حسن خليل
صحفي مصري
في خضم الأزمة اليمنية المتواصلة، حيث تتشابك خيوط المصالح والمبادئ، تتكشف فصول دراما جديدة تعكس عمق الشرخ في صفوف “التجمع اليمني للإصلاح”، الحزب الذي لطالما قدّم نفسه كحامل لواء الثورة والدين. لكن هذه المرة لم تكن المعركة ضد خصم خارجي، بل هي صراع داخلي ينذر بتمزق النسيج الإخواني، فقد أطلّ الإعلامي عبد الله دوبلة، بلسان قناة (يمن شباب)، ليوجّه سهام نقده الحادة إلى القيادي الإصلاحي عبد الله أحمد علي العديني، في هجوم يحمل في طياته اتهامات بالتواطؤ مع الحوثيين، تلك الجماعة التي باتت شبحًا يطارد الجميع في المشهد اليمني.
ضربات في العمق
في مشهد يشبه المسرحيات التراجيدية، خرج عبد الله دوبلة، الإعلامي البارز التابع لحزب (الإصلاح)، عبر شاشة (يمن شباب)”، ليشنّ هجومًا لاذعًا على العديني، وهو البرلماني المعروف بمواقفه المتشددة وآرائه المثيرة للجدل. ولم يكتفِ دوبلة باتهام العديني بالتواطؤ الصامت مع الحوثيين، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد شكّك في مصداقية العديني العلمية والدينية، واصفًا إيّاه بـ “الواعظ الشعبوي” الذي لا يملك المؤهلات الكافية للتحدث باسم الدين أو الحزب.
كانت الاتهامات التي أطلقها دوبلة موجهة بدقة لتطال سمعة العديني، مشيرًا إلى أنّ الأخير يحافظ على ممتلكاته في محافظة إب التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران، في إشارة ضمنية إلى صفقات خفية قد تكون جرت بين العديني والجماعة المسلحة. ولم يكن الهجوم مجرد نقد سياسي، بل محاولة لتفكيك رمزية العديني كواحد من أبرز الوجوه الدينية في حزب (الإصلاح)، ذلك الحزب الذي تأسس عام 1990 على يد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ليكون امتدادًا لفكر الإخوان المسلمين في اليمن.
لم يتأخر الردّ من العديني، الذي اختار منصة (فيسبوك) ساحة للدفاع عن نفسه، ولم يقتصر على الدفاع بل قلب الطاولة على خصومه داخل الحزب. في سلسلة مقاطع فيديو، حمل أحدها عنوانًا استفزازيًا: “من هو الحوثي يا قناة (يمن شباب)… أنا أم أنتم؟”، استحضر العديني تاريخًا من المواقف التي وصفها بـ “النفاق السياسي” لحزب (الإصلاح).
واتهم الحزب بأنّه هو من فتح أبواب اليمن أمام الحوثيين خلال ثورة 2011، مشيرًا إلى استقبال قيادات حزب (الإصلاح) للحوثيين في ساحات الاعتصام في صنعاء وتعز، ضمن تحالف “اللقاء المشترك” الذي ضم قوى سياسية موالية للحوثيين.
ولم يكتفِ العديني بذلك، بل استدعى تصريحات سابقة للقيادي الإصلاحي حميد الأحمر، الذي وصف سقوط صعدة بيد الحوثيين عام 2014 بـ “التحرر من نظام صالح”.
وأشار إلى إرسال وفود إصلاحية إلى صعدة في العام نفسه لمحاورة زعيم الحوثيين، في محاولة لإثبات أنّ العلاقة بين حزب (الإصلاح) والحوثيين ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى تحالفات سياسية قديمة.
وفي هجومه الناري وصف العديني خصومه داخل الحزب بـ “المرتزقة السياسيين”، متهمًا إيّاهم بالتجارة بالدين والتحالف مع أعداء الثورة، في إشارة واضحة إلى ما اعتبره “تواطؤًا تاريخيًا” مع الحوثيين.
