كريتر نت – العرب
الريال اليمني يرتفع بنسبة جيدة عقب تدابير صارمة اتخذها البنك المركزي، أهمها إغلاق شركات صرافة غير ملتزمة، ومع ذلك لم تشهد الأسعار انخفاضاً يتماشى مع هذا التحسن، ما أثار قلق المواطنين. كما يرى الباحثون أن هذا التحسن سطحي بسبب نقص الاحتياطي النقدي، خاصة وأن الحكومة تواجه تحديات اقتصادية جمة.
وشهد الريال اليمني مؤخراً تحسناً ملحوظاً أمام العملات الأجنبية، حيث ارتفع سعره إلى نحو 1600 ريال للدولار الواحد، بعد أن كان يساوي 2900 ريال.
وجاء هذا التحسن نتيجة حزمة من الإجراءات التي نفذها البنك المركزي اليمني، أبرزها إغلاق العشرات من منشآت وشركات الصرافة المخالفة في عدد من المحافظات الخاضعة لسلطة الحكومة المعترف بها دولياً.
ورغم الارتفاع الكبير في قيمة الريال، بنسبة تجاوزت 40 في المئة، فإن الأسواق لا تزال ترزح تحت وطأة الأسعار المرتفعة، ما جعل فرحة المواطنين ناقصة وممزوجة بالقلق.
ويعيش اليمنيون حالة من الترقب وسط مطالبات شعبية للسلطات والجهات الرقابية بفرض تخفيضات تتناسب مع تحسن العملة المحلية، إذ جرى خفض أسعار بعض السلع بنسبة 20 في المئة، وأخرى بواقع الثلث، فيما لم تشهد سلع كثيرة أي خفض.
كما يشكو مواطنون من عدم بيع الدولار والريال السعودي لهم من قبل شركات الصرافة، والاكتفاء بشرائه منهم، ما تسبب في حالة ارتباك في الأسعار وسوق الصرافة.
ونفذت السلطات اليمنية حملات رقابة على الأسعار، واحتجزت عدداً من التجار، وأغلقت مؤقتاً العديد من المحال التجارية في إطار مساع لضبط الأسواق، غير أن حالة الضبابية لا تزال تهيمن على المشهد.
فرح ومخاوف
يقول المواطن محمد إسماعيل، من سكان مدينة تعز الخاضعة لسلطة الحكومة، إن تحسن سعر العملة المحلية أفرح الكثير من المواطنين، “لكن ذلك مصحوب بحذر ومخاوف متعددة.”
وأضاف أن “تحسن صرف العملة الوطنية بات قضية رأي عام تحظى باهتمام واسع بين جميع السكان،” لكنه شكا في الوقت نفسه من أن “الأسعار لم تشهد انخفاضاً يواكب تحسن سعر الصرف، إذ بقيت الكثير من السلع عند مستوياتها السابقة، بينما تراجعت بعض السلع إلى الثلث أو الربع، وأخرى انخفضت بنسبة لا تتجاوز 10 في المئة.”
وأشار إسماعيل إلى أن الكثير من الأسر اليمنية -خاصة المغتربين- التي تتسلم دخلها بالدولار أو الريال السعودي، تكبدت خسائر غير مسبوقة، حيث تراجع دخلها الفعلي إلى الثلث أو النصف نتيجة عدم انخفاض الأسعار بما يتناسب مع تحسن قيمة العملة.
وضرب إسماعيل الإيجار مثالا على ذلك، وقال إن إيجار شقة كان يبلغ في المتوسط 300 ريال سعودي قبل تحسن قيمة العملة، لكنه ارتفع إلى 600 ريال سعودي حاليا، ما يعني خسارة مضاعفة للمستأجرين أصحاب الدخل المحدود.
وشدد على أن الأمر يتطلب تدخلاً حكومياً عاجلاً وتشديد الرقابة لخفض جميع الأسعار، وأيضا أسعار الإيجارات، بما يتوافق مع تحسن سعر الصرف، “وعندها فقط سيشعر المواطنون بأن عملتهم عادت نسبياً إلى التعافي.”
وبدوره قال أبوليث الحاج، وهو موظف في القطاع الخاص بمدينة تعز، إن “تحسن سعر صرف العملة لم ينعكس بشكل ملموس على حياة الكثير من المواطنين.”
وأوضح الحاج أن التغير المفاجئ في سعر صرف الريال اليمني أحدث حالة من الارتباك في الأسواق، حيث بات الكثير من الناس يشتكون من هذا التغيير غير المدروس الذي انعكس سلباً على حياتهم.
وأشار إلى أن الأسعار لا تزال مرتفعة، ولا تتناسب مع نسبة تحسن صرف الريال، وقال “كنا في السابق نستطيع شراء كيس دقيق بمئة ريال سعودي ويتبقى معنا أكثر من 15 ألف ريال يمني، أما اليوم فلا نستطيع بالمبلغ نفسه شراء كيس دقيق واحد، وعلى ذلك تُقاس بقية الاحتياجات الأساسية.”
