سامح فايز
صحفي مصري
ارتباط واضح بالصوفية ظهر بين الشباب في المنطقة العربية، زادت ملامحه عقب أحداث الربيع العربي، كانون الثاني (يناير) 2011، وطفت على السطح أسماء مثل، ابن عربي، والرومي، وابن الفارض، وانتشرت أشعارهم بين الشباب بشكل لافت، وأضحى غناء تلك الأشعار وتداولها بين الشباب طقسًا ثابتًا، لكنّ المؤكد أنّه في غمرة الاهتمام بالفكر الصوفي وأقطابه تناسى الشباب أنّ هناك العديد من شعراء الصوفية المجهولين لديهم، غير أنّهم في المرتبة نفسها مع ابن عربي والرومي من حيث قوة دعوتهم وانتشارها، وقد جمع الكاتب والروائي يوسف زيدان بعض تلك الأسماء في كتابه: (شعراء الصوفية المجهولون)، ونستعرض بعض أسمائهم في هذا التقرير.
1 ـ سمنون المحب
هو أبو الحسن سمنون بن حمزة الخواص، كان معاصروه يلقبونه (سمنون المحب)، عاش سمنون ببغداد، وكانت عامرة آنذاك برجال التصوف من أمثال الحلاج والشبلي والجنيد والسري السقطي وأبي أحمد القلانسي. وقد صحب سمنون كلًا من السقطي والقلانسي ومحمد بن علي القصاب، وكانوا جميعًا من جلة مشايخ بغداد وأكابر صوفيتها.
يروي المؤرخون العديد من وقائع زهد سمنون وتبتله وإقامته فرائض الدين ونوافله، وأيضًا كراماته.
وعن تعبداته يروي السلمي والقشيري وأبو نعيم أنّ سمنون المحب كان يجلس مع أبي أحمد القلانسي، وإذا بأحد الأغنياء يوزع على الفقراء (40) ألف درهم.
فقال سمنون للقلانسي: “هذا الرجل أنفق، ونحن لا نملك ما ننفقه تقرّبًا إلى الله، فامضِ بنا إلى موضع نصلى فيه لكل درهم أنفقه الرجل ركعة…”، فذهبا إلى المدائن وصلّيا (40) ألف ركعة!
2 ـ أبو علي الروذباري
هو أبو علي أحمد بن محمد بن القاسم بن منصور بن شهريار بن مهرذادار بن فرغد بن كسرى…، من سلالة أمراء فارس وملوكهم، لكنّه ترك الإمارة وسار في طريق الزهد والتصوف.
نزل أبو علي من بلدته الفارسية إلى بغداد، وهناك تلقى علوم الفقه واللغة والأدب، وتخصص في علم الحديث النبوي، ثم دخل الشيخ غمار التصوف، فتلقى تربية روحية على يد أبي القاسم الجنيد (شيخ الطائفة)، وصحبه مدة تعرّف خلالها على دقائق المفاهيم الصوفية، وقد أشار الروذباري إلى أساتذته في المرحلة البغدادية من حياته، فقال: أستاذي في التصوف الجنيد، وفي الفقه ابن سريج، وفي الأدب ثعلب، وفي الحديث النبوي إبراهيم الحربي.
كان الروذباري من أوائل الصوفية الذين وضعوا تعريفاً للمصطلحات الصوفية، على نحو ما سنراه بعده بزمن طويل عند ابن عربي والقاشاني وغيرهما، ممّن خصصوا مؤلفات مستقلة في شرح المصطلح الصوفي.
وتوفي الروذباري بمصر، بعد أن نال مكانة صوفية بارزة، وتقديراً عميقاً من معاصريه وتلاميذه.
3 ـ شهاب الدين السهروردي
ولد أبو الفتوح يحيى بن حبش، الملقب بشهاب الدين السهروردي، ببلدة فارسية بأرض الجبال قرب سهرورد، ارتحل السهروردي من بلدته إلى (مراغة) ليتعلم الحكمة وأصول الفقه من الشيخ مجد الدين الجيلي، ثم رحل مرة أخرى إلى (أصفهان) ليدرس المنطق على يد ظهير الدين الفارسي، ثم رحل إلى (ماردين) ليأخذ علوم اللغة والفلسفة من فخر الدين المارديني.
يقول المؤرخون: “في سنة 975 هجرية قدم شهاب الدين السهروردي إلى حلب، ونزل في مدرسة الحلاوية”.
صارت للسهروردي منزلة عظيمة عند الملك. لكنّ الفقهاء اغتاظوا من هذا الوافد الجديد، وحسدوا تلك المنزلة التي احتلها، ثم ازداد الغيظ والحسد مع كل مرة يظهر فيها عجزهم العلمي والفقهي في جلسات الجدل والمناظرة التي دارت في البلاط، فأشاعوا الكفر عنه، وسيّروا المحاضر إلى الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، وقالوا إن بقي هذا الرجل، فإنّه سيفسد اعتقاد الملك الظاهر، فبعث صلاح الدين إلى ولده الملك الظاهر بحلب كتاباً في حقه بخط القاضي الفاضل، يقول فيه: “إنّ هذا الشهاب السهروردي لا بدّ من قتله، ولا سبيل أن يطلق، ولا يبقى بوجه من الوجوه”.
