كريتر نت – متابعات
نشرت صحيفة غارديان تقريرا حصريا يكشف عن اعتقال إسرائيل عشرات الفلسطينيين من غزة في سجن تحت الأرض يُدعى “راكيفت”، حيث يُحرم الأسرى من ضوء الشمس والطعام الكافي وأي تواصل مع عائلاتهم أو العالم الخارجي.
التقرير -الذي أعدته الصحفية إيما غراهام هاريسون- يستند إلى شهادات محامين من اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل (بكاتي)، والذين زاروا السجن وتحدثوا إلى اثنين من الأسرى المدنيين.
وهذان الأسيران أحدهما ممرض اعتُقل أثناء عمله في ديسمبر/كانون الأول 2023، والآخر شاب بائع طعام يبلغ من العمر 18 عاما اعتُقل عند حاجز في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
كلاهما حُوّلا إلى سجن راكيفت تحت الأرض في يناير/كانون الأول الماضي، ويقولان إنهما يتعرضان للضرب المنتظم وسوء المعاملة، وهو ما يتوافق -وفقا للصحيفة- مع تقارير عن أساليب تعذيب كُشف عنها سابقا في السجون الإسرائيلية.
سجن راكيفت.. من مشروع للجريمة المنظمة إلى معتقل للفلسطينيين
بُني السجن في أوائل الثمانينيات لاحتجاز مجرمي الجريمة المنظمة، لكنه أُغلق بعد سنوات قليلة بسبب “لاإنسانيته”، لكن وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير أعاد فتحه بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قائلا “هذا هو المكان الطبيعي للإرهابيين، تحت الأرض”.
وما يميز هذا السجن -وفقا للصحيفة- أنه بالكامل تحت سطح الأرض: الزنازين وساحة التمرين الصغيرة وغرفة المحامين، وكل ذلك بلا نوافذ أو ضوء طبيعي.
وقد كان هذا السجن مخصصا لـ15 سجينا فقط، لكنه الآن يضم نحو 100 معتقل وفقا لبيانات حصلت عليها “بكاتي”.
الاعتقال دون تهم أو محاكمات
ويؤكد التقرير أن كثيرا من الأسرى مدنيون بالكامل، وأن المحاكم الإسرائيلية تمدد اعتقالهم في جلسات فيديو قصيرة دون حضور محامين، وتبرر ذلك بعبارة واحدة “حتى نهاية الحرب”.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول 2025 -الذي أفرجت بموجبه إسرائيل عن 1700 أسير من غزة دون تهم- فإنه لا يزال أكثر من ألف آخرين رهن الاعتقال، بينهم الممرض الذي لم ير ضوء النهار منذ يناير/كانون الثاني 2025، وفقا لتقرير “غارديان”.
ظروف قاسية وتعذيب ممنهج
ونقلت الصحيفة عن محامين وصفهم للمشهد في السجن أثناء زيارتهم له قائلين “حراس ملثمون مسلحون يقودونهم أسفل الدرج إلى غرف مليئة بالحشرات الميتة، أما المراحيض فمتسخة لدرجة لا يمكن استخدامها”.
وأضافوا أن الكاميرات تراقب حتى لقاءات المحامين، في خرق لحق الأسرى في الخصوصية القانونية، وذكروا أن أيدي وأرجل الأسرى مقيدة، ورؤوسهم موجهة إلى الأرض عند إدخالهم.
إحدى المحاميتين -وهي سجا ميشرقي برانسي- نقلت عن الممرض قوله في أول لقاء معها “أين أنا؟ ولماذا أنا هنا؟”، أما الشاب البائع فقال لها “أنت أول إنسان أراه منذ اعتقالي، من فضلك عودي لزيارتي”.
وأضافت ميشرقي “آخر مرة رأى فيها الممرض ضوء النهار كانت في 21 يناير/كانون الثاني هذا العام”.
تأثير نفسي وجسدي مدمر
ووصفت تال شتاينر المديرة التنفيذية لـ”بكاتي” الاحتجاز تحت الأرض بأنه “قاس بشكل متعمد، وله آثار نفسية وجسدية مدمرة، إذ من الصعب أن يظل الإنسان سليما عندما يُحتجز في ظروف بهذا القدر من القسوة”.
وأشارت إلى أن الحرمان من الضوء الطبيعي يسبب اضطرابات في النوم وفي إنتاج فيتامين “دي”، مما يؤثر على الصحة العامة.
ردود رسمية متناقضة
وقالت “غارديان” إن مصلحة السجون الإسرائيلية زعمت أنها تعمل “وفق القانون وتحت إشراف الجهات الرقابية”، لكنها رفضت الإجابة عن عدد أو هوية الأسرى في راكيفت.
أما وزارة العدل فقالت إنها أحالت الأسئلة إلى الجيش، والجيش أحالها مجددا إلى مصلحة السجون، في حلقة من التهرب المؤسسي من المسؤولية.
ويخلص تقرير “غارديان” إلى أن هذا النوع من الاعتقال “يمثل وصمة إنسانية وأمنية لإسرائيل نفسها”، إذ حذر مسؤولو استخبارات إسرائيليون من أن سوء معاملة الأسرى الفلسطينيين يهدد أمن إسرائيل على المدى الطويل.















