د. محمد الزغول
كاتب أردني
قدّمت الإدارة الأمريكية مُقترحاً لفض الخلاف مع طهران بشأن مسألة التخصيب، أطلقت عليه مقترح الفرصة الأخيرة، مؤكّدةً أنّ طهران ستواجه عواقب وخيمة في حال رفضه.
ويعرض المقترح على إيران إمكانيّة تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 بالمائة في إطار تحالف دوليٍّ.
وقد أعلنت إيران عن رفضها الأوّلي للمقترح الأمريكي.
لكنّه على ما يبدو، ليس رفضاً للمبدأ العام الذي يعرضه المُقترح، بمقدار ما هو رفضٌ للتفاصيل.
وهو نموذجٌ وصفتهُ مصادر دولية بنموذج الرد بـ “نعم، ولكن”، أو “لا، ولكن”.
ويمكن اعتبار الموقف الذي أعلنه القائد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، في خلال الطقوس السّنوية السادسة والثلاثين لموت الخميني مُحاولةً للضّغط على الولايات المتحدة، لتليين موقفها، وتغيير المقترح بما يحافظ على “الثوابت الإيرانية” في الملف النووي.
لماذا ترفض طهران العرض الأمريكي؟
كان متوقعاً أنْ يكون الردّ الإيراني سلبيّاً على المقترح الذي تقدَّمت به الولايات المتحدة.
كما كان مُتوقعاً أنْ يكون هذا الردّ السّلبي محلّ إجماعٍ داخل المؤسسة الرسمية الإيرانية، سواء على صعيد الحكومة التي رفضت الموضوع على لسان محمد إسلامي، مساعد رئيس الجمهورية ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وعباس عراقجي، وزير الخارجية، أو على صعيد مؤسسات الدولة العميقة التي أكدت رفضها القاطع له على لسان القائد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، وعلى لسان مُقرَّبين منه.
والسَّببُ في الرفض الإيراني لهذا المقترح كان واضحاً؛ إذْ عَدَّهُ الإيرانيون تنصُّلاً عن مكتسبات جوهرية كان قد أقرَّها المجتمع الدولي لإيران في الاتفاق النووي لعام 2015، والذي أقرّ في تفاصيله كافة حق إيران في امتلاك “الدورة النووية الكاملة”، حتى وإن كان ذلك في سياق الأنشطة النووية السِّلمية، وتحت رقابة دوليّة هي الأشدُّ بين كل البلدان التي تمتلكُ برنامجاً نوويّاً، وتتضمن عشرات المفتشين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونظاماً من التفتيش المُباغت للمراكز النووية.
وبدا واضحاً بعد المقترح الأمريكي والردّ الإيراني عليه، أنّ نقطة الخلاف الأساسية في المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن تتمحور حول “الحق في امتلاك الدورة النووية الكاملة”.
ويعرضُ المقترح الأمريكي الذي قدَّمه وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي مساراً للبرنامج النووي الإيراني يكسرُ هذه الدورة الكاملة.
لكنّهُ في نفس الوقت، يقرّ بحق إيران في امتلاك برنامج نووي للأغراض السلميّة، شريطة أنْ تكون دورتها النووية مبتورةً بما يضمن في شكلٍ قاطعٍ عدم حصولها على السلاح النووي؛ فالمقترح الذي أكدت المتحدثة باسم الإدارة الأمريكية أنه فرصة أخيرة، وأن طهران ستواجه عواقب وخيمة في حال رفضه، يقترح تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 بالمائة في إطار تحالف (كونسورتيوم) دولي، تشاركُ فيه إيران إلى جانب أطراف إقليمية أخرى، من ضمنها دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، كما تشارك فيه الولايات المتحدة باعتبارها شريكاً ومُراقِباً في الحين ذاته.
وذلك على غرار تحالفات دوليّة لتخصيب اليورانيوم كان قد عرفها المجتمع الدولي على مدى العقود الماضية، وأثبتت نجاحاً في تخفيف التوتُّر في كثيرٍ من الأحيان.
لكنّ المشكلات عادةً ما تكمن في التفاصيل؛ إذْ يعرض المقترح الأمريكي الجديد، وفق ما رشح عنه من تفاصيل، أن تُوقِف إيران تخصيب اليورانيوم على أراضيها حينما يبدأ التخصيب في المنشأة الإقليمية الجديدة التي ستكون إيران المستفيدة الأساسية منها، والتي يُقتَرَحُ أن تكون مركزاً دوليّاً خارج الحدود الإيرانية على أراضي دولة مجاورة من البلدان المشاركة.
ويُقدِّم مثل هذا المُقترح إذا ما قُدِّرَ له النَّجاح فرصةً لإدارة الرئيس ترمب من أجل التوصّل إلى توافُق جيّدٍ مع إيران بمعايير اليمين الأمريكي؛ إذْ يمكنُ للرئيس ترمب القول بأنه حصل على اتفاقٍ أفضل من الاتفاق النووي لعام 2015.
لكنّه في المقابل سيعني لإيران تراجُعاً جوهريّاً عن حدود الاتفاق النووي لعام 2015، سواء على صعيد التواريخ والمواعيد الزمنية مثل بنود الغروب، أو على صعيد المكتسبات التي حصلت عليها إيران في خلال الأعوام الأخيرة، مثل: تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمائة، وإنتاج معدن اليورانيوم، والوقوف على العتبة النووية.
وصولاً إلى التنصُّل عن حقّ تخصيب اليورانيوم حتى ضمن الحدود السلميّة.
