د . عبدالعليم محمد باعباد
يحصر السياسي المتعصب الشعبَ في المكون الذي ينتمي إليه، فلا يرى الشعبَ إلا نسخة من أنصاره وأتباعه، و قد تصغّر هذه الصورة مرات ومرات، فلا يرى في الصورة إلا دائرة ضيقة لا تتجاوز معارفه والمقربين منه.
وهذه النظرة الخاطئة والقاصرة، أساساها الجهل بالواقع الاجتماعي والسياسي للبيئة التي يوجد فيها ( الشعب )، و تضخيم الذات الشخصية، تحت مبرر المبادئ والأهداف، على حساب الجماهير الشعبية، والمكونات السياسية والاجتماعية الموجودة، ولا ننسى تأثير عوامل أخرى تساهم في وصول السياسي إلى هذه الحالة غير السوية.
ما يحدث بعد ذلك على الواقع من سلوك سياسي استبدادي، وما يتمخض عنه من قرارات ارتجالية، ليس سوى آثار ونتائج لتلك النظرة القاصرة.
وتهيئ هذه التصرفات لصراعات سياسية مستقبلية، إذ تكون البلد والحال كهذه، بارودا قابلا للانفجار في أي لحظة، حتى وإن بدا الصمت الشعبي هو سيد الموقف، ولو رأى المتحكم أن تياره هو الموجود الوحيد على الساحة، و رأى بقية المكونات السياسية والاجتماعية في حالة سبات عميق، فهي ليست صورة حقيقية واقعية، ولكنها صورة ذهنية في المخيلة.
إذن كيف يمكن الخروج من هذه المشكلة !
لا بد على أي تيار أو حزب أو مكون سياسي من قراءة الواقع السياسي والاجتماعي قراءة صحيحة، تقوم على لغة البيانات والأرقام، والأبحاث العلمية الموضوعية، ليرى الواقع كما هو عليه، لا كما يراه أو يريده.
ثم على السياسي ومن يحيط به من المستشارين أن يكونوا على مستوى من العلم والمعرفة بالواقع، وباتجاهات السياسة الإقليمية والدولية، وعلى معرفة و خبرة كافية بالحركات السياسية العالمية، وتاريخ الدول والشعوب، ليستجلوا منها العبر ويستفيدوا منها تجنب تكرار الأخطاء والسلبيات، فليس كل فعل مسنود بالقوة يمكنه البقاء والاستمرار، ولا الاعتماد على الخارج، يمكن أن يغني عن دعم الداخل.
و قبل ذلك وبعده على السياسي أن يلتزم في تصرفه وسلوكه، وقراره بالقانون، فهو المعيار الوحيد الذي يصبغ أفعاله بالمشروعية، ويضفي عليها المسؤولية، ليتلقاها الشعب بالرضا والقبول .
إذا أمكن للسياسي قراءة الواقع بموضوعية، سيجد أنه وإن كان يرى تياره فاعلاً على الواقع، إلا أنه ليس الوحيد، بل سيجد أن فاعليته ليست ذاتية محضة، بل قد يكون فعلا سياسيا خارجيا، وسيجد أن نسبة وجوده في جغرافيا معينة، يقابلها نسبة وجود لغيره في جغرافيا أخرى بنفس الوطن.
و لا بد أيضاً من الاستيعاب، فالاستيعاب السياسي عن طريق الحوار، هو وسيلة السياسي الناجح لنشر مبادئه و أهدافه، وهو السلوك الذي يمكنه من فتح الأبواب المغلقة، ويزيد من شعبية تياره، ويستطيع من خلاله إيجاد قواسم مشتركة مع بقية المكونات السياسية والاجتماعية ليصل ببلده إلى بر الأمان.