عبدالمنعم سعيد
مقال الأسبوع الماضى كان عنوانه «إسرائيل والوصايا العشر».. المقال فى الذهن كان كيف أن الأديان السماوية وغير السماوية السابقة عليها جميعها وضعت الكثير من الوصايا التى تبث الأخلاق فى الإنسان والسلوكيات فى الأمم؟.
هذه الوصايا رغم مرجعيتها الدينية كانت الأساس الذى قام عليه القانون الدولى وما بات معروفًا بالقانون الدولى الإنسانى. وبينما كانت مصر تحافظ على المعابد اليهودية وتحفظ التراث اليهودى فى مصر، وتستعد الآن للاحتفاء بالملتقى الأعظم على جبل سيناء بين الله، عز وجل، ونبيه وكليمه موسى، عليه السلام، فإن إسرائيل كانت تخالف كل «الوصايا العشر» وما أبدعته السماحة البشرية من قواعد الحفاظ على الإنسان من خلال التدمير والقتل الجماعى الذى تقوم به فى غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وسوريا. الغريب أن ذلك يحدث بينما يزيد تأثير اليمين «الدينى» فى إسرائيل، معتبرًا كل ما حدث جزءًا من الحفاظ على النقاء اليهودى وتصديقًا لما أتى فى التوراة الذى هو جزء هام من التراث الدينى للديانات السماوية جمعاء.
هذه النوعية من الضلال الدينى عرفناها فى مصر تحت مظلة الإخوان المسلمين وتابعيهم من التنظيمات الإرهابية الذين ضللوا النص وتطرفوا فى تفسيره، وبات شريعة لقتل النفس التى حرم الله قتلها، كما جاء فى الوصية الأولى «لا تقتل».
«الوصايا العشر» ليست مغلقة على الوصايا التى جاءت فى الأديان السماوية وغير السماوية، ولكنها مفتوحة للوصايا الأخلاقية والعملية التى فيها صلاح الإنسان والأوطان والأمم. ومن هنا أضاف المقال ستًا من الوصايا الموجهة لإسرائيل، أولاها ضرورة التخلص من المتطرفين الدينيين من نوعية «جافير» و«سموتريتش» المتمترسين وراء العباءة الدينية؛ وثانيتها أن تأخذ درسًا من السلوكيات الأمريكية هذه الأيام، والتى أوقفت المساعدات إلى أوكرانيا، والتى ثبت أنها لم تكن مرضية لروسيا التى لاتزال تؤجل وقف إطلاق النار حتى ولو لهدنة قدرها 30 يومًا؛ وثالثتها أن توازن القوى فى لحظة ما لا يعنى استمراره على حاله حتى ولو جرت انتصارات كبيرة على ميليشيات المنطقة، فإن إسرائيل تخرج من الحرب مجروحة بفشل ردعها وبتكلفة اقتصادية كبيرة وخسارات بشرية بالهجرة والنزوح وتدهور السمعة الدولية
ورابعتها أن علاقات الولايات المتحدة بالأطراف تتغير، وظهر ذلك عندما رفض ترامب رفع قيمة الجمارك على البضائع الإسرائيلية وقدرها 17٪، وما قاله علنًا أن واشنطن تدفع سنويًا أربعة مليارات من الدولارات لإسرائيل؛ وما لم يقله أن الولايات المتحدة حققت عجزًا فى ميزانها التجارى مع إسرائيل قدره قرابة 8 مليارات دولار، حيث تصدر لها 14.8 مليار وتستورد منها 22.2 مليار، وآن لهذا العجز المتزايد أن ينتهى. باختصار فإن «استدعاء» نتنياهو إلى واشنطن لكى يستمع إلى ذلك أمام الصحفيين؛ وقيام ترامب بالحديث مع قادة مصر وفرنسا والأردن المجتمعين بالقاهرة للبحث عن طريق لوقف إطلاق النار يعكس أن الميزان لا يبقى على حاله، خاصة إذا كانت الاجتماعات المقبلة لترامب فى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر سوف تُسفر عن 3 تريليونات دولار استثمارات فى الولايات المتحدة فى مجالات الثورات التكنولوجية والعلمية الجديدة لا تستفيد منها فقط الدول الثلاث وإنما أيضًا بقية المنطقة العربية المتفاعلة معها بالبشر والاقتصاد والأمن المشترك.
