أمينة خيري
تغيرات كبرى وجذرية تحدث في الولايات المتحدة الأميركية. جاء الرئيس دونالد ترمب وفي جُعبته منظومة كاملة من السياسات الجديدة وحفنة شاملة من التحولات التي يصفها البعض بـ”الثورية” وينعتها البعض الآخر بـ”الكارثية”.
الـ100 يوم الأولى من حكم الرئيس ترمب ما زالت تثير موجات من الغضب، ومعها موجات متساوية من الرضا الذي لا يجد طريقه للعلن، عكس ردود الفعل الغاضبة المعلنة والمشهرة على عديد من منصات الإعلام التقليدي في داخل أميركا وخارجها، والمعروفة بتوجهاتها الليبرالية غير المؤيدة الرئيس.
ما حققه ترمب في الـ100 يوم الأولى، سواء رآها البعض مصائب أو انفراجات، يحققه آخرون في سنوات لا أيام. السلطات التنفيذية التي استخدمها الرئيس الأميركي منذ اللحظات الأولى التي وطئت فيها قدماه البيت الأبيض أدت إلى منظومة ضرائب وتعريفات جمركية غير مسبوقة، وإن لم يتحقق جميعها، خفض غير مسبوق لحالات العبور غير الشرعي وغير النظامي من الحدود الجنوبية، وإلغاء عديد من برامج التنوع والشمول في جهات عدة تعتمد على التمويل الفيدرالي، وكذلك إعادة هيكلة جماعة الصحافيين التي تغطي أنشطة البيت الأبيض، وتسريح عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين، ورفع “كفاءة” الهيئات الحكومية، وترحيل أعضاء العصابات العنيفة، ومقايضات عديدة مع جامعات “الآيفي ليغ” أو “رابطة اللبلاب” المصنفة الأعلى في العالم، حيث تشديد القيود على الاحتجاجات في مقابل استمرار التمويل الفيدرالي، والقائمة تصل إلى 100 “إنجاز وإنجاز”.
لكن الإنجاز غير المذكور، الذي أعلن بصورة غير مباشرة، لكنه صريح في الوقت ذاته، الذي من شأنه أن يغير كثيراً من وجه الحياة في أميركا، سواء لمواطنيها أو غيرهم من سكان الكوكب المتأثر بما يجري في الدولة الأقوى والأكثر تأثيراً في العالم هو “إعادة دمج الدين (تحديداً المسيحية) في الدولة”.
فصل الكنيسة عن الدولة
على رغم أن الدستور الأميركي، وتحديداً التعديل الأول، ينص على مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة، وعلى رغم التفسيرات والاجتهادات العديدة التي قدمتها المحكمة العليا على مدار عقود لوضع إطار لكيفية تعامل الحكومة مع الدين، وعلى رغم اكتساب أميركا سمعة عالمية مفادها أن الدين لا يتدخل في الدولة والدولة لا تفرض الدين، أي دين، فإن العلاقة بينهما ظلت متداخلة متشابكة.
خلو الدستور الأميركي من أية إشارات إلى الله أو المسيحية، مع احتوائه على مادة تضمن، أو كانت تضمن، عدم جواز قيام الكونغرس بتشريع قانون من شأنه أن يضفي صفة رسمية على دين بعينه، أو يمنع حرية ممارسة دين ما أيضاً، إلا أن الجدار الفاصل بين الدولة والدين، أو الدولة والكنيسة ظل مرناً إلى حد كبير بصورة سمحت بالتداخل بدرجات متفاوتة.
من جهة أخرى، المجتمع الأميركي يغلب عليه قدر من التدين بصورة عامة، أو فلنقل يفوق الدول الأوروبية في معدلات التدين. استطلاع أجرته مؤسسة “غالوب” عام 2023 أفاد بأن ثلاثة بين كل أربعة أميركيين قالوا إنهم ينتمون إلى ديانة محددة. النسبة الأكبر (68 في المئة) تقول إنها مسيحية، و13 في المئة يقولون إنهم ينتمون إلى ديانات أخرى، أبرزها اليهودية (اثنان في المئة)، والإسلام (واحد في المئة) والبوذية (واحد في المئة). ويقول 45 في المئة إن الدين “مهم للغاية” في حياتهم، بينما يقول 26 في المئة إنه “مهم إلى حد ما”، ويقول 28 في المئة إنه “ليس مهماً جداً”.
