كتب .. محمد العماري
تمر علينا اليوم ذكرى عزيزة على قلوب اليمنيين، وهي الثلاثون من نوفمبر، اليوم الذي خرج فيه آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن عام 1967، إيذاناً بنهاية الاستعمار البريطاني الذي دام لعقود. إنها ذكرى تجسد نضال أبناء الجنوب من أجل الحرية والاستقلال، وهي محطة تاريخية ينبغي أن تُستحضر في كل عام للتأمل في معاني التحرر والسيادة.
لكن، بعد مرور أكثر من نصف قرن على ذلك الحدث التاريخي، يطرح العديد من اليمنيين سؤالاً مؤرقاً: هل تحررت اليمن فعلاً من الاستعمار أم أننا لا نزال نعيش تحت مظلة استعمار من نوع آخر؟
قد يكون الاستعمار العسكري قد انتهى رسميًا، لكن واقع الحال يشير إلى أشكال أخرى من الهيمنة. اليوم، اليمن، بشماله وجنوبه، يعيش في ظل وصاية قوى خارجية، تتدخل في شؤونه السياسية والاقتصادية والأمنية.
أصبح القرار اليمني مرهونًا بأطراف إقليمية ودولية، فإيران تلعب دورًا واضحًا في الشمال من خلال دعمها لجماعة الحوثي، فيما تجد دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، نفوذها في الجنوب، سواء عبر دعم أطراف سياسية أو عسكرية. هذا الواقع يجعلنا نتساءل: هل يمكن اعتبار اليمن دولة مستقلة إذا كانت قراراتها تُصنع خارج حدودها؟
الاستعمار اليوم ليس بالضرورة أن يكون عبر احتلال مباشر. فهناك استعمار اقتصادي من خلال السيطرة على الموارد والثروات، واستعمار سياسي من خلال فرض أجندات معينة تخدم مصالح الخارج أكثر مما تخدم المصلحة الوطنية.
التحرر الحقيقي لا يقتصر على خروج الجنود أو رفع الأعلام الوطنية، بل هو تحرر القرار السياسي والاقتصادي، وامتلاك السيادة الكاملة على الأرض والثروات، وإرادة الشعب في اختيار من يحكمه بعيداً عن التدخلات الخارجية..
خلاصة القول
اليمن اليوم، رغم مرور 57 عامًا على خروج الاستعمار البريطاني، لا تزال تبحث عن استقلالها الحقيقي. الاستعمار قد يتغير شكله، لكنه يظل موجودًا طالما أن اليمن تُدار من الخارج. لذا، يبقى الأمل معقوداً على وعي الشعب اليمني وإرادته في استعادة قراره وسيادته، حتى نحتفل يوماً ما بتحرر اليمن الكامل، سياسياً واقتصادياً.