كتب / محمد الثريا
بات من الواضح جدا اليوم ان عبارات الغزل السياسي ودعوات التقارب التي يعيد إنتاجها خطاب حزب الاصلاح اليمني تجاه قيادات المؤتمر الشعبي العام عقب كل مناسبة او حدث يستجد هي غالبا ليست بدافع الواجب الوطني إزاء ما يحدث بالبلد من عبث؛ ولا هي ايضا صحوة ضمير قد يعول عليها في استطباب جراحات نازفة خلفتها صراعات الحزبية الضيقة، لاشيئ من كل ذلك ولو حتى بأثر رجعي ..
في محاولة فهمك لاي عمل او خطوة سياسية هنا او هناك ينبغي ان تقف مليا وتمحص جيدا وعميقا في مرتكزين اثنين يتعلقان بتلك الخطوة السياسية هما التوقيت والخلفية ..
هنالك دعوتان صريحتان وقد وجهتا مؤخرا من قيادات إصلاحية لأخرى مؤتمرية تحت مبرر التقارب ونبذ الخلاف بين الحزبين وهما تقريبا اي تلك الدعوتان من اخذتا حيزا إعلاميا كبيرا مقارنة بدعوات سابقة كانت حجولة جدا وتكاد لا تذكر حتى.
عموما جاءت الاولى متزامنة مع لقاءات جدة التي جمعت حينها وفد الحكومة الشرعية بوفد الانتقالي قبل اشهر من اليوم تحت مظلة التحالف في محاولة للخروج بتسوية سياسية في الجنوب ولربما تمهيدا لأرضية الحل الشامل للصراع بالبلد عامة، والثانية اعقبت مباشرة فضيحة نهم وهزل الانسحاب التكتيكي الذي بررت به قيادات عسكرية شرعية ما حدث يومها من سقوط فاضح لجبهاتها القتالية المفترضة مع الحوثيين.
واللافت هنا في كلتا الدعوتين هو توقيتهما الذي كان متزامنا دائما مع كل صفعة او مستجد قد لا ينسجم مع اهداف وسياسيات جماعة الإخوان وهذا فيه دلالة واضحة للهروب غالبا وللتغطية عادة على إخفاق ما ارتكبته الجماعة وباتت تستشعر ارتداداته السلبية عليها.وفيما يخص خلفية تلك الدعوتين فهما كليا تتمحور حول كيفية ضمان مستقبل قيادات الاخوان بغض النظر عن التنازلات او التحولات التي ستصنعها لقاء ذلك الاستحقاق السياسي..
في مقابل ذلك سيترتب علينا إستعراض الرد المؤتمري وتفاعل قياداته مع كل تلك الدعوات وإيحاءات التودد القادمة من غريمه التقليدي..
في الحقيقة ان حالة الضعف والتيه السياسي التي بات يعيشها المؤتمر الشعبي عقب مقتل زعيمه الروحي “صالح” لا تدعم إمكانية حدوث اي تقارب حقيقي بين الغريمين السياسيين يمكن التعويل عليه في تغيير معادلة الصراع او لتعديل ولو بعض من صورة المشهد العام للبلد اليوم ..
استطاع الحوثيون ابتلاع جزء مهما من تركيبة المؤتمر وقياداته فيما راح الجزء الآخر يبحث عن هويته السياسية وكينونته الحزبية منقسما بين جناح “الرئيس هادي” وجناح نجل صالح “السفير احمد علي “..
وفي ظل كل هذا الركام والغبار الذي بات يعصف بحاضر ذلك الكيان السياسي الذي لطالما مثل النسيج الحزبي الاقوى باليمن فإنه لم يعد هنالك بالنتيجة من قرار سياسي موحد لحزب المؤتمر قد تستند عليه اي جدوى لاي دعوات من ذلك القبيل حتى وان حدث ما يشبه التقارب مع الآخر فإنه لا يمكن باي حال من الاحوال ضمان استمرارية ذلك ..
فيما عدا مواقف واصوات القياديين البارزين طارق صالح وفهد الشرفي الى جانب بعض من قيادات الصف الثاني بالمؤتمر كالاعلامي نبيل الصوفي يمكن القول إن لاشيئ تبقى من تركة صالح قد يشكل زخما حقيقيا وحضورا لافتا للمؤتمر الشعبي ذي النكهة العفاشية الصلبة .وهو الحديث الذي سيقودنا بدوره الى مغزى تكرار دعوات الاخوان نحو غريمه المشتت سياسيا وعسكريا ..!
يعلم حزب الاصلاح ما بات عليه غريمه التقليدي اليوم جيدا لذا فان كل ما يصبو اليه من وراء تكراره تلك الدعوات سوف لن لا يعد كونه إما لمحاولة إستثمار ذلك التقارب سياسيا بغية التملص من مواقف سياسية واخفاقات عسكرية بات مطالبا بشدة في تفسيرها امام شركائه وحلفائه في حربه المزعومة ضد الحوثيين او لربما هي محاولة جادة فعلا منه لاحتواء وابتلاع ما تبقى من مؤتمر صالح او ما يمكن تسميته بالثقل السياسي المؤتمري المتبقي على الساحة والذي يمكن توظيفه سياسيا حال إحتوائه كليا لصالح أهداف وإستحقاقات تبحث عنها قيادات الإصلاح .
إذن التفافات وتكتيكات هوليوودية على الارض يغطيها تقاربات ومداهنات ميكافيللية هناك في فلك السياسة والإعلام .وهذا بالمناسبة هو الوجه الحقيقي والمجرد الذي يعكس طبيعة توجهات هذه الجماعة الراديكالية باليمن.
بيد ان إجمالي كل جهودها تلك سوف لن يؤدي بالضرورة إلا الى وصفها عامة بالمحاولات الإخوانية الهادفة الى خلقها واقعا جديدا في مواجهة اي تحرك إقليمي او دولي قد يهدد بتجاوز قياداتها مستقبلا.
وفي كلتا الحالتين سيتأكد ما تحدثنا عنه في البداية في انها بالمطلق ليست دعوات تقارب بدافع الوطنية او تأنيب الضمير بل انها في الغالب والاطار العام لها ستظل لا تمثل الا جهدا مستميتا تصدره تلك القيادات المتلونة بنية إرباك مشهد الصراع اكثر وبالتالي عرقلة اي مساع او حلول محتملة قد تفضي الى إنهاء الازمة والحرب في اليمن ..
ـ لكن السؤال الاهم هنا ! هل يدرك نجباء المؤتمر او من تبقى منهم فحوى تلك الدعوات الإخوانية؟والمغزى من تكرارها اليوم بعد حالة العداء والقطيعة التي شابت العلاقة بينهما طيلة سنوات الحرب الماضية باليمن؟
من حيث المبدأ لا احد هنا يقف ضد اي تقارب بين النخب والمكونات السياسية.لكن التقارب الذي تنشده اليوم قيادات الاخوان بعد سنوات من العبث والانتهازية التي لازمت دورها في الازمة والحرب سيضع كثيرا من علامات الاستفهام حول توالي تلك الدعوات مؤخرا ..!