4 ـ أبو مدين الغوث
هو شعيب بن الحسين الأندلسي، الشهير بأبي مدين الغوث… شيخ الشيخ الأكبر، محيي الدين بن عربي. ولد في قرية من قرى أشبيلية، اسمها “قطنيانة”، في أسرة فقيرة، ونشأ يتيماً يشتغل برعي الأغنام.
وحين تاقت نفسه للخروج في طلب العلم، لم يسمح له إخوته، فدبر أن يهرب بنفسه. يقول المؤرخون: إنّه فرّ في ليلة، فلحقه أخ له عند الفجر، وأمره بالعودة فرفض، فعزّ على الأخ الكبير ذلك، وهدده، فلم يمتثل، فاغتاظ أخوه واستلّ سيفاً وضربه، فتلقى أبو مدين الصبي الضربة على عصا كانت معه، فإذا بالسيف تكسره العصا، وإذا بالأخ المعترض يفسح الطريق قائلًا: أخي، اذهب حيث شئت.
ذهب أبو مدين يطلب العلم، فزار طنجة وسبتة، ثم استقر بعاصمة العلم والولاية في بلاد المغرب، فاس، ولزم أبو مدين جامع فاس، والتقى هناك بشيخه أبي الحسن بن حرزهم الصوفي، فدرس عليه الفقه وعرف أصول الطريق، كما تلقى دقائق الطريق من الشيخ أبي يعزي الذي كان يقيم بجبل “إيروجان”.
بعد أن ذاع صيت أبو مدين سخط عليه بعض الفقهاء، فوشوا به، ودسوا عليه عند سلطان الموحدين “يعقوب المنصور”، وقالوا له، بحسب رواية المؤرخين: إنا نخاف منه على دولتكم، فإنّ له شبهًا بالإمام المهدي، وله أتباع كثيرون في كل بلد.
5 ـ رشيد الدين بن خليفة
لا يوجد له ذكر في المراجع والمصادر الخاصة بتاريخ التصوف، وإنّما نجده في مصادر تاريخ العلوم العربية، والسرّ في ذلك أنّ شهرته في الكحالة (طب العيون) غطت على كونه صوفياً وشاعراً.
في الوقت الذي عاش فيه رشيد الدين، كانت مصر والشام دولة واحدة يحكمها الأيوبيون. وفي ظل هذه الدولة عاش خليفة بن يونس بن أبي القاسم الخزرجي، وأنجب ولديه (القاسم وعلي)، وصارا من أطباء العيون، وخدما بالطب في بلاط السلاطين الأيوبيين، وكان (القاسم) مقتصراً على الطب، أمّا (علي) الملقب برشيد الدين، فقد جمع بين عدة علوم.
في الوقت الذي عاش فيه رشيد الدين، كانت مصر والشام دولة واحدة يحكمها الأيوبيون
في الوقت الذي عاش فيه رشيد الدين، كانت مصر والشام دولة واحدة يحكمها الأيوبيون
بدأ رشيد الدين الاشتغال بالعلم على يد العلامة أبي التقي العرشي، فحفظ القرآن وأتقن علم الحساب. ثم تعلم الطب على يد رئيس الأطباء جمال الدين بن أبي الحوافر. وتلقى الفلسفة وعلوم اللغة من موفق الدين عبد اللطيف البغدادي، وتعلم الفلك من ابن الجعدي، والموسيقى من ابن الديجور وصفي الدين التبان.
عاش رشيد الدين بن خليفة بعقل طبيب وقلب متصوف، ولم تنته حياته إلا وقد لبس (خرقة الصوفية)، وهي علامة الدخول التام في الطريق الصوفي
6 – نجم الدين كبرى
هو الإمام أحمد بن عمر بن محمد الخوارزمي الخيوقي، المعروف بنجم الدين أبي الجناب الكبرى. قال المؤرخون: الخيوقي نسبة إلى (خيوق) إحدى قرى خوارزم، والكبرى نسبة إلى (الطامة الكبرى)، حيث كان في صغره يسبق أقرانه في فهم غوامض المشكلات، وكانت له الغلبة دائماً في المناظرات، فلقبوه بالطامة الكبرى. ثم كثر الاستعمال، فحذفوا كلمة (طامة) وبقيت (كبرى) تشير إليه.
بدأ نجم الدين حياته بدراسة علوم الدين، خاصة علم الحيدث، وخرج من بلدته خيوق لطلب العلم، فسافر إلى همذان ومنها إلى مصر، وفي الإسكندرية أتمّ دراسته لعلم الحديث النبوي، واستقر المقام بنجم الدين بخوارزم، وأقام بها رباطاً صوفياً، اجتمع فيه المريدون. يقول الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ما نصه: وصار نجم الدين شيخ تلك الناحية، وكان صاحب حديث وسُنّة، ملجأ للغرباء، عظيم الجاه، لا يعرف في الله لومة لائم.