هذه النسب من “المتدينين” تعد مرتفعة مقارنة بدول غربية أخرى، لكنها منخفضة مقارنة بنسب المتدينين في الستينيات والسبعينيات. وفي استطلاع آخر أجرته مؤسسة “بيو” لاستطلاعات الرأي العام وأعلنت نتائجه في فبراير (شباط) الماضي، جاء أنه بعد سنوات من التراجع المستمر للدين والتدين، أظهرت نسبة الأميركيين الذين يقولون إنهم مسيحيون تستقر دون خفض. كما سجلت نسبة الأميركيين الذين يقولون إنهم “غير منتمين دينياً” ويطلق عليهم أيضاً “غير المتدينين”، استقراراً دون زيادة، وذلك بعد سنوات طويلة من النمو المستمر.
الوضع المجتمعي المتشابك بين قواعد دولة تبدو علمانية تماماً، وقواعد مجتمعية فيها جانب غير قليل يتمسك بالدين ولا يمانع في تداخله، سواء مباشرة أو غير مباشرة بالدولة، كما يقول كثر. عديد من رؤساء أميركا كانوا “متدينين”، من جون كينيدي في مطلع الستينيات إلى ليندون جونسون في أواخر الستينيات، ومنهما جيمي كارتر في السبعينيات ورونالد ريغان في الثمانينيات، وكذلك جورج بوش الابن في مطلع الألفية جميعهم بدا قدر، لا تدينهم الشخصي فحسب، بل تداخل الدين مع السياسة بدرجات تظل متفاوتة.
غاية القول إن اتجاه الرئيس ترمب نحو الدين، أو نحو خلط الدين بالدولة، تحديداً الكنيسة وتعاليمها بالدولة، ليس جديداً أو فريداً، فقط جديد في التعبير عنه صراحة، وفريد في طموحه.
الممازحة لا تكون بغرض الإضحاك فحسب، لا سيما حين تأتي من رأس دولة. قد تأتي محملة بالرسائل، وقد يجري إطلاقها أيضاً، وهي تعكس قدراً مما يجول في عقل وقلب صاحبها. قبل أيام، أثارت إجابة ترمب عن سؤال من صحافي إن كان هناك شخص معين يفضله لخلافة البابا فرنسيس ليترأس الكنيسة الكاثوليكية، فأجاب ضاحكاً، “أود أن أصبح أنا البابا. سيكون ذلك خياري الأول”. لم تقف “المُزحة” عند هذا الحد، بل لحقها الرئيس بصورة له على حسابه الرسمي على “”تروث سوشيال” مرتدياً ملابس البابا التقليدية، من دون تعليق، ومن دون الحاجة إلى تعليق!
وسواء نشر الرئيس هذه الصورة وهو يعلم علم اليقين أنها ستثير قدراً واسعاً من الجدل والإثارة، وقد فعلت بالطبع، أو لغرض آخر، فقد تلقفت وسائل إعلام أميركية الصورة والإجابة السابقة، ومضت تبحث عن إمكان أن يصحب ترمب بابا الفاتيكان.
في أثناء حملة ترمب الانتخابية العاصفة، وبعد تعرضه لمحاولتي استهداف فاشلتين، قال غير مرة إن “علاقته بالدين تغيرت”. وسواء كان هذا التغير نتيجة صحوة روحية عادة تعقب التجارب الصعبة أو القاسية، أو جزء من تغيير دفة أميركا نحو مرحلة يلعب فيه الدين دوراً أكثر ظهوراً وتداخلاً مع الدولة، فقد اتخذ إجراءات رسمية على مستوى أميركا بهدف “حماية المسيحيين” مما وصفه الرئيس بأنه “تمييز ديني” ضدهم!
مواجهة قمع الأنشطة الدينية
في فبراير (شباط) الماضي وقَّع ترمب أمراً تنفيذياً للقضاء على هذا التحيز في الحكومة الفيدرالية، وذلك عبر مراجعة السياسات والممارسات التي “تحاول قمع الأنشطة الدينية”، كما كلف المدعية العامة بام بوندي لتقود فريق العمل في وزارة العدل للقضاء على “التحيز المناهض للمسيحية داخل الحكومة الفيدرالية”، مشيراً إلى أن هذا الفريق مهمته “ملاحقة العنف والتخريب المناهض للمسيحية في مجتمعنا بصورة كاملة، وسيفعل كل ما في وسعه للدفاع عن حقوق المسيحيين والمؤمنين في جميع أنحاء البلاد”. وأضاف معلقاً على القرار، “لم يكن لديكم ذلك من قبل، لكنني أوقع على وثيقة قوية للغاية. للمرة الأولى تحصلون عليها الآن. إذا لم يكن لدينا حرية دينية، فلن يكون لدينا بلد حر”.
