كتب : عبدالعزيز الماطري
كنتُ طالبا بالجامعة حين اندلعت الحرب ، سمعت الخطيب بجامع مذبح يكيل الشتائم المقذعة ويكفر الاشتراكيون جملة ويطالب بسحلهم بالشوارع وقتلهم وتطهير البلاد من رجسهم ويذكر صفات حتى الشيطان لا يوصف بها ومالذي جرى بحرب المناطق الوسطى موردا قصص كاذبة وقذرة مثل قذارة لسانه .
في الصباح وكعادتنا قصدنا التحرير تحديدا مقهاية العدانية كما تعودنا الذهاب لشرب الشاي الحليب العدني ونحن في شارع الكويت كان المذيع لبرنامج فسحة الجمعة يردد قائلا أردناها فسحة وأرادها المرتدون ( ببعد ديني ) حربا ضروسا لا هوادة فيها ضد الشعب ووحدته وشرعيته الدستورية .
قال المذيع الكثير من اللغو والشتيمة وكان السائق يشتم بجانبه وهناك راكبان خرج صديد أدران فيروسات التحريض المصابان بهما .
كان الجو يبعث على الخوف والفزع وكنت اضحك من داخلي بمرارة وكان عليّ ان أخفف من روع زملاء السكن والدراسة من ابناء الضالع وقد استملكهم فزع مصير الموت المحتم على أيدي موتور ان عرف بأصولهم .
قررنا سفرهم على وجه السرعة وهو ما تم وغادر اغلب زملاء السكن وبقيت انا وقريب لم نكن نمتلك ايجار السيارة او شاحنة حيث وقد ارتفعت الايجارات بشكل جنوني فلقد غادر اغلب أهل صنعاء راجلين .
في قرى مناطقنا جرى مناداة أعضاء الاشتراكي لتسليم أنفسهم وتقديم التوبة في المسجد الجامع وتم الإتيان بخطباء جمعة الى القرى ومنها قريتنا جل ما وعظوا به تكفير الاشتراكي وابناء الجنوب قاطبة كان حصتنا خطيب مصري به لثغة حين يتكلم لكنه يفصح وقت شتمنا وتكفيرنا .
في داخلي اتعجب على لثغته البادية اكثر من حديثه المقزز فلقد تجاوزت صدمة الصراخ بمطالبة السحل والقتل وفتاوى التكفير واختلاق القصص المكذوبة ، تجاوزت كل ذلك وانا في صنعاء عاصمة اليمن او هكذا يفترض .
ما علق في ذهني ونحن بصنعاء تلك المقارنة السريعة المستدعاة بلا تدبر لمشهد سحل الشهيد عبدالرقيب عبدالوهاب ومشهد سحل افتراضي لضحايا التحريض المقيت الجاري على قدم وساق في المنبر والإذاعة والتلفزيون وبالشارع وان لم يحدث المشهد الذي أفزعنا توقع حدوثه .
في خطبة الجمعة بقريتنا ومع خطيب الجمعة صاحب اللثغة العجيبة جال بخاطري مشهد اقتتال حلفاء الحرب الظالمةوان كانت مجرد امنية ، كنت في صحن المسجد الصغير والشمس تلفحنا بأشعتها العمودية على رؤوسنا صدرت عني همهمة وكزني احدهم وكأنه يقول لي انها الجمعة والخطيب على المنبر ملتفتا الى ذلك الواكز وقد ارتسم الغضب على وجهي ففهم الرجل وابتسم وماهي الا لحظات وتعالت الأصوات من جنبات المسجد الصغير معترضة على الخطيب .