كريتر نت – متابعات
وصل مدربون عسكريون روس وأنظمة دفاع جوي إلى النيجر، في إطار تعزيز النفوذ العسكري الروسي في منطقة الساحل والصحراء، ولكن في شكل استعراضي بعد أن ظلت موسكو لأشهر تنأى بنفسها عن التغييرات الجارية في المنطقة.
وتزامن الظهور العسكري المعلن في النيجر مع حرص موسكو على التواصل بشكل تفصيلي مع المغرب الذي يمتلك علاقات تاريخية وروحية واقتصادية مع دول الساحل من أجل إطلاعه على التحرك الروسي لمنع أي احتكاك معه.
وعرضت قناة “تيلي ساحل” في وقت متأخر الخميس لقطات لطائرة شحن روسية بُعيد هبوطها في مطار نيامي ليل الأربعاء، مشيرة إلى “وصول الدفعة الأحدث من التجهيزات العسكرية والمدربين العسكريين من وزارة الدفاع الروسية”.
وذكرت أن روسيا ستساعد في “إقامة نظام دفاع جوي… لضمان السيطرة الكاملة على مجالنا الجوي”. ونقل التلفزيون عن أحد المدربين قوله “نحن هنا لتدريب جيش النيجر ومساعدته في استخدام التجهيزات التي وصلت للتو”، مردفا أنها تعود إلى “تخصصات عسكرية مختلفة”.
واستفادت روسيا من انسحاب فرنسا من المنطقة، ومن التوتر بين الولايات المتحدة والنيجر التي طالبت القوات الأميركية بالانسحاب من أراضيها؛ وذلك في سعي موسكو لإخراج نفوذها إلى العلن بعد أن كان الأمر يتم تحت غطاء فاغنر كمجموعة شبه مستقلة وإن كانت قريبة من الكرملين وتتحرك ضمن مصالحه.
ويعرف الروس أن تدخلهم في نطاق النفوذ التقليدي للغرب في الساحل وغرب أفريقيا سيقود إلى توترات بالمنطقة، وأن واشنطن لن تقبل بسياسة الأمر الواقع، ولأجل ذلك سعت موسكو للبحث عن قناة تواصل ذات مصداقية وقريبة من الغرب، فتوجهت إلى المغرب الذي يشكل عنصر توازن بين الأطراف كلها.
والمغرب أكثر بلد صاحب نفوذ سياسي وديني واجتماعي في منطقة الساحل والصحراء، ما يجعل أي جهة دولية أيا كان وزنها في حاجة إلى الحوار معه، وهو ما يفسر سعي روسيا لتوضيح موقفها من خلال استقبال مسؤولين بارزين في الخارجية الروسية للسفير المغربي.
واستقبل نائب وزير الشؤون الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، ونائب وزير الشؤون الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، سفير المغرب لدى موسكو لطفي بوشعرة، في لقاءين منفصلين.
وذكر بلاغ صادر عن وزارة الشؤون الخارجية الروسية أن فيرشينين أجرى محادثات مع بوشعرة تمحورت حول “عدد من القضايا الراهنة المتعلقة بالشرق الأوسط وأفريقيا”، وفي اللقاء الثاني تم التطرق إلى القضايا الراهنة المرتبطة بـ”تعزيز علاقات الصداقة التقليدية القائمة بين روسيا والمغرب”، لاسيما “تعميق الحوار السياسي حول القضايا ذات الاهتمام المشترك في الشرق الأوسط وأفريقيا”.
ولفت هشام معتضد، الخبير المغربي في العلاقات الدولية والإستراتيجية، في تصريح لـ”العرب” إلى أن “القيادة الروسية واعية تماما بالمكانة الروحية التي يتمتع بها المغرب داخل دول الساحل والصحراء، لذلك تسعى جاهدة للاستفادة من هذا الدور الحيوي من أجل تنزيل خارطة طريقها في أفريقيا بغية الحفاظ على نهجها التنافسي وحضورها الإستراتيجي في القارة”.
وتزامن توقيت اللقاء مع التفاعل الإقليمي مع مبادرة المغرب الأطلسية الرامية إلى تعزيز التكامل الاقتصادي مع دول منطقة الساحل والصحراء، ولهذا يحتاج الروس -مع اهتمامهم المتزايد بالمنطقة- إلى توطيد العلاقة بينهم وبين الرباط.
وارتباطا بتطوير الحضور والنفوذ الروسييْن في دول الساحل أعلنت حكومة بوركينا فاسو في أكتوبر الماضي أنها وقّعت اتفاقا مع روسيا لبناء محطة نووية بهدف تلبية حاجة السكان إلى الطاقة، في بلد لا تصل الكهرباء فيه إلا إلى ربع السكان. كما قام رئيس الحكومة الانتقالية في النيجر علي محمد الأمين زين بزيارة إلى موسكو في سبيل تنويع شراكاتها وإنشاء قنوات تواصل وتحديد المجالات التي سيتم العمل عليها.
ووافقت النيجر على تعزيز التعاون الدفاعي مع روسيا في يناير الماضي، بعدما طردت القوات الفرنسية التي كانت موجودة على أراضيها في إطار مكافحة الجهاديين في منطقة الساحل الأفريقي.
وكان رئيس المجلس العسكري في النيجر الجنرال عبدالرحمن تياني تحدث هاتفيا إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 26 مارس الماضي. وقالت السلطات آنذاك إنهما بحثا مسألة التعاون الأمني و”التعاون الإستراتيجي” في مواجهة “التهديدات الراهنة”.
وكانت النيجر على مدى أعوام شريكة لدول غربية أبرزها فرنسا في مواجهة التنظيمات الجهادية بمنطقة الساحل. لكنها بدّلت وجهتها نحو روسيا منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم أواخر يوليو الماضي.
وانضمت النيجر إلى جارتيها مالي وبوركينا فاسو لتشكيل قوة مشتركة في مواجهة التنظيمات الجهادية. ولا تزال النيجر تستضيف على أراضيها زهاء ألف جندي أميركي، إلا أن تحركاتهم باتت مقيّدة.
وفي مارس الماضي أعلنت النيجر إلغاء اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة “بمفعول فوري”. وأكدت وزارة الداخلية في نيامي أن واشنطن ستقدم “مشروعا” بشأن “ترتيبات انسحاب” قواتها المنتشرة في النيجر.