كتب/ محمد علي شايف
ماذا بمقدور المقصر مثلي معك أن يقول؟/ يا من تماهت أناي في أناه/ ذات انتصار للإرادة الحرة: دم فكرة اجرى في أوردة خدر الصدمة: صحواً من لهب الألم العالي وضوءً/ وكان العهد نبض الشرايين/ وفي العينيين رؤية/ وجناحين للعزة.. وللجرح-القهر معنى أسمى/ يعيد تشكيل خارطة النشيد/ أملاً يمتطي خوفه قمراً وليلاً من حديد/ وصداح البعيد نوارس من قزح/ ووطناً من شذى العشق ووجع الياسمين.
….
فأبحرنا وأجبلنا.. وأقدمنا وأحجمنا/ وانتصرنا وانكسرنا.. واختلفنا واتفقنا/ كسرة الوجع اقتسمنا/ وكنا نعلم بأن الموت يتتبع أثر أقدامنا/ فدخنا في كنف الإرادة/ تبغ الحلم الشهي الألم/ وصخرة العهد- في العراء- التحفنا.
وشوك الغد الغامض الجلي/ في اعماقنا افترشنا/ وكم صعدنا الجبل العالي وهبطنا/ وحلّقنا- رغم الخطر اللذيد- في فضاءات لازوردية التلاحين/ سواحل لمدننا السجينة/ وننشر فرحاً من الحزن اللُّجيني.
أنا لا أرثيك -أيها الراحل/الحي في ذاكرة كل من زاملوك وعرفوك مناضلاً وإنساناً، قائداً شريفاً يسمو بساطة، ويتواضع رفعة، فلم يجد التعالي والغرور لديك مكانا، وقلت للنفاق أنا لا أشتري بضاعتك وطردت التجريح من مجلسك.
وشاء قدرك أن تشارك أحرار شعبك في ثورتين تحرريتين: ثورة التحرير من الاستعمار البريطاني، اكتوبر 1963-نوفمبر 1967م وثورة شعب الجنوب السلمية التحررية من الاحتلال الهمجي للأشقاء-الغزاة المستمرة منذ عام النكبة 1994م، ولاسيما منذ تحملك قيادة الجناح السياسي لحركة (حتم) العسكرية التي كان على رأسها القائد/ عيدروس قاسم الزبيدي.
ولذلك فقد نلت شرف صفة المناضل في الثورتين.
إذ كما كنا معاً في الجناح السياسي لـ(حتم) واصلنا معاً، صوت الرفض للاحتلال، بطريقة تتناسب مع ظروف المرحلة عام 2001م، وذلك في تيار إصلاح مسار الوحدة في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي ثم في كل أشكال الحركة الشعبية النضالية الجنوبية.
وكان من المؤمنين بأن تحرير وعي الجماهير وترصينه، سابق -بالضرورة- لتحرير الأرض. وكنتُ كذلك- حتى اليوم.
ماذا اقول عن فقيدنا الكبير محمد ناجي سعيد، الذي رحل واقفاً كأشجار البلّوط بعد معاناة طويلة وقاسية مع المرض؟
أقول: تعرفت عليه عام 1993م عندما كان مأمورا لمديرية الضالع ومرشحا لعضوية مجلس النواب، في دائرة الازارق-جحاف وأنا سكرتير أول منظمة الحزب الازارق، لن أخوض في طبيعة علاقتنا الممتازة، التي لم تتأثر حتى عندما حدث اختلاف في وجهتي النظر السياسية بيننا، والحقيقة، بأن الفضل يعود إليه فهو من يرى ويطبق مقولة “إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية” ليس معي وحسب، بل مع كل من اختلف معهم.
اعتقد بأن ثمة محطة مهمة لابد أن تدوّن في مسيرة فقيدنا المناضل محمد ناجي سعيد، هي مواجهته لسلطة الاحتلال، ما بعد نكبة 1994م وهو عضو في مجلس النواب، إذ كانت سلطة (7/7) تسعى لتدجين القيادات الجنوبية، غير الموالية لها، بالترهيب إن لم ينفع الترغيب. وهذا ما حدث مع فقيدنا الكبير، إذ تم اعتقاله في (صنعاء) وترحيله إلى (إب)، بتهمة القتل- متناسية قرارها بالعفو العام- ثم من(إب) إلى(الضالع)، حيث تمت محاكمته في محكمة غير مستقلة. وفي هذا الأمر- حسب ما أعرف- يُسجل له:
1️⃣ عدم استسلامه لترهيب سلطة الاحتلال وابتزازها، في اجراءاتها اللاقانونية.
2️⃣ عندما بلغه أن ثمة من يرتبون لاخراجه من السجن ولو بالقوة ( أتذكر أن من أصحاب هذا الرأي كان الفقيد المناضل / صالح عسكر)، بيد أن رد الفقيد المناضل/ محمد ناجي، كان قاطعاً:
«لا.. لا أريد أن تسقط قطرة دم من إجلي.» حتى لو حكموا ظلماً بإعدامه.
3️⃣ عندما سأله القاضي- في آخر جلسة للمحكمة- إن ماذا يطلب من عدالة المحكمة؟ رد: «أطلب منها، أن تزيد الظلم ظلما» لقد مثل في رده هذا روح الفدائي في معركة مصيرية، ومعروف للجميع، كيف تم إخراج الحل من قبل مختلق القضية، بعدما يئس من بلوغ مراده من مناضل صلب.
إن الحديث عن مناقب فقيدنا الغالي، سوف يطول ويتشعب. وهذه مكانها كتاب يجمع، بين جنباته ما لدى الفقيد من وثائق ومذكرات -إن وجدت- وغير ذلك، كالشهادات من رفاقه واصدقائه و… الخ.
وليس ختاماً، إنني إذ أبعث أصدق وأحر التعازي القلبية لأولاد فقيدنا الكبير وإخوانه وذويه جميعا ولكل محبيه، فأنني- في الوقت ذاته- أعزي نفسي، مقدرا حجم الخسارة بفقدان رجل بحجم الفقيد الحاضر..
داعيا الله سبحانه، أن يمن على أولاده وذويه ومحبيه الصبر والسلوان وان يتغمد فقيدنا الغالي بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.