وقتها، تحدث الرئيس عن “نمط فظيع ساد من قبل من استهداف المسيحيين المسالمين، مع تجاهل الجرائم العنيفة المناهضة للمسيحية في عهد بايدن”، معتبراً الإدانات التي جرى توجيهها إلى المتظاهرين “المسيحيين” المناهضين للإجهاض، الذين جرى منعهم في عهد بادين من الوصول إلى عيادات الإجهاض دليلاً ومثالاً على ذلك الاستهداف.
وقبل أيام، وفي “اليوم الوطني للصلاة”، وقَّع ترمب أمراً تنفيذياً بتشكيل لجنة رئاسية تعنى بالحرية الدينية. وقال أثناء الاحتفال الذي أقيم في “حديقة الورد” في البيت الأبيض، “يقولون إن هناك فصلاً بين الكنيسة والدولة، وأنا أقول: حسناً، دعونا ننس ذلك لمرة واحدة فقط”. وتساءل إن كان هذا المبدأ (فصل الدين والدولة) أمراً جيداً أم لا؟! ثم تابع مجيباً، “لست متأكداً، لكن سواء وُجد فصل أم لا، أنتم الآن في البيت الأبيض، حيث يجب أن تكونوا، وتمثلون بلدنا، ونحن نعيد الدين إلى بلادنا، وهذا أمر كبير”. وقال الرئيس للحضور إنه “يعتقد أن الله استجاب لصلوات أخرى لأنه وضع إدارة (يقصد إدارته) ستجعلك فخوراً مجدداً، وستجعلك تؤمن وتؤمن أكثر من أي وقت مضى”.
يشار إلى أن الكونغرس الأميركي أصدر عام 1988 مرسوماً حدد أول يوم خميس من مايو (أيار) من كل عام يوماً وطنياً للصلاة، يمكن للأميركيين خلاله اللجوء إلى الله من أجل الصلاة والتأمل في الكنائس ضمن مجموعات وكأفراد. وفي عام 2018، وأثناء الفترة الرئاسية الأولى للرئيس ترمب، أعلن الثالث من مايو (أيار) من كل عام يوماً وطنياً للصلاة. وقال إنه يشجع كل الأميركيين على الاحتفال بهذا اليوم، والتأمل في البركات التي تنعم بها أميركا، والتفكير في أهمية الصلاة.
وعلى طريق تأصيل الدين في الدولة، وجعله مكوناً رئيساً في البيت الأبيض والإدارة الأميركية، أنشأ ترمب “مكتب الإيمان”، وذلك في الجناح الغربي للبيت الأبيض. وتكررت دعوته للقساوسة للصلاة في المكتب البيضاوي وفي الاجتماعات الحكومية، وذلك في رسالة أقل ما يمكن أن توصف به هو “الوضوح” لدور الدين، أو بالأحرى المسيحية، في الدولة للفترة الرئاسية المقبلة.
يذكر أنه في الاحتفال باليوم الوطني للصلاة في البيت الأبيض، قالت كبيرة مستشاري الرئيس والمشرفة على “مكتب الإيمان” بولا وايت، إن “الصلاة ليست عملاً دينياً، بل ضرورة وطنية”. وقد لعبت وايت دوراً بارزاً في الاستشارات الروحية لترمب على مدار سنوات.
وبولا وايت هي أول قسيسة تصلي في حفل تنصيب رئاسي، إذ اختارها ترمب لتلقي كلمة إيمانية أثناء أدائه اليمين الدستورية في ولايته الأولى.
ويشير تقرير نشره موقع “بي بي سي” العربية في فبراير (شباط) الماضي إلى أن وايت تؤمن بأنها “أينما ذهبت، يحكم الله”. وتقول، “عندما أسير على أرض البيت الأبيض، يمشي الله على أرض البيت الأبيض”. وتروج لأفكار بعينها، منها ما يعرف بـ”إنجيل الرخاء أو إنجيل الوفرة”. وتقوم الفكرة على أن “الله يبارك المؤمنين بالثروة المادية”. وكانت تشجع المصلين على التبرع لجمعيتها “المجلس الاستشاري الوطني للإيمان”. واقترحت أن يتبرع المتابعون براتب الشهر الأول، “لكي ينالوا ثروة في الحياة الأبدية”.
