كريتر نت – متابعات
رغم فشل جميع المساعي الدولية للمضي قدما في حل الدولتين كخيار أمثل لحل القضية الفلسطينية لا يزال المجتمع الدولي متمسكا بهذا الخيار. ويلقي عدم بحث المجتمع الدولي عن خيارات أكثر جدوى بظلال من الشك على مدى استعداده أو صدقه في معالجة القضية.
ولا تزال الولايات المتحدة والقوى الإقليمية تدافع في جميع المنابر الدولية عن حل الدولتين كخيار لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إلا أن توسع المستوطنات الإسرائيلية على حساب الأٍراضي الفلسطينية يجعل مساعي السلام في المنطقة غير ذي جدوى.
وكان إنشاء دولتين منفصلتين – واحدة للإسرائيليين والأخرى للفلسطينيين تعيشان جنباً إلى جنب –يعتبر أفضل وسيلة لتحقيق السلام الدائم. وقد أكد الرئيس الأميركي جو بايدن على هذا المفهوم في مباحثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفعل زعماء العالم الآخرون نفس الشيء، بما في ذلك زعماء الدول الخمس ذات المقعد الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ويقول الكاتب إحسان فاروق كيلافوز في تقرير نشره موقع ميدل إيست مونيتور إن الإجماع حول هذا الخيار كان كبيرا إلى حد أن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصريح مؤخرا لحل الدولتين أثار غضبا واسع النطاق. ومع ذلك، فإن احتجاجات المجتمع الدولي لا تمت أكلها.
وظلت معارضة نتنياهو للفكرة ثابتة دون تغيير منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو الأولى في عام 1993 وقد بذل كل ما في وسعه لتخريب هذا الخيار بكل الوسائل الممكنة. ومن ناحية أخرى، فإن تمسك المجتمع الدولي بحل الدولتين وعدم البحث عن خيارات أكثر جدوى، يلقي بظلال من الشك على مدى استعداده أو صدقه في معالجة القضية الفلسطينية.ووصل طرح المفهوم إلى طريق مسدود بسبب عوائق لا حصر لها. و باعتباره “الطريق الوحيد للمضي قدماً” أدى إلى اتهامات بأن هذا الحل مجرد تمرين علاقات عامة يهدف إلى إعفاء المعنيين من مسؤوليتهم.
وحل الدولتين ليس جديدا، ففي نوفمبر 1947، أيدت الأمم المتحدة اقتراح الدولتين، الذي يهدف إلى تقسيم فلسطين التي تسيطر عليها بريطانيا إلى دولتين يهودية وعربية منفصلة، مع تحديد القدس كمنطقة دولية.
ورحب القادة الإسرائيليون بالاقتراح لأنه خصص 55 في المئة من أراضي فلسطين للدولة اليهودية، على الرغم من أن اليهود يشكلون ثلث السكان فقط. ومع ذلك، رفض الجانب العربي الخطة بسبب المخاوف بشأن تهجير الأغلبية السكانية الأصلية لصالح المهاجرين اليهود الجدد ومصير الأقلية العربية داخل الدولة اليهودية المقترحة.
وفي أعقاب قرار الأمم المتحدة، تصاعد الصراع، مما أدى إلى دورة من العنف أدت إلى قيام دولة إسرائيل. وقبل ذلك، اضطر أكثر من 750 ألف فلسطيني إلى الفرار من منازلهم فيما يعرف بـ”النكبة”. وأدى ذلك إلى تدمير ومحو العديد من المدن الفلسطينية، خاصة في 77 في المئة من فلسطين الانتدابية التي أصبحت أرضًا إسرائيلية.
وكانت اتفاقيات أوسلو التي توسطت فيها الولايات المتحدة عام 1993 تهدف إلى إحياء حل الدولتين من خلال الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للفلسطينيين والاعتراف بحق إسرائيل في التعايش السلمي.
وتضمنت نقل السيطرة الإدارية إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بهدف إقامة دولتين منفصلتين. وعلى الرغم من آمال الفلسطينيين في إقامة دولة عاصمتها القدس الشرقية، إلا أن عملية أوسلو فشلت في نهاية المطاف.
ومباشرة بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو، نفذت إسرائيل سياسة “الكانتونات” في الضفة الغربية وغزة، مما أدى إلى تقويض السلامة الإقليمية في هذه المناطق. وبالتالي، أصبحت عملية أوسلو غطاءً فعالاً لسياسة الضم الإسرائيلية، مما أعطى تل أبيب الضوء الأخضر لبناء وتوسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية.
وقد حاول الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إحياء هذا الحل خلال قمة كامب ديفيد عام 2000، لكن هذه المحاولة لم تدم طويلاً. وتصاعدت التوترات في أعقاب الزيارة الاستفزازية التي قام بها رئيس الوزراء السابق أرييل شارون المتشدد إلى المسجد الأقصى في القدس، مما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وإغراق المنطقة في حلقة مفرغة من العنف.
ولقد أثرت العديد من العناصر بشكل خطير على هذا المسار. وعلى سبيل المثال، فإن مطالبة إسرائيل بـ”نزع سلاح” الدولة الفلسطينية المحتملة كشرط لحل الدولتين هي إحدى العقبات الرئيسية التي تعيق هذا الخيار. وهذا الشرط يقوض بشدة فكرة وجود دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة، ويحرمها من مكانة متساوية في العلاقات الدولية.
وهناك عامل آخر يقوض الإيمان بحل الدولتين وهو الموقف المتشكك لجزء كبير من كلا السكان تجاه التعايش السلمي على أساس حل الدولتين. ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث قبل 7 أكتوبر 2023، فإن 35 في المئة فقط من الإسرائيليين (بمن فيهم المشاركون اليهود والعرب على حد سواء) يعتقدون أنه “يمكن إيجاد طريقة لعيش إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة”.
ويمثل هذا انخفاضا بمقدار تسع نقاط عن عام 2017 وانخفاضا بمقدار 15 نقطة عن عام 2013. وبين اليهود الإسرائيليين، انخفض التفاؤل من 46 في المئة في عام 2013 إلى 32 في المئة في العام الماضي.
وكان الانخفاض أكثر حدة بين العرب الإسرائيليين: فقد انخفض التفاؤل من 74 في المئة في عام 2013 إلى 41 في المئة بحلول عام 2023. وبالإضافة إلى ذلك، أشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب مؤخرا إلى أن 65 في المئة من الإسرائيليين يعارضون إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.