ولفت الحاج إلى أن الكثير من التجار يواجهون ركوداً ملحوظاً بسبب إحجام المستهلكين عن الشراء نتيجة غياب الاستقرار في الأسواق وعدم وجود مؤشرات واضحة على ثبات سعر الصرف.
تحسن شكلي
وهناك من يرى أن تحسن سعر صرف الريال يعد “أمرا شكليا دون تأثير فعال نتيجة عدم استقرار الأسعار وارتباك حالة الأسواق وعدم وجود احتياطي مطمئن من النقد الأجنبي.”
وقال الباحث عبدالسلام قائد إن التحسن الحالي في سعر العملة المحلية يعد “تحسناً شكلياً، أو اسميّا” أكثر من كونه تحسناً فعلياً في القدرة الشرائية للمستهلك.
وأوضح أن القيمة الاسمية للعملة هي السعر الذي تحدده السلطات النقدية، مثل البنك المركزي، مقابل العملات الأجنبية، بينما القيمة الفعلية تقاس بما يمكن شراؤه من السلع والخدمات في السوق المحلية.
وأضاف “ما نشهده حالياً هو تحسن رقمي أو اسمي، في حين أن انخفاض الأسعار في الأسواق يتم بوتيرة بطيئة جداً، وهو ما يعطي المستهلك انطباعاً مضللاً بأن القدرة الشرائية تحسنت.”
وأشار قائد إلى أن التحسن الحالي لا يقوم على قاعدة اقتصادية صلبة، إذ أن أحد أهم مؤشرات الاستقرار هو ميزان المدفوعات، الذي يتطلب أن تكون الصادرات أكبر أو على الأقل مساوية للواردات.
وأوضح أن اعتماد الاقتصاد بشكل كبير على استيراد السلع من الخارج، مع ضعف الصادرات، يجعل البلاد بحاجة مستمرة لتدفقات نقد أجنبي عبر القروض أو المساعدات أو مصادر دعم خارجية.
وحذر قائد من أن استمرار ضبط سوق الصرف دون وجود روافد حقيقية للعملة الأجنبية “قد يقود إلى أزمة جديدة، تتمثل في صعوبة حصول التجار على النقد الأجنبي اللازم للاستيراد، ما قد يتسبب في ندرة السلع أو ارتفاع أسعارها بشكل كبير، أو عودة العملة المحلية إلى التراجع.”
كما أكد أن استدامة أي تحسن في قيمة العملة المحلية مرهونة بوجود مصادر دائمة للعملات الأجنبية، وبسياسات اقتصادية ونقدية متوازنة تدعم السوق على المدى الطويل.
طريق وعرة
إلى حد الآن لا تزال الحكومة اليمنية تواجه أزمة مالية حادة وسط استمرار مناشدتها المجتمع الدولي دعمها للتعامل مع الوضع الاقتصادي الصعب، ما يجعل الإجراءات الحالية مهددة.
ويقول المحلل الاقتصادي وفيق صالح “من المؤسف أن أسعار السلع والمواد الغذائية لم تتماش مع التحسن الملحوظ في قيمة العملة الوطنية،” مشيراً إلى أن الكثير من السلع لا تزال تباع بأسعارها السابقة، بينما لم يتجاوز انخفاض أسعار بعض الأصناف المعلنة 20 في المئة، في الوقت الذي تجاوز فيه التعافي في قيمة العملة الوطنية نسبة 46 في المئة.
وأوضح صالح أن غياب الرقابة الفعالة على الأسواق يعد أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار البيع بالأسعار القديمة وعدم الاستجابة لتحسن سعر الصرف.
وأضاف “عندما لا توجد آليات واضحة لتتبع الأسعار، ومحاسبة المخالفين، وتطبيق الغرامات، فإن التجار لا يجدون أي رادع، ما يفتح المجال أمام الممارسات الاحتكارية وغياب الحس بالمسؤولية الاجتماعية.”
وأشار إلى أن بعض التجار يحتفظون بهوامش ربح غير مبررة، مستغلين ضعف الموقف الاقتصادي للمواطنين، وهو ما يفاقم معاناتهم ويؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني ككل.
وأكد أن الإجراءات الحكومية الأخيرة “أسهمت في خلق بصيص أمل لدى الشارع في التعافي الاقتصادي وتحسن مستوى المعيشة،” لافتاً إلى أن هذه الإجراءات يمكن أن تحقق استقراراً نسبياً في قيمة العملة وأسعار السلع على المديين القريب والمتوسط، “إذا رافقها توفير مصادر مستدامة للعملة الأجنبية واستمرار الرقابة الصارمة على الأسواق.”
واختتم صالح حديثه قائلا إن الطريق لا تزال طويلة ومليئة بالتحديات، غير أن ما حدث في سوق الصرف مؤخراً أثبت قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات وتحقيق استقرار اقتصادي نسبي.