القاهرة – أحمد جمال
انتبهت الحكومة المصرية إلى أهمية جذب جميع فئات المجتمع للعيش في العاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة) بعد أن أضحت صورتها في نظر المواطنين مرتبطة بطبقة الأغنياء ممن لديهم قدرة عالية على الشراء والسكن. ودفعت هذه المسألة الحكومة لمضاعفة أعداد البنايات المخصصة لمحدودي الدخل السنوات المقبلة، لتعظيم المكانة الاجتماعية للمدينة بما يساعد على توطين السكان بها.
ووجه رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي بإنشاء 100 ألف وحدة سكنية، جانب عدد مماثل انتهت منه، بينها 93 ألف وحدة مُخصصة للإسكان الاجتماعي للشباب ومحدودي الدخل، وتخصيص الـ7 آلاف وحدة المُتبقية لمتوسطي الدخل. وجرى بيع جميع الوحدات التي تم تنفيذها، وهو ما يعد مؤشرا على رغبة الشباب في الخروج من منطقة وسط القاهرة المُكتظة بالسكان إلى أماكن تتمتع بجودة حياة أفضل.
ولدى قطاع كبير من المصريين قناعة بأن أسعار الوحدات التي حددتها الحكومة لمحدودي الدخل لا تتماشى مع أوضاعهم الاقتصادية، ولا يجدون ما يجذبهم نحو شراء مساكن في مناطق تحيط بها الصحارى وبأسعار مرتفعة، ما جعل الحكومة الحالية تفكر في منح حوافز مالية تسهل عملية دفع قيمتها على سنوات طويلة.
ويعود توسع الحكومة في البنايات المخصصة لمحدودي الدخل إلى رغبتها في الانتقال إليها بسلاسة دون معوقات عقب انتقال الوزارات وعدد من الهيئات الحكومية، والتأكيد أنه لا عودة عمّا جرى تنفيذه في العاصمة الإدارية، وأن الواقع يستوجب سرعة لتوطين السكان، بما يساعد على دوران عجلة الخدمات وإتاحة المزيد من الفرص الاستثمارية التي تسعى لجذبها في المناطق المحيطة بها.
وتقع العاصمة الإدارية الجديدة على بُعد 45 كيلومترًا شرق القاهرة وتغطي مساحة تقارب 700 كيلومتر مربع، وتضم قصر الرئاسة، والبرلمان، والحكومة، وحياً دبلوماسياً، ومطاراً دولياً، وتأسيس مناطق عمرانية على مساحة 460 كيلومتراً، وتضم 25 حياً سكنياً، ونحو 1.1 مليون وحدة سكنية، و40 ألف غرفة فندقية.
ويقول مراقبون إن الاستثمارات الحكومية الكبيرة في مجال العقارات تمركزت في العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة على البحر المتوسط، وهناك رغبة ليظل المشروعان معبرين عن رؤية الحكومة لتسويق مدنها الجديدة وقدرتها على إقناع المواطنين بالذهاب إليها، ما يساعدها على تفكيك بؤر جغرافية أخرى مكدسة.
وهناك أبعاد اقتصادية مهمة تنتج عن تعزيز مكانة العاصمة الإدارية المجتمعية، لأنها قريبة من حركة الصناعة والتجارة في منطقة خليج السويس على البحر الأحمر، وهي مناطق تولي لها الحكومة اهتمامًا لتحويلها إلى مناطق لوجستية للنقل العالمي ومركز للتوزيع يخدم تطورات حركة التجارة العالمية، كما أن توطين شريحة من السكان في العاصمة يفتح الباب أمام تسريع حركة تنمية عدد من المدن الجديدة القريبة منها.
وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة عبدالحميد زيد إن الحكومة تستهدف استيعاب الموظفين الذي تم نقلهم وأعمالهم مرتبطة بالعاصمة الجديدة، وهؤلاء يشكلون أساس عملية تنميتها وتعميرها، وأن دوائر رسمية أدركت أن ارتفاع تكاليف ذهاب المواطنين إلى مواقع عملهم وحالة التململ التي تسيطر على البعض جراء إضاعة الوقت في وسائل المواصلات في حاجة إلى تدخلات سريعة لكسب ثقة الموظفين.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن استمرار الغلاء وشكاوى الموظفين من إنفاق رواتبهم على الانتقال إلى العاصمة خلق صورة سلبية في أذهان المواطنين بوجه عام تجاهها، كما أن الحكومة تجد نفسها تدفع تعويضات للانتقال لا تناسب التكاليف، وتشكل ضغطًا على موازنتها، وترى بأن الاستثمار العقاري يساعدها على تطوير البعدين الاجتماعي والتعميري.
وأشار إلى أن الاهتمام بالإسكان الفاخر على حساب محدودي الدخل أحد الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة، لأن ذلك يطيل أمد تعميرها، كما أن تسهيل عملية الإعاشة تعود بالنفع بأشكال مختلفة، ولدى الحكومة رغبة في توطين المواطنين كي لا تتعرض مرافق العاصمة إلى الإهمال مع استمرار هجرتها.
وتظهر مخاوف إدارة العاصمة من تراجع جودة الخدمات المقدمة، وتشكل واجهة لنظام الحكم الذي يريد القضاء على عشوائية ساهمت في تشويه الدولة المصرية سابقا، ووجود بنايات فارغة لا يقطنها أحد يهدد استكمال تنميتها، ما دفع إلى إرجاء البدء في المرحلة الثانية من مشروعات العاصمة التي كان مقرر أن تبدأ مطلع العام الجاري.
◙ استمرار الغلاء وشكاوى الموظفين من إنفاق رواتبهم على الانتقال إلى العاصمة الجديدة خلق صورة سلبية في أذهان المواطنين بوجه عام تجاهها
وعقد رئيس جهاز تنمية العاصمة الإدارية أحمد محمد عبدالرازق مؤخراً اجتماعًا موسعًا مع شركات المقاولات المسند إليها أعمال المشاريع، وأعمال الصيانة، وطالبهم بالمتابعة وصيانة الطرق والمحاور، وهدد بسحب المشروعات منهم. وسلّمت الحكومة المصرية عقود عدد من الوحدات السكنية المخصصة لمحدودي الدخل بالعاصمة ضمن مبادرة “سكن لكل المصريين” وتستهدف توفير مناطق متطورة، كأحد سبل التسويق لترغيب كافة الطبقات الاجتماعية للسكن في العاصمة.
وبات توفير البيئة المناسبة للمعيشة وفرص العمل للمواطنين القادمين للسكن في العاصمة الجديدة من أبرز طرق جذب السكان إليها، وأن الاستغراق في إنشاء البنايات دون خطة تضمن توفير باقي مقاومات الحياة تجعل من الصعب إقناع المواطنين بالانتقال إليها، وأن التوسع في المشروعات الحكومية القريبة وتقديم تسهيلات لإقامة مشروعات استثمارية للشباب لا بد أن يكون حاضراً بالتوازي.
وأوضح رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بالبرلمان المصري إيهاب منصور أن توسع الحكومة في مشروعات الإسكان الاجتماعي أمر جيد وتثمنه قوى المعارضة، لكن الوضع يختلف بالنسبة إلى العاصمة الجديدة التي هي في حاجة إلى خدمات موازية تتمثل في التوسع ببناء المدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق والخدمات العامة التي تفيد مئات الآلاف من المواطنين.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن تحديد الأولويات أمر مطلوب، وإذا كانت رغبة الحكومة في تخفيف التكدس عن المناطق المكتظة في القاهرة الكبرى، فهناك مناطق قريبة بها مناطق شاسعة في حاجة إلى التعمير أيضا وأقل تكلفة من دفع المواطنين لقطع مسافات بعيدة نحو العاصمة الجديدة.
وطالب الحكومة بوضع برامج واضحة بشأن خطط تعمير العاصمة والوقت المحدد لجعل المواطنين في حالة اكتفاء كامل من الخدمات التي تجعلهم يذهبون إليها دون أن يكونوا في حاجة إلى العودة إلى مناطق سكنهم القديمة للعمل أو الحصول على خدمات، لأن البرنامج الذي تقدمت به الحكومة للبرلمان أخيراً لم يتطرق إلى هذه الخطط.