وتشير بيانات البيت الأبيض إلى أن وايت لها “تاريخ طويل في الخدمة والقتال من أجل الحرية الدينية والحقوق الإنسانية، والدفاع عمن لا صوت لهم”، وأنها “مؤلفة مشهورة لأكثر الكتب مبيعاً في (نيويورك تايمز) ومعلمة وزوجة محبوبة وأم وجدة ومرشدة وشخصية تلفزيونية شهيرة وواعظة بقيادة الروح لكلمة الله”.
“دكتور فيل” حاضر
وتأكيداً على الاتجاه ذاته شهدت فعالية “اليوم الوطني للصلاة” في حديقة الورد في البيت الأبيض قبل أيام حضوراً لافتاً استغربه البعض لـ”دكتور فيل”. فيليب كالفن ماكغرو، المعروف باسم “الدكتور فيل”، شخصية تلفزيونية أميركية مشهورة، ويحمل درجة الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي. قدم “دكتور فيل” برامج تلفزيونية على مدار عقود، وصفت بأنها “المنصة الأكثر شمولاً لمناقشة قضايا الصحة العقلية والنفسية بجرأة في تاريخ أميركا”.
وعلى رغم أن البرامج ومؤلفات “دكتور فيل” لا يمكن وصفها بـ”الدينية”، فإنه دأب في السنوات القليلة الماضية على الحديث عن أخطار ابتعاد الأميركيين عن الدين، والعمل على “شفاء الأشخاص الذين ينحرفون بعيداً من رؤية الله”، وأهمية دور الكنيسة في المجتمع، وأن الكنيسة تضفي على الأسرة سمات تؤيد وتعزز تماسكها، وتشجع على التفكير في القيم والتأمل والصلاة. في حديث لـ”دكتور فيل” مع أحد القساوسة العام الماضي تحدث عن أهمية دور الكنيسة في المجتمع. وقال إنه يعتقد أن الله يريده أن يتحدث ضد “غوغاء اليقظة” أو Woke mob الذين يحاولون إعادة كتابة الحقيقة من وجهة نظرهم.
يشار إلى أن “ووك” مشتقة من فعل “وايك”، أي البقاء متيقظاً، والتي تستخدم في اللهجة الأفريقية الأميركية بدلاً من “أوايك”. وجرى استخدامها في الأصل على سبيل التوعية والاهتمام بقضايا العدالة الاجتماعية والعرقية، لا سيما بين الأميركيين الأفارقة السود، ثم توسع مفهومها ليشمل أصحاب الموقف التقدمية واليسارية وغيرها مثل قضايا مجتمع الميم. وتحول استخدام العبارة “ووك موب” ليستخدمه منتقدو هذه المواقف اليسارية والتقديمة، إضافة إلى رفض السياسات القائمة على أساس التنوع والشمول والصوابية السياسية وغيرها من السياسات التي يراها المنتقدون تضر بغير الأقليات.
حضور “دكتور فيل” بهذه التركيبة فعالية اليوم الوطني للصلاة تكلل في كلمة ألقاها وقال فيها، “بارك الله في أميركا التي منحتنا دونالد ترمب”، ثم كتب بعد ذلك أنه جلس مع الرئيس بعيداً من الكاميرات، وأنه على يقين بأنه (الرئيس) رجل ذو إيمان عميق، وقناعة راسخة، وأنه يريد لبلاده أن يكون لها قلب ودين.
يشار إلى أن الرئيس ترمب أعلن انضمام “دكتور فيل” للجنة الحرية الدينية.
انتقاد وترحيب
بعيداً من أن الأصوات المنتقدة لهذه الخطوات والإجراءات ترى فيها دعماً، لا للحريات الدينية، لكن للهيمنة الدينية، تحديداً المسيحية، وأن هذا من شأنه أن يرسخ أفكاراً وخطوات ربما تبرر التحيز للمسيحية، والتمييز ضد الآخرين، وتقويض الحقوق المدنية وتقليص الحريات المتعلقة بالتعبير وحقوق الأقليات والحريات الأكاديمية وغيرها، القاعدة الانتخابية للرئيس ترمب اختارت ما يجري حالياً.
