كريتر / ( انباء عدن )
ما إن تمد الشمس خيوطها الأولى حتى تكون أسرة الطفل إبراهيم أنس (6 سنوات)، القاطنة بحي فقير في العاصمة اليمنية صنعاء، قد استنفرت أفرادها، إذ يتجه أنس مع أخيه الذي يكبره بعامين صوب صهريج خيري للمياه في الحي الذي يسكنه حاملاً معه أوانيه البلاستيكية.
يقف أنس في طابور طويل لانتظار دوره في التعبئة، ومن ثم يعود إلى منزله لتفريغ المياه. يفعل ذلك أكثر من 6 مرات يومياً، ولا يعود للمنزل إلا بعد أن تصل الشمس إلى كبد السماء حيث موعد ذهابه للمدرسة المسائية.
معاناة أنس المؤلمة امتدت لتشمل مئات الآلاف من الأسر اليمنية، فمع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وارتفاع أسعار صهاريج نقل المياه، وجدت الأسرة اليمنية نفسها عاجزة عن شراء مياه الشرب، ليكون الاعتماد بشكل شبه كلي على «مياه السبيل»، إذ إنه هو البديل المتاح أمامها.
و«مياه السبيل» عبارة عن خزانات مياه توجد بعدة أحياء يملأها فاعلو الخير، ويلجأ لها أهالي الحي لتلبية احتياجاتهم المائية، معتمدين في جلبها على النساء والأطفال، واحدة منهم الطفلة عصماء الربوعي (7 سنوات) التي تضطر يومياً للمجيء مع والدتها لخزان «ماء السبيل»، والانتظار بين الزحام وتحمل حر الشمس حتى يأتي دورهما في التعبئة.
كان التعب مرتسماً على تقاسيم وجه عصماء. لقد عادت للمرة السادسة مع والدتها، حاملة معها ما أمكنها من المياه. تؤكد والدتها لـ«الشرق الأوسط» أن زوجها الذي يعمل ضابطاً في الجيش والمنقطع راتبه منذ 3 سنوات لم يعد بإمكانه سوى شراء نصف صهريج صغير من المياه، في حين تتطلب احتياجات الأسرة صهريجاً ونصف الصهريج شهرياً.
الارتفاع المخيف لأسعار صهاريج المياه أرجعه عبد الوهاب الحاشدي – سائق صهريج – لارتفاع أسعار المشتقات النفطية، ما أدى لارتفاع أسعار بيع المياه من 2500 ريال يمني لصهريج المياه الصغير سعة 3 آلاف لتر إلى ما يقارب 5 آلاف ريال، فيما ارتفعت أسعار صهريج المياه الكبير سعة 6 آلاف لتر، من 6 آلاف ريال ليصل إلى نحو 10 آلاف ريال (الدولار يساوي نحو 750 ريالاً في السوق السوداء).
ويؤكد الحاشدي أن أغلب المواطنين قللوا معدل استهلاكهم للمياه إلى نصف ما كانوا يستهلكونه قبل الأزمة الحالية. وبلهجة حزينة أشار إلى أنه يتكبد كثيراً من المعاناة اليومية للحصول على المشتقات النفطية، إذ ينتظر لساعات طويلة وربما لأيام في طوابير طويلة أمام محطات بيع النفط.
ما يثير الغرابة أن الحديث هنا يتم عن المدينة الأكثر تطوراً في البلاد، ومع ذلك فإن شبكة المياه الحكومية تنعدم في كثير من أحيائها، وقد فاقم من هذه المشكلة، أن ضخ المياه لمنازل المواطنين لا يتم إلا مرتين شهرياً، وبدعم من منظمة «اليونيسيف» التي تتكفل بتوفير وقود مضخات المياه.
الأكثر إيلاماً في القضية هو التلوث المخيف في «مياه السبيل»، الأمر الذي يخشاه كثير من المواطنين اليمنيين، إذ يؤكد الموظف في رئاسة الجمهورية (أ.ع) أنه في ظل الأزمة الحالية اتجه ومعه أغلب المواطنين للاعتماد على «مياه السبيل» للشرب، الأمر الذي أدى لاتساع معاناة المواطنين من أمراض الكلى وخشية إصابتهم بأمراض الكوليرا.
ويؤكد المسؤولون المحليون والمراقبون للوضع المائي في صنعاء أن لجوء أعداد هائلة من المواطنين لمياه السبيل فاقم مشكلة تلوثها، نظراً لاتساع أعدادها التي تجاوزت 7 آلاف خزان، وعدم خضوعها لأي رقابة صحية أو بيئية.
أما ما يخص مضخات الآبار الخاصة فمراقبتها – بحسب المسؤولين – تتم عبر آلية دعمتها منظمة «اليونيسيف»، حيث يتولى فريق وضع مادة الكلور في خزانات مضخات المياه، ويهتم فريق آخر بالتأكد من نظافة خزانات المياه والتأكد من وجود مادة الكلور بها، وفحص المياه للتأكد من خلوها من الملوثات الكيميائية والبيولوجية التي تتسبب بأمراض كالكوليرا والكلى.
وفيما يخص شبكة المياه الحكومية، يؤكد المسؤولون المحليون الخاضعون لسلطة الميليشيات الحوثية، أنه يتم بدعم من منظمة اليونيسيف تعقيم خزانات المياه بصورة مستمرة، وخصوصاً مع انتشار مرض الكوليرا، كما يتم فحص المياه بشكل دوري.
ومن أجل الحصول على مياه صالحة للشرب وبيئة نظيفة باليمن، تواصل «اليونيسيف» أعمال التشغيل والصيانة الاعتيادية لأنظمة إمدادات المياه في 15 مدينة، وفقاً لتصريح الممثلة المقيمة لمنظمة اليونيسيف في اليمن الدكتورة ميريتشل ريلانو.
وتؤكد ميريتشل أنه تم «استكمال تعقيم صهاريج تخزين المياه في 6 مدن رئيسية، والتعامل مع محطات تعبئة مياه الشرب المفلترة وصهاريج نقل المياه، إضافة إلى الكلورة الشاملة للآبار الخاصة ومراقبة مستوى الكلور الحر المتبقي، وتركيب مضخات الحقن لمعالجة المياه بالكلور في الآبار الخاصة بصنعاء والحديدة وعدن».
وكان بيان صادر عن المديرة التنفيذية لـ«اليونيسيف»، السيدة هنرييتا ه. فور، حذر من «خطر انهيار خدمات المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي بسبب الارتفاع الشديد في أسعار الوقود، ما يعني أن كثيراً من هؤلاء الأطفال والأسر لن يتمكنوا أيضاً من الحصول على مياه أو خدمات صحي مأمونة. وهذا بدوره قد يؤدي إلى انتشار الأمراض وزيادة سوء التغذية».