كريتر نت – متابعات
تصدّر ملف الصحراء المغربية مجددا النقاش داخل الأوساط السياسية الإسبانية من خلال مشروع قانون مثير للجدل يخصّ منح الجنسية الإسبانية للصحراويين المولودين زمن الإدارة الاستعمارية للمنطقة.
وأثار مشروع قانون يتعلق بمنح الجنسية الإسبانية للصحراويين وللمواطنين المولودين بالصحراء المغربية إبان الاستعمار الإسباني جدلا واسعا بالأوساط السياسية والشعبية في إسبانيا، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة من شأنها أن تهدد التقارب القائم مع المغرب.
وقطع الحزب الاشتراكي الإسباني الطريق على هذا المسار، مستحضرا محددات الشرعية القانونية والسيادة الرمزية التي ما فتئت مدريد توازن بها علاقتها الدقيقة مع الرباط.
وأجهض الحزب العمالي الاشتراكي مقترحا تقدم به ائتلاف “سومار” يقضي بمنح الجنسية الإسبانية للصحراويين المولودين في الصحراء المغربية خلال فترة الإدارة الاستعمارية الإسبانية، مستثنيا بشكل واضح الوثائق التي تصدرها جبهة بوليساريو الانفصالية، باعتبارها “كيانا غير معترف به من طرف المغرب.”
وفي وقت سابق، قدم حزب “سومار” الشريك في الحكومة الإسبانية مقترحا يطالب فيه بمنح الجنسية الإسبانية “بموجب رسالة التجنيس” للصحراويين المولودين في الصحراء المغربية قبل عام 1976، أثناء حقبة الاستعمار الإسباني، ولأحفادهم.
ويقترح الحزب عدة طرق لإثبات هذه الحالة، مثل تقديم بطاقة هوية إسبانية (حتى لو كانت منتهية الصلاحية)، أو شهادة تسجيل في الإحصاء الإسباني لعام 1974، أو شهادة تسجيل في إحصاء استفتاء الصحراء المغربية الصادر عن الأمم المتحدة، أو شهادة ميلاد صادرة عن السلطات الصحراوية في مخيمات اللاجئين الصحراويين ومصدقة من قبل ممثلية جبهة بوليساريو في إسبانيا.
كما يدعو المقترح إلى اعتماد وثائق متنوعة لإثبات الأهلية، من بينها شهادات التمدرس ورخص السياقة وبطاقات الهوية الإسبانية القديمة، أو وثائق تسجيل في التعداد السكاني الأممي، إلى جانب وثائق صادرة عن بوليساريو، الشيء الذي رفضه الاشتراكيون بشكل قاطع.
ووفقا لاقتراح حزب “سومار”، يمكن تقديم طلبات الحصول على الجنسية الإسبانية خلال عامين من دخول القانون حيز التنفيذ، مع إمكانية تمديد هذه الفترة لمدة عام إضافي بقرار من وزارة العدل. كما يقترح الحزب أن يتمكن أحفاد الصحراويين الذين يحصلون على الجنسية الإسبانية بموجب هذه المبادرة من التقدم بطلب للحصول عليها أيضا خلال خمس سنوات من حصول آبائهم عليها.
من جانبه، قدم حزب الشعب المحافظ مقترحا بديلا يقوم على تعديل المادة 22 من القانون المدني الإسباني لتمكين الصحراويين من الحصول على الجنسية وفق نفس الصيغة المعتمدة لرعايا المستعمرات الإسبانية السابقة، كأميركا اللاتينية والفلبين وغينيا الاستوائية والبرتغال، في محاولة لتجاوز الجدل الدائر حول الوثائق ومصدرها.
وقالت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، إن “مقترح القانون المقدم من طرف حزب ‘سومار‘ وأطراف يسارية أخرى بشأن منح الجنسية الإسبانية للصحراويين لا يمكن فصله عن الخلفية السياسية المتوترة التي تطبع المشهد الحزبي في إسبانيا، مشيرة إلى أنه يستهدف في جوهره إحراج الحكومة الحالية، والضغط عليها للتراجع عن موقفها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي اعتبرتها مدريد منذ مارس 2022 الحل الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.”
وأوضحت لغزال، في تصريح لجريدة هسبريس المغربية، أن “الأطراف الداعمة لهذا المقترح تحاول توظيف البعد التاريخي لفترة الاستعمار الإسباني للصحراء قبل 26 فبراير 1976 لتبرير منح الجنسية لفئة محددة من الأشخاص الذين ولدوا أو عاشوا في تلك الفترة،” لافتة إلى أن “هذه المبادرة تُعد محاولة للعودة إلى الوراء قانونيا، في تجاهل تام للتحولات السياسية التي عرفها الإقليم بعد استرجاعه من طرف المملكة المغربية، واستقرار وضعه القانوني والدولي باعتباره جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني.”
واعتبرت أن “هذا النوع من المبادرات التشريعية يستخدم أداة انتخابية ظرفية، الهدف منها توسيع قاعدة المؤيدين داخل فئات معينة من المجتمع، وضرب مصداقية العلاقات المغربية – الإسبانية التي شهدت منذ 2022 ديناميكية غير مسبوقة في مجالات التعاون الأمني والاقتصادي والهجرة ومكافحة الإرهاب، وهي ملفات إستراتيجية تستدعي مزيدا من التنسيق الثنائي لا تصدير الأزمات الداخلية إلى علاقات الجوار.”
وكانت جبهة بوليساريو الانفصالية ومنتمون إليها في إسبانيا قد روجوا، بشكل واسع، لمشروع القانون المقدم من طرف “تيش سيدي”، النائبة البرلمانية من أصل صحراوي، على اعتبار أنه يهدف إلى منح الجنسية الإسبانية بحكم الأمر الواقع لجميع الصحراويين، كنوع من الاعتراف بالبصمة الإسبانية خلال الاستعمار.
وفي عام 2022، صوّت حزب العمال الاشتراكي، الذي يقود الحكومة برئاسة بيدرو سانشيز، ضد مشروع القانون، قبل أن يعيده، في فبراير 2023، ائتلاف اليسار المتطرف ردا على الاجتماع رفيع المستوى الأخير بين المغرب وإسبانيا المنعقد في 2 فبراير 2023 بالرباط.
ويقف القضاء الإسباني ضد منح الجنسية لأفراد من الصحراء المغربية في بعض القضايا، باعتبار أن الصحراء ليست أرضا إسبانية، وما جرى لا يتعدى كونه فترة استعمارية انتهت عام 1976، وقد رفضت المحاكم الإسبانية الاعتراف بكل الدعاوى التي يرفعها النشطاء الانفصاليون بداعي عدم اعتراف مدريد بالوثائق التي تسلمها ما تسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.