بحسب صحيفة “كريستيان كرونيكل” الأميركية، لعب المسيحيون الدور الرئيس في فوز الرئيس ترمب في انتخابات 2024، إذ صوَّتوا لهم بغالبية أكبر مقارنة بعام 2020. وبحسب استطلاعات رأي أجريت بعد الانتخابات، اختار 63 في المئة من الناخبين البروتستانت أو المسيحيين الآخرين ترمب عام 2024، مقارنة بـ60 في المئة عام 2020. كما صوَّتت نسبة أكبر من المسيحيين البيض لمصلحة ترمب، 72 في المئة من الناخبين البيض البروتستانت وغيرهم من المسيحيين، و82 في المئة من المسيحيين البيض الذين اعتنقوا المسيحية أو ممن يطلق عليهم “المولودون مجدداً”، أي أعادوا اكتشاف أنفسهم كمسيحيين، أو الإنغيليين. كما أتت قضايا الاقتصاد والحدود ومنع تسلل المهاجرين ومواجهة الإجهاض والتحول الجنسي على رأس قوائم الأهمية لمؤيدي ترمب، وهو ما يقوم به حالياً.
قرارات تحول أميركا الدولة تجاه الدين أو الكنيسة ليست منزوعة الرفض أو الانتقاد. الرفض موجود بين البعض، ويجري التعبير عنه، وإن بدرجة أعلى من الحرص والقلق، في الجامعات. والانتقاد سائد في مؤسسات إعلامية، هي نفسها ما يصر ترمب على وصفها بـ”الإعلام الكاذب والمفبرك”. ليس هذا فحسب، بل إن أصوات معارضة تأتي بين الحين والآخر من داخل مؤسسات دينية.
في تقرير نشرته “أكسيوس” (موقع إخباري أميركي) عنوانه “ترمب يوقع أمراً بإنشاء لجنة معنية بالحرية الدينية” (مايو 2025)، أشار إلى ما جاء في بيان صادر عن رئيس الأساقفة الكاثوليك الأميركيين تيموثي ب. بروغليو مطلع العام الحالي، من أن سياسات ترمب المتعلقة بالهجرة والمساعدات الخارجية والبيئة وغيرها “مقلقة للغاية”، كما انتقد البابا الراحل فرنسيس إجراءات الترحيل الجماعي للمهاجرين ووصفها بـ”العار”، لكن لم يذكر شيئاً عن رفض التوجه الجديد للدولة صوب الدين.
عدد من رجال الدين، لا سيما الذين يعملون في مجالات اجتماعية وخيرية وإنسانية، وقَّعوا رسالة قبل أسابيع أعربوا فيها عن قلقهم جراء الخطوات التي يتخذها ترمب لـ”القضاء على التحيز ضد المسيحيين”، محذرين من أن “ذلك قد يستخدم كسلاح لتفضيل كنيسة بعينها داخل المسيحية على غيرها”. وجاء في الرسالة، “ندرك أيضاً كيف يتم إظهار ادعاءات التحيز المعادي للمسيحية لتوفير غطاء للتفوق الأبيض”.
المؤكد أن أميركا الدولة تتجه نحو دمج الدين في السياسة. عديد من وسائل الإعلام تصعد من حدة الانتقاد والتساؤل، هل ديمقراطيتنا في حاجة إلى مزيد من الدين؟ أميركا تبحث عن الله. حقاً؟! لماذا نمول التعليم الديني؟ هل المحكمة العليا بصدد إفساح المجال للدين ليفسد التعليم؟ ولماذا يصر الرئيس على إعادة الزج بالكنيسة في الدولة؟
في المقابل آخرون يعدون ما يجري أفضل ما حدث في أميركا في العصر الحديث، ويجددون ثقتهم في الرئيس، ويؤكدون أن “هذا ما انتخبنا الرئيس لأجله”.
المثير أن استطلاعات الرأي تشير إلى النقيضين: أميركا تبتعد عن الدين، وأميركا تقترب من الدين. وكلاهما معضد بالأرقام ومزود بالبراهين. ويبقى البرهان الوحيد الملموس هو ما يجري في البيت الأبيض من خطوات لإعلان أميركا أكثر تديناً.
المصدر : اندبندنت