حافظ مُراد
في ظَهيرةٍ هادئة، بينما كنتُ غارقاً في نومٍ عميق بجوار دفاتري وأوراقي المبعثرة، رنّ الهاتف، كان الصوت على الطرف الآخر مألوفاً وعزيزاً، أعادني إلى أيّامٍ جميلة… صوت الزميل أحمد عامر.
تمتمت بدهشة:
– السلام عليكم ورحمة الله يا حافظ، كيف حالك يا رجل؟ من زمان ما سمعنا صوتك، لا زيارة ولا اتصال! وينك مختفي؟
صوته الدافئ، رغم العتاب، حمل شيئاً من الحنين.
أخذتُ نفساً عميقاً وقلتُ له بنبرةٍ يملؤها الأسى:
– أنا… أنا مسحور يا أحمد.
ساد صمت ثقيل للحظات، ثم قال بنبرةٍ مستغربة:
– أعوذ بالله! أيش من سحر؟ بالله عليك، أنت تتكلم جد؟ أنت حافظ اللي أعرفه ولا شخص ثاني؟ صلّ على النبي يا رجل!
قلت له بجدية غريبة:
– معك حافظ، نعم، لكن لم أعد كما كنت… لقد بعث إليَّ أحدهم سحراً جعلني حبيس الجدران، أعاني من حبٍّ قاتل، سحرٌ تسلل إلى قلبي وعقلي، وأخذني من العالم كله.
صمت لثوانٍ، ثم قال بصوتٍ أكثر توتراً:
– يا ساتر! استغفر الله، طيب تعال نتفاهم وجهاً لوجه، اذكر الله، وإن شاء الله كله خير.
– لا أستطيع، أنا مقيَّد بلا قيد، محبوس بلا سجن…
– والله إنك خوّفتني! طيب خلاص، أنا باجي لعندك في الحال.
مرّت دقائق قليلة، وإذا بأحمد يطرق الباب بعصبية وقلق.
فتحتُ له، فدخل بخطوات حذرة، وعيناه تجولان في أرجاء الغرفة كأنه يبحث عن أثرٍ لسحرٍ أو ساحر.
يُعيد النظر حوله كما لو كان يتوقع أن يخرج له شيطان من تحت الطاولة.
– وين السحر؟ من اللي عمل لك كذا؟ من الساحر؟
سحبته بهدوء، وأشرت إلى الزاوية المبعثرة: ركام الكتب، والأوراق، والأقلام الملقاة بعشوائية منظمة.
– هذا هو السحر، يا أحمد…
ورفعتُ بيدي مجموعة كتب أديبنا محمد مصطفى العمراني.
نظر إليَّ باستغراب، ثم بتدرج… فَهِم.
قلت له مبتسمًا:
– ومنذ أن قرأتُها، وأنا أغوص في عوالم أخرى، أعيش بين سطورها، أكتب، وأمزق، وأعيد.
انفتحت أمامي بوابة العالم السحري للقصّة، الليل يمرّ كلمح البصر، والنهار يمضي وأنا أُسابق ظلّي.
لقد وقعتُ في حب لا يُقاوم…
أنا الساحر، وأنا المسحور، وهذه تجربتي.
انفجر أحمد ضاحكاً، وهو يهزّ رأسه:
– الله يقلع إبليسك! خوّفتني والله! حسبتك طحت ضحية دجّال!
– بل وقعتُ في حب القصّة يا صديقي، ولا خلاص منه.
جلس بجانبي، قلّب الأوراق، تأمل العناوين، ثم قال:
– بس عاد، خفّ علينا شوي! وخلي وقت للأصدقاء، ووقت للأهل، ووقت للعمل!
أجبته مبتسماً:
– أحاول، لكن السحر قوي، وأقوى مما تتخيل، ومفعوله ما زال سارياً.
ربت على كتفي وقال:
– الفكرة ممتازة، وأنت فعلاً مبدع، وعندك القدرة تنجح في أي مجال تتجه إليه.
– شكراً يا صديقي، لكن لا تبدأ تقولي “عندي لك أفكار” وتطلب أجي ننفذها… نفّذها أنت.
ضحك وقال:
– الله يفتح عليك، افتقدتك وافتقدت أفكارك الحلوة.
وما هي إلا لحظات، حتى أخذ الأوراق وخرج يركض لينفذ إحدى الأفكار…
لكنه لم يتركني، صار يرسل لي استفسارات كل لحظة:
– حافظ، كيف …؟
– حافظ، هذا الأسلوب …؟
– حافظ، عطّلتني …!
ضحكتُ وأنا أتمتم:
– السِّحرُ ينتقل…