كريتر نت – متابعات
تسببت العقوبات الأميركية الأخيرة المشددة على موسكو في إحداث فوضى في تجارة النفط عالميا، بعدما تعطلت الإمدادات الروسية المخفضة أصلا إلى الصين والهند، مما أدى إلى إحياء الطلب على الخام في الشرق الأوسط وأفريقيا، وإثارة اضطرابات في أسواق الشحن ودفع أسعار الخام إلى الارتفاع.
وأستهدفت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة مطلع يناير الماضي الناقلات التي تحمل النفط الروسي في محاولة للحد بشكل أكثر فاعلية من عائدات موسكو من النفط، وهو الهدف من العقوبات الغربية المفروضة بعد غزوها لأوكرانيا قبل ثلاث سنوات.
وأدت القواعد الجديدة إلى ترك الملايين من البراميل عائمة على السفن ودفعت التجار إلى البحث عن بدائل، في حين تباطأت التعاملات في الخام الروسي، المصدر الأول لأكبر المستوردين العالميين الصين والهند، المقررة في مارس المقبل.
وقلب هذا التدافع ديناميكيات السوق رأسا على عقب. فخلال بضعة أسابيع، أصبح خام دبي القياسي عالي الكبريت أكثر تكلفة من خام برنت منخفض الكبريت، والذي يسهل معالجته.
وقد فتح هذا فرصا للمنتجين من البرازيل إلى كازاخستان لكسب حصة في الصين والهند.
وأكد متعاملون أن علاوات الخام البرازيلي ارتفعت الشهر الماضي إلى نحو 5 دولارات للبرميل مقابل برنت المؤرخ على أساس التكلفة والشحن إلى الصين، ارتفاعا من نحو دولارين في الشهر السابق.
وهذه العلاوة أقل قليلا الآن من 5 دولارات للبرميل للشحنات التي تصل في مايو.
وفي مارس، من المقرر أن تستورد الصين أول شحنة لها منذ يونيو الماضي، من مزيج سي.بي.سي الكازاخي، وفقا لبيانات كبلر.
وقال متعامل مقيم في سنغافورة لرويترز إن “الذراع التجارية لشركة توتال إنيرجيز تلقت في الأسبوع الذي أعقب العقوبات الجديدة العديد من الاستفسارات.”
وأوضح أن ذلك دفع الشركة الفرنسية لعقد عطاءات بدلا من مفاوضات خاصة لبيع شحناتها من الخام في الشرق الأوسط، والتي ذهبت في النهاية إلى شركة سينوك الصينية وشركة رونغشينج للبتروكيماويات.
وفي انعكاس للتهافت على الخام في الشرق الأوسط، تضاعفت علاوات الخامات المرجعية عمان ودبي ومربان بأكثر من الضعف في يناير مقارنة بديسمبر.
وظلت فوق 3 دولارات للبرميل إلى دبي، على الرغم من انخفاض الطلب من المصافي في الصيانة الموسمية.
وبالإضافة إلى ذلك، رفعت أرامكو السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، أسعار الخام المتجه إلى آسيا إلى أعلى مستوى منذ ديسمبر 2023، مما رفع التكاليف على المصافي.
وقال بائع للخام الأنغولي إن “هناك زيادة في الطلب من المشترين الآسيويين الذين يتطلعون إلى التغطية.”
وقال تاجر صيني “تأخذ يونيبك الكثير من شحنات الخام من غرب أفريقيا، وخاصة البراميل الأنغولية، وهو اهتمام جيد بالشراء بعد رأس السنة القمرية الجديدة.” ويونيبك هي الذراع التجارية لأكبر مصفاة في آسيا سينوبك.
ومع تعطل السفن الخاضعة للعقوبات في المياه، سارع العديد من التجار إلى التحول إلى سفن أخرى تكلف الآن أضعافًا مضاعفة، مما يضيف الملايين من الدولارات إلى تكلفة كل شحنة.
وتبدو التكاليف المتزايدة صعبة بشكل خاص على المصافي في الهند.
وفي أواخر عام 2024، عززت البلاد تحولها من مصادر الشرق الأوسط القديمة إلى شراء المزيد من النفط من روسيا.
وكان ذلك عندما أبرمت شركة ريلاينس إندستريز صفقة توريد مدتها 10 سنوات مع شركة روسنفت العملاقة الروسية بقيمة 13 مليار دولار تقريبًا سنويًا.
وهذا الأسبوع، قال وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري إن “مصافي التكرير الهندية تريد شراء النفط الروسي فقط من شركات وسفن غير خاضعة لعقوبات من الولايات المتحدة.”
وأكدت مصادر تكرير هندية أن هذا قلل فعليًا من عدد الشحنات والسفن المتاحة.
ومع وجود إمدادات محدودة من الشحنات المقاومة للعقوبات، تقلصت الخصومات على خام الأورال الروسي إلى برنت المؤرخ إلى 2.5 و2.9 دولار للبرميل للتسليم في مارس، مقابل 3 و3.5 دولار قبل عقوبات يناير، وهي زيادة كبيرة في التكلفة على شحنة نموذجية تبلغ مليون برميل.
وذكرت مصادر تكرير هندية أن ارتفاع تكاليف الخام الروسي قلص الفجوة السعرية مع خام الشرق الأوسط إلى حوالي 3 دولارات للبرميل من 6 و7 دولارات للمصافي الهندية، مما يوفر حافزًا ضئيلًا للمخاطرة بتكبد عقوبات ثانوية.
