كريتر نت – متابعات
تتصاعد الأحداث في المنطقة العربية منذرة بمزيد من التعقيد والتصعيد بشكل غير مسبوق، غير أنها هذه المرة تتخذ من اليمن منطلقا لكل التداعيات التي تعيشها المنطقة.
وأدى الصراع الذي تخوضه جماعة الحوثي في البحر الأحمر نصرة للقضية الفلسطينية، وفقا لتصريحاتها، منذ أكتوبر الماضي، إلى خلق واقع جديد، جذب كل أنظار العالم إلى اليمن أولا، والمنطقة ثانيا.
وتمكنت جماعة الحوثي من خوض معركة طويلة برا وبحرا، واستطاعت مجابهة العديد من القوى الدولية، التي حضرت للمنطقة، متخذة من الشكل العسكري سمة لها في مواجهة تهديدات الحوثيين، وهو ما أوجد قوى عسكرية جديدة تحيط باليمن، كالقوة الأوروبية، والحضور الأمريكي، وغيرهما.
بدأت الجماعة هجماتها في البحر الأحمر بهدف تهديد المصالح الدولية لدفعها نحو اتخاذ خطوة لإيقاف العدوان الإسرائيلي في غزة، لكنها تطورت لاحقا لتشمل بعداً أكبر، من خلال استهداف القوة الناعمة المرتبطة بإسرائيل، كالسفن التجارية، وكذلك استهداف العتاد الحربي التابع للولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي.
غير أن التطور الأبرز هو ظهور جماعة الحوثي كتيار يدور ضمن ما يعرف بمحور المقاومة، التابع لإيران، وهي حقيقة لا تخفيها الجماعة، بل وسعت لتكريسها وترسيخها من خلال تزامن هجماتها مع هجمات من دول أخرى كالعراق، ما جعل المنطقة في طور التطويق الكامل لمحور المقاومة، الذي تتحكم به طهران، وتجنده لصالح أجندتها.
هذا الظهور للحوثيين كجماعة في دائرة طهران، تعدى الانتماء المذهبي الذي شكل هذه الجماعة وفكرها عند نشأتها، ليصل إلى المستوى العسكري الكامل، وظهر ذلك من خلال ما كشف مؤخرا عن مشاركة عناصر حوثية في القتال إلى جانب نظرائها في العراق وسوريا، وربما يمتد الأمر إلى لبنان أيضا.
ومع استمرار أمد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سعت جماعة الحوثي لتطوير سبل المواجهة العسكرية، خاصة مع تزايد النشاط الحربي في البحر الأحمر وخليج عدن، وتمكنت خلال فترة قصيرة من إظهار تطور ملحوظ في السلاح المستخدم الذي تملكه، سواء ذلك الذي تستخدمه لاستهداف السفن، أو الصواريخ التي أطلقتها على إسرائيل لمرتين متتاليتين.
أهمية هذا التطور الملفت أنه يأتي في ظل استمرار الهجمات الأمريكية البريطانية على اليمن، وفي ظل الحضور الأوروبي العسكري، وكذلك في حالة من الحصار المطبق على جماعة الحوثي الممتدة منذ سنوات، ويبدو ذو أهمية أكثر إذا ما أدركنا الإخفاق العسكري الخارجي في لجم جماعة الحوثي، وتحييدها، وإلحاق الخسائر بها، رغم الأضرار البليغة التي تسببت بها في مختلف الأصعدة.
هذا الإخفاق العسكري للولايات المتحدة الأمريكية، والقوة الأوروبية المعروفة بـ “أسبيدس” سلط الضوء على طبيعة دور الجانبين، إذ أنه ظل ذو طبيعة دفاعية بحتة، ولم يصل لمرحلة المواجهة الحاسمة، وفشل في وقف هجمات الحوثيين على إسرائيل بشكل خاص، وعلى السفن التجارية العابرة في البحر الأحمر بشكل عام، حتى وصل الأمر لاعتبار باب المندب أصبح رهينة بيد الحوثيين، وفقا لصحيفة الجارديان البريطانية.
