كريتر نت – متابعات
شهد مطار صنعاء الدولي الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي خلال الأيام الماضية، نشاطا جويا مشبوها، في ظل تساؤلات حول طبيعة الرحلات المتزايدة، التي تأتي بالتزامن مع أنباء عن نقل عشرات الجرحى من قيادات الحوثيين الذين سقطوا جراء غارات إسرائيلية استهدفت ورشة عمل للحكومة الخميس الماضي.
وفي تحليل موثق أجراه “الموقع بوست” بالتعاون مع منصة مُسند للتحقق من الأخبار لحركة طائرات الأمم المتحدة في الأجواء اليمنية، باستخدام تقنيات التتبع والرصد عبر المصادر المفتوحة.
وجاء هذا التحليل في اليوم الذي تلا قيام جماعة الحوثي باعتقال 11 من مسؤولي بعثة الأمم المتحدة في صنعاء، عقب تعرضها لقصف إسرائيلي استهدف الحكومة.
وكشف الرصد أن الأجواء اليمنية شهدت في ذلك اليوم نشاطًا مكثفًا وغير اعتيادي لطائرات الأمم المتحدة، تمثل في هبوط وتوقفات وتحركات متزامنة داخل المجال الجوي اليمني.
تحركات مشبوهة لطائرات الأمم المتحدة
وأمس الاثنين، شهدت الأجواء اليمنية نشاطًا جويًا غير طبيعي، حيث رُصدت ثلاث طائرات تابعة للأمم المتحدة تنفذ مسارات لافتة داخل المجال الجوي اليمني.
إحدى هذه الطائرات هبطت في مطار صنعاء وتوقفت أكثر من ساعة قبل أن تغادر، فيما نفذت الثانية انعطافًا واسعًا فوق ذمار، والثالثة استقرت في مطار عدن.
وكشف بيانات التتبع من مصادر مفتوحة هذه التحركات بدقة، لتطرح أسئلة صارخة حول ما يجري خلف الكواليس.
لماذا هذا التلاعب في الوجهة؟
الطائرة 3BNBZ التابعة لأطباء بلا حدود أعلنت أن وجهتها مطار عدن، لكنها تجاوزت المطار واتجهت إلى صنعاء حيث توقفت ساعة كاملة.
هذا التلاعب ليس تفصيلًا تقنيًا، بل يعكس محاولة إخفاء التنسيق القائم مع سلطات صنعاء، إذ أن تسجيل الوجهة “عدن” يجنّب الاعتراف العلني بوجود رحلات أممية تهبط في صنعاء تحت سيطرة الحوثيين.
ومن خلال تقنيات التتبع والرصد، تم توثيق حركة الطائرة التي هبطت في مطار صنعاء منذ دخولها الأجواء اليمنية، وذلك عبر بيانات دقيقة سجلتها أدوات التتبع الجوي (Flightradar24) رحلة تابعة للأمم المتحدة – أطباء بلا حدود (MSF) تحمل التسجيل 3B-NBZ من طراز Beechcraft 1900D، والتي أقلعت صباح الاثنين 1 سبتمبر 2025 من مطار جيبوتي الدولي (JIB) متجهة إلى اليمن.
المزدوجة المخصّصة للرحلات القصيرة والمتوسطة، وتتسع لما يصل إلى 19 راكبًا أو حمولة تقارب 1.0–1.5 طن من المستلزمات. وتستخدمها المنظمات الدولية – ومنها أطباء بلا حدود – كوسيلة أساسية لنقل الطواقم الطبية والإمدادات الدوائية بين جيبوتي والمطارات اليمنية، نظرًا لقدرتها على الهبوط في مدارج قصيرة وظروف تشغيل صعبة.
وطبقا لبيانات التتبع، ظهرت الطائرة عند الساعة 07:09 بتوقيت غرينتش (10:09 صباحًا بتوقيت اليمن) وهي تحلّق فوق خليج عدن على ارتفاع 23 ألف قدم بسرعة 258 عقدة، في مسار شرقي نحو الساحل اليمني.