وأوضحت أن المشترين الهنود رفضوا عروضا من شركة الشحن الروسية العملاقة سوفكومفلوت لتلقي مدفوعات بأيّ عملة، بما في ذلك الروبية الهندية، مقابل النفط الروسي المنقول على متن ناقلات خاضعة للعقوبات.
وجاء ذلك بعد أن التقى سيرجي فرانك الرئيس التنفيذي للشركة الروسية بالمشترين في الهند على هامش مؤتمر أسبوع الطاقة الهندي هذا الأسبوع.
ويعني التباطؤ أن النفط الروسي المخزّن على متن السفن زاد بمقدار 17 مليون برميل منذ 10 يناير، وفقا لمذكرة صادرة عن غولدمان ساكس في الخامس من فبراير الحالي. ومن المتوقع أن يرتفع إلى 50 مليون برميل في النصف الأول من عام 2025.
وقال مسؤول تنفيذي كبير في شركة تجارية عالمية كبرى، لم تذكر رويترز هويته، “نشهد انتعاشا في حجم الشحنات العائمة.
هناك عدد من الناقلات التي تحمل النفط الروسي تتسكع حول شاندونغ والموانئ الجنوبية في الصين والتي لا تشكل عادة نقاط دخول كبيرة.”
وتعتبر مقاطعة شاندونغ مركز المصافي الصينية المستقلة التي كانت من المشترين الرئيسيين للنفط المخفض الذي تم فرض عقوبات عليه من روسيا وكذلك إيران وفنزويلا.
ويأتي تعطيل الإمدادات الروسية في أعقاب انخفاض واردات النفط الإيراني من قبل الصين، أكبر زبون، وسط ضغوط أميركية مشددة، مع تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا بخفض صادرات طهران النفطية إلى الصفر.
وقدر محللو غولدمان ساكس أن التخزين العائم الإيراني ارتفع بنحو 14 مليون برميل منذ بداية العام إلى أعلى مستوى له في 14 شهرا.
وقالوا إن فرض عقوبات أكثر صرامة قد يخفض إنتاج إيران بمقدار مليون برميل يوميا ويدفع خام برنت إلى 80 دولارا للبرميل بحلول مايو.
وذكر أحد التجار أن الضغط على الخام الرخيص في الصين، إلى جانب ضعف الطلب المحلي، دفع العديد من المصافي المستقلة إلى الإغلاق للصيانة بدلا من خسارة 500 يوان (68.62 دولار) لكل طن من الخام غير الخاضع للعقوبات.
وتتم معالجة ذلك الخام بناءً على عروض تتراوح بين 7 و8 دولارات للبرميل فوق برنت في بورصة إنتركونتيننتال المسلّم إلى الصين.
ورجح مصدر مطلع أن “تتجنب مصافي الدولة الصينية النفط الروسي في الوقت نفسه حيث تعمل العقوبات على تقليل عدد الأطراف المقابلة وشركات التأمين لمثل هذه المعاملات، في حين أصبحت الموانئ الرئيسية مثل تشينغداو وريزهاو أكثر صرامة.”
وقدر المصدر أن أحجام الصادرات الروسية إلى الصين ستنخفض بما يتراوح بين 700 ألف و800 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من مارس، بعد انتهاء الإعفاءات من العقوبات.
وسيعادل ذلك انخفاضًا بنسبة 70 في المئة على الأقل عن يناير، وفقًا لبيانات كبلر.
وقال مسؤولون في الصناعة إنه قبل أسابيع من الإعلان عن العقوبات في وثيقة مكونة من 27 صفحة، حذرت السلطات المصافي الهندية وقامت ببعض المشتريات مقدمًا. ولم ترد الحكومة الهندية على طلب التعليق على ما إذا كانت المصافي قد حذرت مسبقًا.
وفي الصين، أصدرت مجموعة ميناء شاندونغ حظرًا قبل ثلاثة أيام على السفن الخاضعة للعقوبات من الرسوّ في موانئها، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الخطوة مرتبطة بالعقوبات.
وأكد تجار أن هناك علامات أخرى على أن الأسواق تتوقع تدابير جديدة شملت ارتفاع الطلب على الخام من الشرق الأوسط وأفريقيا من المشترين الصينيين والهنود، والتسرع في استئجار السفن مما أدى لاحقًا إلى ارتفاع أسعار الناقلات بشكل حاد.
وقال آدي إمسيروفيتش، مدير شركة الاستشارات سوري كلين إنيرجي، والتاجر السابق للنفط في شركة غازبروم الروسية لرويترز إن “تأثير العقوبات قد يحد من الصادرات الروسية بما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميًا في الأمد القريب.”
وأضاف “التوقع الحقيقي الوحيد الذي يمكننا أن نتوصل إليه، ومع تزايد التدخل الحكومي في الأسواق، هو أن السوق ستصبح أكثر تقلبا.”
ومع ذلك، أثار اتفاق سلام محتمل بين روسيا وأوكرانيا توقعات بتعزيز إمدادات الطاقة العالمية مع إمكانية إنهاء الحظر على موسكو.
وذكر محللون في جي.بي مورغان في تقرير الجمعة أن الطلب العالمي على النفط ارتفع إلى 103.4 مليون برميل يوميا، بزيادة بلغت 1.4 مليون برميل يوميا على أساس سنوي.