وخامستها أنه على إسرائيل أن تقدر معاهدة السلام التى عُقدت مع مصر، التى اعتبرها الرئيس عبدالفتاح السيسى النموذج الواجب اتباعه فى المنطقة، خاصة بما جرى فيها من تعديلات فى البروتوكول العسكرى، بحيث أتاح للجيش المصرى الانتصار على الإرهاب، وأكثر من ذلك، وهو مقيم على أرض مصرية، أن يساهم فى عملية تنمية سيناء.
إسرائيل هنا لا تستطيع وهى تحشد قواتها على الحدود المصرية فى النقب وغزة أن ترفض وهى تخالف مضمون اتفاقية السلام التغييرات التى تجرى فى البنية الأساسية كما يحدث فى كل أنحاء المعمور المصرى.
وسادستها أن إسرائيل عليها أن تختار بين استمرار العداء والخصومة والعدوان والقتل الجماعى الذى يولد الحرب بعد الأخرى أو أن تكون جزءًا من المنطقة فى تحقيق العدالة والرخاء والأمن والسلام للجميع.
هذه الوصايا الإضافية لإسرائيل، والتى جرى التفصيل فيها على ضوء الأحداث التى جرت خلال الأسبوع الماضى وتؤكد عليها، تدفع فى اتجاه تقديم الوصايا أيضًا للجانب العربى والفلسطينى خاصة لدى الدول التى اختارت طريق البناء والتعمير والتقدم.
والوصية الأولى تأتى من الدرس الذى نتعلمه من تجربة حرب غزة الخامسة، وهى أن منطقتنا مهمة وبالغة الأهمية، ومهما قال قادة العالم، خاصة فى واشنطن، إنهم سوف ينسحبون من الشرق الأوسط فإنهم سوف يعودون، ومن الأفضل لنا أن نتعلم كيف نتعامل معهم. والتعامل معهم لا يأتى من خلال اللعنة والبحث عما إذا كانت أمريكا وراء إسرائيل فى عدوانها أو أن إسرائيل هى التى وراء أمريكا فى جبروتها.
من الذى يتلاعب بمن هو إحدى الأحاجى التى يتفرغ لها المثقفون والسياسيون العرب، ولكن الحقيقة هى أن الدول تبحث عن مصالحها وكيفية تحقيق الحد الأقصى منها، وهذا يصدق على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة وعلينا أيضًا حين يكون لدينا من القدرة ما يجعل السلام معنا أكثر فائدة من الحرب والصراع. إسرائيل أصبحت ثقيلة على الولايات المتحدة، والعالم العربى بات مُغريًا بعد انتقاله من عصر «الحنجريات» إلى عالم البناء والتعمير.
الوصية الثانية، التى لا تقل أهمية عن الأولى، هى أن مصادر القوة فيها المبادرة والبحث عن حلول للقضايا الصعبة التى نعيشها بدلًا من انتظار العالم لكى يبحث لنا عن حل.
الواضح هو أن الولايات المتحدة لا تستطيع الحل، وإذا أرادت فإنها تفكر فيه بطريقتها. وعندما قدم ترامب مقترحه لبناء «ريفييرا» فى غزة كان يفكر بالطريقة الأمريكية وبطريقة مهنته العقارية التى يعرفها، وعندما قدمت مصر مؤيدة من الدول العربية والقمة العربية الإسلامية مشروعًا لتعمير غزة دون تفريغها من سكانها كان فى ذلك انقلاب فى الأوضاع.
مثل ذلك من بدائل مطلوب بشدة فى عدة مجالات؛ فإذا كنا نريد دولة فلسطينية مستقلة، ومن ثم فإننا متمسكون بحل الدولتين؛ فإن المشروع هو وضع البداية للدولة الفلسطينية القادمة، وهل سوف تكون مثل مشروع الدولة الذى يستند إلى اتفاقية أوسلو وكان فيه 14 تنظيمًا مسلحًا، كل منها يملك قرار الحرب والسلام؟ ما لا يقل أهمية عن ذلك هو كيف سنتعامل مع إسرائيل خلال المرحلة المقبلة، وهل يمكن إدماجها فى الإقليم كما جرى مع ألمانيا بعد حربين عالميتين فى أوروبا؟ والآن وقد نزل الستار على حكم الميليشيات المباشر وغير المباشر فى عدة دول عربية- العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وقريبًا اليمن- هل نجعل ذلك دستورًا دائمًا يقوم على الدولة الوطنية التى تساوى بين مواطنيها وتستوعب أقلياتها فلا تبحث عن طريق يأخذها بعيدًا عن الوطن؟ المنعطف التاريخى الذى نعيش فيه يمكنه أن يكون لحظة فارقة.
المصدر : المصري اليوم