وبعد اثنتي عشرة دقيقة، عند 07:21 UTC (10:21 محليًا)، تجاوزت الطائرة أجواء عدن دون تنفيذ أي اقتراب أو هبوط، وواصلت مسارها شمالًا باتجاه مطار صنعاء الدولي.
في الساعة 07:48 UTC (10:48 محليًا)، سجّل الرادار الطائرة فوق منطقة المعبر – مديرية الاتجارة بمحافظة ذمار على ارتفاع 18 ألف قدم وبمعدل نزول 1,280 قدم/دقيقة، ما أكد دخولها في مرحلة الهبوط نحو مطار صنعاء الدولي (SAH).
وقد أظهرت بيانات السرعة الجوية عند هذه المرحلة 251 عقدة مع اتجاه شمالي شرقي.
هبطت الطائرة في مطار صنعاء قرابة 08:10–08:20 UTC (11:10–11:20 صباحًا بالتوقيت المحلي)، وبقيت متوقفة على أرض المطار لمدة تقارب الساعة.
ثم عاودت الإقلاع عند 09:23 UTC (12:23 محليًا)، متجهة جنوبًا بارتفاع صعودي بلغ 23 ألف قدم نحو خليج عدن.
وعند الساعة 09:48 UTC (12:48 محليًا)، ظهرت الطائرة جنوب محافظة لحج وعلى مشارف خليج عدن بارتفاع 4,900 قدم وسرعة 226 عقدة، في مسار اقتراب منخفض باتجاه مطار عدن.
البيانات الموثقة تكشف بوضوح أن الطائرة لم تهبط في مطار عدن كما ظهر في خانة الوجهة على شاشات التتبع، وإنما واصلت رحلتها إلى مطار صنعاء حيث توقفت لمدة تقارب ساعة قبل أن تعود جنوبًا نحو عدن.
ما الذي كانت تحمله الطائرة التي توقفت في صنعاء؟
بقدرة استيعابية تصل إلى 19 راكبًا أو 1.5 طن من الحمولة، فإن طائرة Beechcraft 1900D التابعة لـMSF تنقل عادة الأدوية والمستلزمات الطبية والكوادر.
لكن السؤال: هل كان التوقف لأكثر من ساعة مجرد عملية إنزال مساعدات، أم شمل لقاءات وتنسيقًا مباشرًا مع سلطات الحوثيين؟ التتبع الجوي يكشف الرحلة، أما طبيعة ما جرى على الأرض فتظل خارج السجلات الرسمية.
لماذا نفذت طائرة الصليب الأحمر (RED360) انعطافًا فوق ذمار؟
الطائرة RED360 التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر أقلعت من عدن، لكنها صعدت شمالًا حتى ذمار ثم نفذت مناورة عودة كاملة.
هذا المسار لا يمكن تفسيره كمجرّد خطأ ملاحي، بل يعكس التزامًا بممر جوي خاضع لسلطات الحوثيين.
السؤال هنا: هل باتت المنظمات الأممية تُجبر على تمرير طائراتها فوق مناطق محددة كشرط للتنسيق والعبور؟
ما الذي تكشفه هذه التحركات مجتمعة؟
وجود ثلاث طائرات أممية في يوم واحد، إحداها تهبط في صنعاء وتُخفي وجهتها، وأخرى تنعطف فوق ذمار قبل المغادرة، وثالثة تستقر في عدن، يُظهر أن التنسيق بين الأمم المتحدة والحوثيين لم يعد سريًا، و ما كان يُدار في الغرف المغلقة بات مكشوفًا عبر أدوات المصادر المفتوحة، التي رصدت هذه التحركات وفضحت ما حاولت الرحلات إخفاءه.
ومن الملاحظ أن الوجهات المعلنة لم تعد تعكس الحقيقة، والمسارات الجوية تكشف أن الأمم المتحدة تعمل بتفاهمات واضحة مع سلطات الحوثيين، سواء عبر الهبوط المباشر في صنعاء أو الالتزام بممرات خاضعة لسيطرتهم.
لقد أصبح هذا التنسيق، الذي كان يُدار بصمت، مفضوحًا اليوم أمام الرأي العام بفضل بيانات التتبع المفتوحة.