انقسامات داخلية وصراع هوية
ما يجري في حزب (الإصلاح) ليس مجرد سجال إعلامي بين شخصيتين، بل هو انعكاس لتصدع عميق في بنية الحزب الذي يعاني منذ أعوام من انقسامات بين تياريه السياسي والديني. الحزب، الذي تأسس كتجمع سياسي ذي خلفية إسلامية، واجه تحديات كبيرة في الحفاظ على وحدته، خاصة في ظل الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2014، التي شهدت سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، بدعم من قوات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، قبل أن يتحول التحالف إلى صراع بين الطرفين عام 2017.
المراقبون يرون أنّ هذا الصراع العلني بين دوبلة والعديني يكشف عن أزمة هوية داخل حزب (الإصلاح).
فالتيار السياسي، الذي يمثله قيادات مثل محمد عبد الله اليدومي، يسعى إلى تقديم الحزب كقوة سياسية براغماتية قادرة على التعامل مع التحالفات الدولية والإقليمية، بينما يتمسك التيار الديني، الذي يمثله شخصيات مثل العديني، بموقف أكثر تشددًا يرفض أيّ شكل من أشكال التقارب مع الحوثيين أو القوى المدعومة من إيران.
هذا التوتر بين البراغماتية السياسية والتشدد الديني يهدد بتمزيق الحزب من الداخل، خاصة في ظل ضغوط الحرب والانقسامات الإقليمية في اليمن.
الاتهامات المتبادلة بين دوبلة والعديني تفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين حزب (الإصلاح) والحوثيين.
ففي حين يتهم دوبلة العديني بالتواطؤ الصامت، يستند العديني إلى أحداث تاريخية لدعم روايته، مشيرًا إلى مشاركة حزب (الإصلاح) في تحالفات سياسية مع قوى موالية للحوثيين خلال ثورة 2011.
وهذه الاتهامات ليست جديدة، فقد سبق أن وجهت اتهامات مماثلة لحزب (الإصلاح) بأنّه أسهم في تمكين الحوثيين من السيطرة على صنعاء، خاصة من خلال دوره في ساحات الاعتصام التي شكّلت أرضية خصبة لتحركات الحوثيين.
ومع ذلك، يرى مراقبون أنّ هذه الاتهامات قد تكون جزءًا من حرب إعلامية تهدف إلى تصفية الحسابات الداخلية داخل الحزب الذي بات على حافة التصدع.
المواجهة العلنية على الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي تنذر بمرحلة جديدة من التصدع داخل حزب (الإصلاح).
ويرى المراقبون أنّ استمرار هذه الانقسامات قد يؤدي إلى انهيار الحزب كقوة سياسية موحدة، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها في المشهد اليمني المعقد.
فمن جهة يواجه الحزب ضغوطًا من الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة وأجزاء واسعة من الشمال، ومن جهة أخرى يتعرض لانتقادات من القوى الجنوبية التي ترى فيه تهديدًا إرهابيًا خطيرًا على أمن البلاد.
في هذا السياق، يبدو أنّ الصراع بين دوبلة والعديني ليس مجرد نزاع شخصي، بل هو تعبير عن أزمة أعمق تهز أسس حزب (الإصلاح). فهل سينجح الحزب في تجاوز هذه الأزمة عبر إعادة هيكلة داخلية، أم أنّ الانقسامات ستؤدي إلى تفككه؟ الإجابة تظل معلقة، لكنّ المشهد الحالي يوحي بأنّ الإخوان اليمنيين يقفون على مفترق طرق، حيث يتحدد مصيرهم بقدرتهم على استعادة الوحدة أو الغرق في صراعاتهم الداخلية.
في النهاية، تبقى هذه المواجهة بين دوبلة والعديني مرآة تعكس ليس فقط انقسامات حزب (الإصلاح)، بل حالة اليمن ككل، حيث تتصارع القوى السياسية على بقايا وطن ممزق، في هذا المشهد المعقد.
المصدر : حفريات