أحمد حافظ
وضعت الحكومة المصرية امتيازات عديدة على ذمة الأسر الكافلة لأطفال يتامى أو مجهولي النسب بغاية إدماجهم في جو عائلي بعيدا عن أجواء المؤسسات الاجتماعية. وستحصل الأسر الكافلة، على مساعدات مالية شهرية من الحكومة، مع منح الأم إجازة احتضان بأجر كامل لمدة ثلاثة أشهر عندما تكفل طفلا، بالإضافة إلى إمكانية منح الأسر حق الوصاية الكاملة على أولادهم المكفولين.
وحَمَل انتهاء الحكومة المصرية من مشروع قانون يمنح امتيازات عديدة للأسر البديلة، وجود توجه رسمي نحو تسريع خطة الخلاص من دور رعاية الأطفال اليتامى ومجهولي النسب لادماجهم وسط أسر طبيعية بعيدا عن الإقامة في مؤسسات اجتماعية قد لا يتوافر فيها الحد الأدنى من مقومات الحياة الطبيعية التي يحتاجها الأطفال ليكبروا ويشبوا وهم أسوياء نفسيا وتربويا.
أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي في مصر، وهي معنية بشؤون مؤسسات رعاية الأطفال، أنها انتهت من المراجعة النهائية لمشروع قانون الرعاية البديلة وسيتم تقديمه إلى مجلس النواب قريبا تمهيدا لإقراره رسميا، حيث يتضمن مزايا غير مسبوقة لكل أسرة تكفل طفلا منتسبا لمؤسسة اجتماعية أو إحدى دور الرعاية، بما يرفع عن الأسر الكافلة عبء الإنفاق والإجراءات الإدارية المعقدة ويسهل دمج الصغار.
تشمل المزايا التي سيتم تقديمها للأسر البديلة أن تتم معاملتها ضمن الفئات المستحقة لبرامج الحماية الاجتماعية، بحيث تحصل على مساعدات مالية شهرية من الحكومة، مع منح الأم الكافلة إجازة احتضان بأجر كامل لمدة ثلاثة أشهر عندما تكفل طفلا، بالإضافة إلى إمكانية منح الأسر حق الوصاية الكاملة على أولادهم المكفولين.
ويمنح القانون الجديد حق الولاية التعليمية للأب الكافل أو الأم الكافلة أسوة بالأسر الطبيعية، بما يحول دون وجود تعقيدات بيروقراطية تؤثر سلبا على المستقبل التعليمي للطفل عند التقديم والتحويل من وإلى المدارس، وتُعامل الأسرة الكافلة بنفس معاملة نظيرتها الطبيعية في كل ما يرتبط برسم مسار الطفل في المؤسسات التعليمية.
تهدف الامتيازات المقدمة للأسر البديلة في مصر إلى توسيع مهامها في دمج الصغار، مع مساعدة المرأة التي تريد احتضان طفل، ماليا ووظيفيا لرفع العبء عنها سواء أكانت عزباء أم أرملة أم مطلقة ولم تنجب، استجابة لمطالب نسوية وحقوقية.
وتحصل المرأة العاملة التي تكفل طفلا على نفس الإجازات المقررة للأم الطبيعية، بما ينهي أزمة كانت تواجه الكثير من السيدات اللاتي يرغبن في كفالة صغار لا تتجاوز أعمارهم بضعة أشهر ويحتجن إلى التفرغ الكامل للتربية والرعاية الأسرية، وهي الميزة التي سوف تستفيد منها كل عزباء أومطلقة ولم تنجب.
من بين الحقوق المالية والعينية التي ستحصل عليها العائلة الكافلة لطفل توفير بطاقات دعم تمويني للحصول على سلع أساسية بأسعار رمزية، مع إعفاء الطفل بشكل كامل من رسوم ومصروفات التعليم قبل الجامعي، فضلا عن الجامعي في جميع الكليات والمعاهد الحكومية، إضافة إلى تخصيص بعض الأماكن للإقامة في المدن الجامعية الخاصة بالسكن مجانا من دون أن تتحمل الأسرة الكافلة أية مبالغ مالية.
وتقرر أن تتحمل الحكومة، نيابة عن الأسر، تكلفة استقلال المكفول لأيّ من وسائل النقل العمومية، مثل الأتوبيسات ومترو الأنفاق وقطارات السكة الحديد، مع إعفاء المكفولين من اشتراكات ورسوم النوادي والمتاحف والمتنزهات والقصور الثقافية والمراكز الرياضية والشبابية، مع حق التمتع بخدمات التأمين الصحي الشامل.