ويبدو النظام الإيراني الآن بحاجة ماسة للتوصُّل إلى توافق، وإن كان مؤقتاً، يضمن له إبعاد شبح “آلية الزناد” التي باتت على الأبواب، مُنذرةً بعودة العقوبات الدولية، والمكوث تحت رحمة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
كما يضمن له الحصول على مكتسبات اقتصاديّة وتقنيّة تُمَكّنه من تجاوز الضائقة التي تُنذِر بما هو أسوأ في الأشهر المقبلة في قطاع الطاقة خصوصاً، والملف الاقتصادي عموماً.
مداخل مُمكِنة لتعديل المقترح الأمريكي
من المرجَّح أنْ يتواصل الرفض الإيراني للمقترح الأمريكي إنْ بقيت الإدارة الأمريكية متمسّكة بعدم مناقشة الخلافات التفصيليّة على قاعدة “تأخذه كله أو تتركه كلّه”؛ فالمقترح ضمن حدوده الحالية سيُفضي على الأرجح إلى تعطيل إيراني للمفاوضات، لأنه يصرّ على بتر الدورة النووية الكاملة، وإن كانت ضمن الحدود السلميّة.
ويمكن التفكير في بعض التعديلات لجعل المسار الذي تطمح إليه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مُمكناً في التحقق من سلميّة “الدورة النووية الإيرانية الكاملة”.
ولعلّ النقطة الأولى التي يمكن عَدُّها تعديلاً جوهريّاً على المقترح الأمريكي، تتمثل في نقل المركز الإقليمي الذي يفترض أنْ يجري تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 بالمائة فيه إلى داخل الأراضي الإيرانية، شريطة أنْ يكون متمركزاً في نقطة واحدة تتخذ صفة “المنطقة الحرّة”.
ويُحقق هذا التعديل المُقترح مكسباً مُهمّاً للمجتمع الدولي، يتمثّل في جمع شتات برنامج التخصيب الإيراني في موضعٍ واحدٍ خاضعٍ للمراقبة الدولية الدائمة.
وتُتّهم إيران بأنها تعمّدت تشتيت مواقع التخصيب، وتوزيعها جغرافيّاً، من أجل عرقلة مسار المراقبة الدولية، ووضع عقبات على أية محاولات للقضاء على البرنامج النووي الإيراني.
وفي إطار هذا المقترح، ربما يوضع مركز التخصيب المُشترك على إحدى الجزر الإيرانية في الخليج، أو في إحدى مدن السّاحل الجنوبي، حيثُ يوجد المفاعل النووي الأكبر في إيران في مدينة بوشهر.
ويبدو مقترح إنشاء “المنطقة الحرة الإقليمية للطاقة النووية” مقترحاً قابلاً للنظر، باعتباره يُؤمِّن إنشاء مركز إقليمي لتخصيب اليورانيوم على أراضٍ إيرانية، لكنّه سيتبع قوانين دوليّة على غرار باقي المراكز الدولية لتخصيب اليورانيوم.
ومن أجل ضمان هذه القوانين، قد يتعيّن استخراج قرار من مجلس الأمن الدولي يتضمن التزام الأطراف بما فيها إيران بمبادئ التّحالف/الكونسورتيوم.
أما النقطة الثانية التي ينبغي أخذها بالحسبان لتعديل المقترح الأمريكي، فهي أن يكون المرجع المكلّف بالإشراف على سلامة التخصيب، والرّقابة عليه، هي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وليس الولايات المتحدة الأمريكية.
ويبدو ذلك ضروريّاً من الناحية القانونيّة للحؤول دون الانزلاق إلى بدعة من شأنها أنْ تخلّ بمرجعيّة المنظمات الدولية التي تحمل بموجب الإجماع الدولي حقوقاً حصريّة في مراقبة المشاريع المحليّة لتخصيب اليورانيوم.
ويتعيّن على الجانب الإيراني في المقابل، أن يعمل على إقرار قانون يضمن التزامه بـ “البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”؛ إذ أعلنت إيران قبولها بهذا البروتوكول في عام 2002، لكن من دون أنْ يُمرَّر في البرلمان الإيراني.
ويتضمن هذا البروتوكول الذي يختلف نصه والتزاماته من دولة لأخرى، اعترافاً من الدّول المُوقِّعة له بأن يكون للوكالة الدولية للطاقة الذريّة حق غير محدود بإجراء جولات تفتيش مباغتة، ومن دون سابق إنذار، وحق في تركيب كاميرات مراقبة خاصة في أي نقطة.
كما ينبغي أنْ يكون المقترح مشروطاً بأن توقف إيران تماماً كل عمليّات تخصيب اليورانيوم في المراكز النووية الأخرى، سواء على مستوى أجهزة الطرد المركزي المتطورة المحظورة بموجب الاتفاق النووي، أو على مستوى التخصيب ضمن حدود أقل من 3.67 بالمائة. وأنْ تلتزم بالحصول على وقودها النووي من “المنطقة الحرة الإقليمية للطاقة النووية”.
وقد تُطالِب إيران بالحصول على بعض “الحوافز الفورية” لقبول المقترح الأمريكي المُعدّل، بحيث تسبق التطبيق العملي لهذا التوافق الذي يتطلّبُ وقتاً ليس بالقليل.
ويمكن في سياق هذه المحفّزات الحديث عن تزويد إيران بالكهرباء، عبر ربط شبكة الكهرباء الإيرانية بالشبكة الخليجية.
إذ تعاني إيران من أزمة خانقة على صعيد الطاقة الكهربائية.
كما يمكن الحديث عن تحرير الأرصدة الإيرانية المجمدة في دولة قطر.
وكانت هذه العمليّة قد بدأت بالفعل في عهد الرئيس جو بايدن قبل أنْ تتوقف بعد هجوم السابع من أكتوبر.
المصدر : مركز الإمارات للسياسات