وكان لهذا الأمد الطويل للصراع في غزة، والارتعاش الأمريكي البريطاني في توجيه الضربات للحوثيين تداعيات عديدة، فعلى سبيل المثال ظلت المملكة العربية السعودية في خانة الحيادة بالنسبة لضربات الحوثيين، ولم يصدر عنها ما يدينها او يؤيدها، لكنها اضطرت في نهاية المطاف للإعراب عن موقفها، ولو بشكل غير رسمي.
يتجلى هذا في تصريحات رئيس الاستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل الذي وصف الهجمات الأمريكية البريطانية على الحوثيين بأنها غير فعالة، وهو تلميح يشير إلى رغبة الرياض في توجيه ضربات أكثر قساوة للحوثيين، فمن شأن ذلك أن يقود إلى إضعاف الحوثيين، وهي الأمنية التي تأمل الرياض تحققها، لكن دون أن تكون في مواجهة مباشرة معهم.
يناقض تصريح الفيصل الخطوات التي كانت السعودية قط قطعت فيها شوطا كبيرا للوصول إلى تسوية مع جماعة الحوثي، بغية إنهاء الحرب في اليمن، ويصبح الحوثيون فيها طرفا أساسيا، وجاءت تطورات الحرب في غزة لتجمد هذا الاتفاق، ما يعني أن ملف السلام الذي كانت الرياض قد رفعته، وشرعت فيه لم يعد قائما، على الأقل حتى اللحظة، وذلك يضاعف العبء عليها بشكل أكبر.
التداعيات طالت أيضا دولا كمصر، والتي ظلت متحفظة هي الأخرى في موقفها من هجمات الحوثيين، ولم تدن أو تؤيد ما يقومون به من عمليات عسكرية في البحر الأحمر، لكن استمرار الصراع، وتداخل التعقيدات في المنطقة دفعها أخيرا للإفصاح عن تضررها بشكل كبير من التوتر في البحر الأحمر، وبدأت التحرك في محاولة لاحتواء التداعيات وتخفيف وطأتها، وتحدثت تقارير صحفية عن اعتزام مصر الجلوس مع إيران لبحث ملفات المنطقة، وكذلك اعتزامها استقبال وفدا من جماعة الحوثي، وفقا لما أعلنته صحيفة العربي الجديد.
ومثلما هو الحال مع مصر في التضرر بالجانب الاقتصادي، فهناك دولا عديدة، وشركات كبيرة حول العالم، تشكو خسائرها مما يجري في البحري الأحمر، وبات عليها دفع كلفة أكبر جراء هذا التوتر المستمر، ما يشير إلى أن الأمر لم يعد يعني إسرائيل وحدها، بل العالم أجمع.
لكن التطور الأبرز في خضم هذه الأحداث يتعلق بالهجوم الأخير الذي وجهته جماعة الحوثي لإسرائيل، عبر صاروخ فرط صوتي يستخدم لأول مرة، والذي كشف عيوبا كثيرة في أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، وأثار العديد من الأسئلة عن الدور الأمريكي في التصدي لمثل هذه الهجمات، وما إذا كانت واشنطن قد سمحت بذلك، لتوجيه رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أم أن ذلك يمثل فعلا نجاحا جديدا لجماعة الحوثي.
هذه الهجمة تعد الثانية من نوعها بالنسبة لجماعة الحوثي، وهي تستهدف العمق الإسرائيلي، لكنها لم تخلف أضرارا بشرية مثلما فعلت الضربة الأولى، والتي اقتضت من إسرائيل الرد المباشر، عندما ضربت ميناء الحديدة، وتوعدت إسرائيل عقب الهجوم الثاني بالرد، لكنها لم تفعل – حتى كتابة هذه المادة – وربما يعود الأمر لانشغالها بالجبهة اللبنانية، أو أنها تدرس توجيه ضربة انتقامية جديدة، وربما تكون هذه المرة أكثر فتكا وتأثيرا.
تشير هذه التطورات إلى أن الصراع المشتعل في المنطقة يزداد لهيبا، ودائرته تتسع يوما بعد آخر، ولم يعد الأمر متصلا بتطورات عدوان إسرائيل على غزة، بل إنه خلق ويخلق واقعا جديدا، وتحالفات تتشكل، وخلف ندوبا لا يمكنه أن تنتهي بسهولة في المنطقة.
المصدر : الموقع بوست