وترغب الحكومة المصرية في رفع عبء مسؤولية أطفال المؤسسات الاجتماعية عن الأسر الكافلة، بما يسرع من وتيرة الدمج العائلي لهم، حتى لا تمثل الكفالة أعباء مالية جديدة على الأسرة بالتزامن مع الظروف المعيشية الصعبة وموجات الغلاء ومستلزمات الأبناء في كل مراحل حياتهم، بما يسهل مهمة الدولة في خفض عدد المودعين في دور الرعاية، ويعيشون داخل أجواء عائلية.
ولدى وزارة التضامن المصرية خطة تعمل على تطبيقها، تستهدف غلق جميع دور رعاية الطفل في أقرب وقت ممكن، مقابل أن تحل الأسر البديلة مكانها في احتضان وتربية وتعليم الأطفال، والتعامل معهم كما لو كانوا أبناء حقيقيين لهم، ويحملون لقب العائلة الكافلة، بعيدا عن التبني كونه محرّما في الشريعة الإسلامية.
تمثل التسهيلات الجديدة في هذه المنظومة تغيرا جذريا في تعامل المؤسسات المصرية مع ملف الأسر البديلة، إذ كانت هناك اشتراطات صارمة في الماضي، عقّدت إجراءات الكفالة ولم تكن تنطبق سوى على فئات محددة، بينها القدرة المالية للأسرة، وأن تكون العائلة مقيمة في بيئة ملائمة تعليميا وصحيا وترفيهيا، مع صعوبة استفادة العزباء من الكفالة.
يشير التشريع الجديد إلى أن الحكومة لم تعد تطلب من الأسرة الكافلة سوى التربية الصحيحة للأطفال ورعايتهم بشكل صحيح وتوفير الأجواء الأسرية الملائمة لهم، مقابل قيام الدولة بتوفير كل احتياجاتهم، لأنه مهما كانت المؤسسات الاجتماعية تقوم بدور إنساني وتربوي، فهناك حلقة مفقودة من خلال تنشئة الطفل داخل أسرة توفر له متطلباته الطبيعية.
بالتوازي مع التسهيلات المرتقبة، يتاح للأسرة تحديد مواصفات الطفل الذي ترغب في كفالته، حيث أعدّت وزارة التضامن قاعدة بيانات متكاملة يمكن لأي عائلة الاطلاع عليها إلكترونيا لمعرفة السن والبيئة التي كان يعيش فيها الطفل قبل دخوله دار الرعاية، وما إذا كان من مجهولي النسب أو الأيتام ولا يجد من يرعاه.
قال علاء الغندور استشاري العلاقات الأسرية في القاهرة إن تقديم تسهيلات عينية ومساعدات مالية للأسر الكافلة، يرفع عنها أعباء احتضان دور الرعاية، ويزيد معدلات الإقبال على الكفالة، بما يوفر أجواء عائلية تظل أكثر أمانا وإنسانية من المؤسسة الاجتماعية، لأن التربية الصحية السليمة للصغار تكون داخل أسرة لا في إحدى دور الرعاية مهما كانت خدماتها المقدمة.
وأضاف في حديثه لـ”العرب” أن مؤسسات الرعاية يصعب أن تُنشئ الطفل بشكل صحي يؤهله للاندماج بسهولة داخل المجتمع، كما أن الكفالة تظل حلا إنسانيا للكافل والمكفول، فهناك أزواج حُرموا من الإنجاب ويحتاجون إلى طفل، مقابل إحساس الصغير بأنه ليس محروما من الأسرة وأجوائها، لكن مهم تتبع كل العائلات الكافلة للتأكد من الرعاية السوية للأطفال.
يظل عدم تثقيف المجتمع نفسه بشكل مكثف، بنظام الأسر البديلة، عائقا أمام نجاح الحكومة في توسيع قاعدة العائلات الكافلة، لأن هناك موقفا سلبيا من بعض رجال الدين تجاه منظومة الكفالة برمتها، لاقتناعهم بأنها من المحرمات، والمطلوب زيادة الجرعة التوعوية بالتركيز على أن كفالة الطفل من القيم النبيلة التي لا تتعارض مع الدين.
وأباحت المؤسسات الدينية تطبيق نظام الكفالة، لكنها أخفقت في الانتصار على الرؤى المتشددة التي تروج لفكرة أن احتضان المرأة لطفل غريب حرام شرعا، بزعم أنه قد يطلع على جسدها ويحل له الزواج منها، وهي نظرة جنسية تتجاهل الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للأطفال، فيما تظل جهة الفتوى صامتة وتنأى بنفسها عن المواجهة.
المصدر : العرب اللندنية