا المحتملين، تظل الوثائق تثير تساؤلات حول تورط شخصيات بارزة.
“بطاقة الميلاد اللعينة” وفق القاعدة الترمبية تحولت إلى رمز للجدل المستمر، في حين تستمر التحقيقات في الكشف عن مزيد عن علاقات ترمب المريبة مع إبستين.
لكن البطاقة ليست كل ما يتضمن الكتاب وإن اعتبرت عنوان الإثارة فيه، فقد حفل الكتاب المكون من 238 صفحة بالصور والرسومات والملصقات الصريحة التي تكشف عن سلوكه الشهواني والفاحش مع القاصرات.
ويشير الإعلام الأميركي الذي تابع الحادثة أن صديقة إبستين آنذاك جيسلين ماكسويل أعدت كتاباً يختزل تاريخه، الذي يبدأ ببراءة مع شهادة ميلاده ورسالة من والدته عن حفلة بارزة في شبابه، واختياره كعازب ذائع الصيت في مجلة “كوزموبوليتان”، لكنه يتحول سريعاً إلى محتوى فظ ومظلم يمجد “مغامراته الجنسية”، بما في ذلك رسم كاريكاتوري له يتلقى تدليكاً عارياً من نساء عاريات الصدر.
يقدم الكتاب صورة حية لانتشار سلوك إبستين ولاحتفال أصدقائه به، ممن وصفه أحدهم بأنه يشبه بطل “الرجل العجوز والبحر”، لكن يصطاد النساء “شقراوات أو حمراوات أو سمراوات” وليس الأسماك، وروى آخر لقاء جنسياً مهيناً جعل إبستين “يصرخ من الضحك”، مع عبارات مثل “الكثير من الفتيات، والقليل من الوقت”.
أبرز ما في الكتاب البطاقة المشار إليها آنفاً، إلى جانب شيك مزيف يزعم بيع إبستين امرأة “بلا قيمة” لترمب في مقابل 22.500 دولار، مما يمزج بين الإيحاءات الجنسية والمزاح السخيف. وصف المستثمر ويليام إلكوس كيف أغوى إبستين امرأة جميلة في بلدة آيوا الزراعية، مشيراً إلى “خدمة مرافقة لمسافات طويلة”، بينما كتب “ليزلي” رسالة مصحوبة برسم ثديين، وأضاف مساهم آخر صوراً لجماع حيوانات وحشية، قائلاً إنها “أكثر ملاءمة من الكلمات”.
تشمل الرسائل روايات مشينة مثل أمسية في لندن، حيث أنزل رجل عجوز سروال امرأة ليجد يد رجل آخر، وإشارة إلى اكتشاف إبستين لابنة ماكسويل المراهقة، مع كلمات منمقة تنتهي بأنه “تجنب السجن” في سن الـ50، وفق ما لخصت الصحيفة الشهيرة.
على رغم إدانة إبستين في فلوريدا عام 2008 بتهم تحريض مراهقة على الدعارة، مما أدى إلى سجنه لعامين وتسجيله كمجرم جنسي، عاد ثانية بعد 2010، محافظاً على علاقات مع الأثرياء والمشاهير حتى اعتقاله عام 2019. يتضمن الكتاب إضاءة على بيل كلينتون يمدح “فضول إبستين الطفولي”، وأسماء مثل ليزلي ويكسنر وليون بلاك وآلان ديرشويتز وجان لوك برونيل، إضافة إلى رسائل من نساء ربما كن ضحايا، محذوفة أسماؤهن، مثل واحدة تقول “معك أضحك كطفلة وأشعر كامرأة” مصحوبة بصورة إباحية. يختتم الكتاب بصورة لإبستين في أرجوحة على جزيرته، مع ملاحظة من ماكسويل: “ستكون الـ50 سنة المقبلة أكثر روعة”.
هل ينجو أم يقع؟
طوال مسيرته السياسية، واجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب سلسلة من الاتهامات المتعلقة بالسلوكيات الجنسية والقضايا الأخلاقية، التي شكلت جزءاً أساسياً من الجدل المحيط به.
فمنذ حملته الانتخابية في عام 2016، برز تسجيل “أكسس هوليوود” الشهير الذي أدلى فيه بتصريحات فاضحة عن النساء، مما أثار اتهامات بالتحرش الجنسي من عشرات النساء، بما في ذلك ادعاءات بالاعتداء الجنسي والإيحاءات غير اللائقة.
كما تورط في قضايا أخلاقية أوسع، مثل اتهامات بالاحتيال في أكاديمية ترمب أو تعاملاته المالية المثيرة للجدل، إضافة إلى علاقته بجيفري إبستين التي تفجرت الآن، وهو الممول المدان بالاتجار الجنسي.
كل تلك القضايا أثارت تساؤلات أخلاقية حول قيادته، لكنها لم تكن دائماً مدعومة بأحكام قضائية نهائية، لأنه برئ أو انتهت بتسويات خارج المحكمة.
استغل خصومه السياسيون، خصوصاً الديمقراطيين، هذا التاريخ لمحاولة تصفيته سياسياً، من خلال حملات إعلامية مكثفة وتحقيقات، ودعاوى قضائية تهدف إلى إضعاف قاعدته الشعبية.
على سبيل المثال، أسهمت فضيحة تسجيل 2016 في حملات انتخابية قوية، لكن ترمب نجح في الفوز بالرئاسة على رغم ذلك، مستفيداً من دعم أنصاره الذين رأوا في الاتهامات هجمات سياسية مبالغ فيها.
كما تجاوز محناً أخرى مثل التحقيقات في الانتخابات أو الوثائق السرية، وحافظ على شعبيته داخل الحزب الجمهوري من خلال استراتيجيات دفاعية وتقديم نفسه “ضحية”، بما لقي صدى لدى قاعدته الجماهيرية الواسعة.
مع كل ذلك، فإنه في ظل الجدل الحالي حول وثائق إبستين لعام 2025، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيتمكن ترمب من تجاوز هذه المحنة أيضاً؟ التاريخ يشير إلى قدرته على الصمود، لكن السياق السياسي المتغير والضغوط المتزايدة تفتح الطريق على كل الاحتمالات، بحسب ردود الفعل العامة والتطورات القانونية.
نقلا” عن أندبندنت