7 ـ أبو الحسن الششتري
ولد الشيخ علي بن عبد الله النميري اللوشي، المعروف بأبي الحسن الششتري، بقرية (لوشة) الأندلسية، وحفظ القرآن في صغره، ثم درس الفقه، ولمّا أراد التعمق في الدين ومعرفة التصوف، أخذ طريقة أبي مدين التلمساني، ثم حدث الانقلاب الكبير في حياته الروحية حين التقى بابن سبعين (محمد بن عبد الحق بن سبعين الأندلسي)، حيث التفت ابن سبعين للششتري قائلًا: “إن كنت تريد الجنة، فاذهب إلى أبي مدين، وإن كنت تريد ربّ الجنة، فهلمّ إليّ!”.
لازم الششتري شيخه ابن سبعين ملازمة تامة، وأخذ عنه علوم التحقيق الذوقي، وحقائق تجلي الذات الإلهية في كل ذرة من ذرات الكون. وكان الششتري شديد الحب لشيخه، حتى إنّه كان يُسمّي نفسه (عبد ابن سبعين).
وجاء الششتري إلى مصر، واعتكف زمنًا بالجامع الأزهر، وتعرّف إلى الشاذلية فأعجب بها وأعجبوا به، ثم خرج إلى مكة، ومنها إلى بلاد الشام حيث اشترك في الحرب ضد الصليبيين، واعتكف فترة بدمشق، والتقى هناك بالشاعر الصوفي نجم الدين بن إسرائيل.
وانتهت حياة الششتري بأرض مصر، فقد عاد إليها من سياحاته، وبينما هو في الطريق اشتدت عليه العلة بالقرب من دمياط، ودفن فيها.
8 ـ نجم الدين بن إسرائيل
هو الشيخ محمد بن سوار بن إسرائيل الخضر بن الحسن بن علي بن الحسين، الشيباني، الشاعر المعروف بنجم الدين بن إسرائيل. ولد بدمشق سنة 306 هجرية، ومات فيها بعد حياة دامت أربعة وسبعين عامًا، وعاصر العديد من رجال التصوف ومشايخه الكبار. ودخل ابن إسرائيل عالم التصوف، وأخذ قواعد الطريق من يد الشيخ علي الحرير، ثم لبس (خرقة الصوفية) على يد الشيخ شهاب الدين السهروردي صاحب كتاب (عوارف المعارف)، وسمع منه الحديث النبوي، وجلس في الخلوة تحت إشرافه ثلاث مرات، ثم مضى يسير في الأرض على صورة الزهاد الدراويش الذين ألقوا الدنيا وراء ظهورهم، ومضوا إلى الله على قدم الفقر إليه تعالى.
9 ـ شهاب الدين بن الخيمي
يصف المؤرخون ابن الخيمي بأنّه (حامل لواء النظم في وقته)، وهو وصف يرفعه في ميدان الشعر على سائر معاصريه، وهو يبدو دومًا في صورة الابن الروحي للشاعر الصوفي الأشهر: عمر بن الفارض.
وقد أشار سبط ابن الفارض في ديباجة ديوانه إلى أنّ ابن الفارض كان يعامل ابن الخيمي معاملة الوالد لولده.
لم يقف الخيمي عند حدود التصوف والشعر، بل كان أيضًا من كبار المشتغلين بعلم الحديث النبوي، كما كان من كبار موظفي الدولة، فهو يخدم في الديوان السلطاني، ويباشر الأوقاف الخاصة بمدرسة الشافعي ومسجد الحسين بالقاهرة.
وهو أخيرًا متكلم في أمور الدين، معروف بالأجوبة المسكتة، وبعدم الغضب والانفعال في الحوار.
10 ـ ابن أسعد اليافعي
هو شيخ متصوفة القرن الثامن الهجري: عبد الله أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح، ولد ببلاد اليمن في غضون 896 هجرية، وتوفي بمكة وله من العمر قرابة السبعين عامًا، بعد حياة حافلة بالعلم والمجاهدة الروحية.
كان والده قد توسم فيه الفلاح من الصغر، فبعث به إلى (عدن) ليتلقى العلوم الدينية، لكنّ حب الخلوة والسياحة في الجبال غلبا عليه، خاصة بعد لقائه بالشيخ علي الطوشي الذي لقنه مبادئ التصوف وأصوله.
غلبت على اليافعي النزعة التأريخية لحياة كبار المتصوفة، وشرح معاني التصوف شرحًا مفصلًا، والدفاع عن المفاهيم التي وضعها أهل الطريق الصوفي.
كان اليافعي شديد الإعجاب بالصوفية الذين ثارت حولهم الأقاويل، كأبي الغيث بن جميل ومحيي الدين بن عربي، وكان يقلل من قدر ابن تيمية، ولهذا انقسم الناس في أمر اليافعي إلى فريقين: فريق يعظّمه ويعلي من قدره، وفريق يحط من شأنه ويحمل عليه حملة شعواء.
المصدر : حفريات