*محمد فائد البكري
باسم الدعوة إلى الله، نشأت جمعيات تُسمي نفسها خيرية و ترفع أسماء دينية وتضع آيات قرآنية أو أحاديث نبوية على لافتات مقراتها، أو على الأوراق المستخدمة في أدبياتها، وتزعم أنها تعمل لصالح الدين ولأجل الدين وتدعم أنشطة دينية، مثل تحفيظ القرآن ونشر الدعوة وممارسة التبليغ ومساعدة الفقراء.
ومنها جمعيات تفعل ذلك دون أن يُعرف مصدر تمويلها، وأخرى تجمع المال بذرائع دينية مُستغلةً العاطفة الدينية عند عموم الناس، وهي تنشط في جمع المال عبر التبرعات المالية التي ترفع بين حقبة وأخرى ذريعة مناسبة فتارةً لدعم المجاهدين وأخرى لمعونة إخواننا المستضعفين في أفريقيا والبوسنة والهرسك وافغانستان وباكستان وفي كرواتيا وألبانيا و ميانمار وغيرها.
ولصالح هذه الجمعيات تخصص صناديق لجمع التبرع بالمال في كل الأماكن التجارية والبقالات والمساجد ويرفق بها ملصقات تحث على مساعدة الفقراء وحب الخير لهم ومساعدة إخوتنا المسلمين المضطهدين من أعداء الإسلام.
ونشاط هذه الجمعيات مستمر طوال السنة لكنه يزداد في مواسم وأحداث معينة وتحت غطاء مناسبات دينية، أو شعارات دينية مثلما حدث موخرا باسم دعم مسلمي الروهينغا.
وبعض هذا النشاط الذي يجلب أموالا كثيرة خارج القانون، وينفقها خارج القانون أشارت له بعض الصحف وذكرت كيف تُستعمل هذه الجمعيات غطاءً لأموال مشبوهة وتمويلات لجماعات أصبحت أذرعاً لجهات خارج البلد.
ورغم ما ينعكس من أثرها سلباً على المجتمع وعلى الدين وعلى الثقة بالمتدينين، فإنها ما تزال تعمل تحت لافتات متعددة، وتغيّر مقراتها لكنها لا تغيّر سلوكياتها ولاسيما إنها لم تجد من الدولة رادعاً قانونيا، ولم تجد من المجتمع رادعا ثقافياً يحد من تمويلها والتعامل معها.
وبرغم كل التقلبات التي شهدها المجتمع في السنوات الأخيرة فإن هذه الجمعيات مازالت نشيطةً في كسب الأموال بلا رقابة عليها، ولا محاسبة، ولا أحد يعرف أين تذهب تلك الأموال، أو كيف توظف وكيف تصرف؟ وكم نسبة ما يُمنح منها لأهل الحاجة وكم نسبة ما يُتاجر به أو تموَل به أنشطة أخرى قد تكون منها أنشطة ضد المجتمع والدولة!
وبعض هذه الجمعيات اقتحمت السياسة ووظفت نشاطها المتذرع بالدين لأعمال سياسية وتحالفات سياسية، ومارست مقايضات مع السلطة السياسية، وزبائنية سياسية، وظل دورها مشهودا في الاصطفافات أيام الانتخابات.
وقريباً من هذه الجمعيات جمعياتٌ تبني خيريتها المزعومة على العصبية الحزبية، وهي تخفي ذلك ولا تعلنه وتوظف العمل الخيري للمحسوبين على تيارها السياسي، ومن خلال أعمال الخير التي تذهب وفق شروط لا تنطبق إلا على التيار السياسي المحسوب عليها تصنع عصبية مُقنَّعة بفعل الخير، وتوثّق العُرى والروابط بين منتسبي حزبها، وتعمل على تمويلهم وتنمية مقدراتهم.
أو تستخدم العمل الخيري للاستقطاب والاستمالة وجلب التعاطف مع الحزب بصيغ غير مباشرة، مثل تسيير قوافل دعوية أو توزيع مواد غذائية أو تجهيز أعراس جماعية أو مساعدة بعض الرغبين في الحج، أو دعم أنشطة مثل الطبق الخيري لصالح فلسطين أو القيام بحملات مناصرة لقضايا دينية، أو دعم فعاليات خطابية لمناصرة قضايا قومية، أو فتح مدارس تحفيظ قرآن، وغير ذلك من الأنشطة التي تجلب لهذه الجمعيات ومَنْ يتسترون بها تعاطف المجتمع، مُستغلةً فقر المجتمع وحاجته في ظل دولةٍ غائبة وسلطةٍ متغوّلة، تنهب المال العام وتسرق الموارد، وترعى الفساد وتدعمه.
بمعنى إن هذه الجمعيات تمارس السياسة من وراء ستار، وتعمل بذهنية عصبوية وتمارس انتهازية للدين، وتتحايل على القانون، وتنسج علاقات مشبوهة بين المال والدين والسياسة، وما تعتمده من خلط للأوراق ينعكس سلباً على وحدة المجتمع، وعلى سمعة العمل الخيري وعلى الوعي السياسي والقيم المدنية.
والتساؤل إلى متى ستظل هذه الجمعيات تفتقر للشفافية، وإلى متى ستظل تشكل تحيزات فئوية؟!، وإلى متى ستظل تنمّي الحاجة إليها وتشيع ثقافة التواكل والمسكنة! ولماذا لا ترى فعل الخير إلا من خلال الهبات والمساعدات؟! ولماذا لا تتحول إلى عمل مؤسسي لتنمية المجتمع وتعمل على تأهيل وتدريب الفرد والمشاركة في منحه القدرة على الاستقلالية والاختيار، بدلا من استلابه و تحويله إلى تابع، أو رهينة لحاجة دائمة؟!