عبدالباري فياض
مسلسل تدمير شامل تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين. تل أبيب لم تشبع من المجازر اليومية التي ترتكبها ضد شعب غزة، فراحت تدمر عوامل المناخ على أرض فلسطين حيث استخدمت في حربها الشعواء غازات ممنوعة ومحرمة دوليا نتجت عنها انبعاثات كربونية تسببت في ظاهرة الاحتباس الحراري وأدت إلى تلوث بيئي وتغير خارطة المناخ.
وأكثر ما أثار الجدل هو ما ذكرته دراسة بريطانية حديثة، كشفت أن الشهور الأولى للحرب على غزة أنتجت كميات هائلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، أكثر مما تنتجه 20 دولة معرضة لتغير المناخ في عام واحد. ورغم ذلك مازال الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جرائم إبادة غير مسبوقة على الشعب الفلسطيني في غزة، فيقصف المنازل والمستشفيات والمساجد والكنائس ويستمر في قتل المدنيين الأبرياء، كما يدمر الأخضر واليابس ويحرق أشجار الزيتون ويحرق المحاصيل الزراعية دون التقيد بمواثيق دولية أو بمبادئ حقوق إنسان.
ممارسات الاحتلال السادية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك انعدام العدالة البيئية في الأراضي المحتلة، خاصة في قطاع غزة، حيث تصر إسرائيل على تدمير الحياة وقطع الكهرباء والمياه الصالحة للشرب والوقود والإمدادات الغذائية مما أدى إلى وضع كارثي إنساني وبيئي في قطاع غزة لم يشهده أحد في التاريخ، ولن يتكرر.
ممارسات وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي البيئية أثرت بالتأكيد على البيئة المناخية في غزة وفلسطين، وكذلك على الدول المجاورة لها، فمنذ بداية بناء المستوطنات الإسرائيلية وهي تلقي حوالي 250 ألف طن سنويا من النفايات الصلبة في الأراضي الفلسطينية، وتسبب ذلك في انتشار الأمراض التنفسية وكذلك الأورام السرطانية بين الفلسطينيين، هذا بجانب المكبات الإسرائيلية العشوائية في مناطق التجمعات السكانية وحرق النفايات في المناطق الفلسطينية، فكل هذا كان ولا يزال يسبب تلوث الهواء والتربة ونشر الأوبئة.
أليس من حق الشعب الفلسطيني أن ينعم بحياة طبيعية هادئة بعيدا عن بارود إسرائيل وحربها الشعواء ضد الإنسان والبيئة والحيوان والنبات؟
كذلك بنت إسرائيل أكثر من مئتي مصنع بالقرب من المناطق السكنية في غزة والضفة، وكذلك في الكيبوتس الجديدة المنتشرة بأرجاء فلسطين، واستخدمت مقالع المواد الإشعاعية الملوّثة، هذا بجانب الصناعات الكيمياوية والعسكرية السرية وغيرها، والتي تنتج بدورها مواد سامة مثل الألمونيوم والرصاص والزنك والنيكل، وهي مواد ملوّثة للتربة والمياه والهواء وتنشر الأمراض هناك.
في إحصائية لمرصد “إيرو – ميد” لحقوق الإنسان، ذكر أن إسرائيل أسقطت أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، أي ما يعادل قنبلتين نوويتين، مما أدى إلى مستويات غير مسبوقة من الدمار ومن التدهور البيئي، كتلوث التربة والهواء والمياه والمحاصيل الزراعية، وهذا بالتأكيد يخل بالحياة البيئية في قطاع غزة وفلسطين ككل، ويضع العدالة البيئية في مأزق.
هذا كله بخلاف تصريحات وزير التراث الإسرائيلي المتطرف عميحاي إلياهو، الذي أكد أن أحد خيارات إسرائيل في الحرب هو “إسقاط قنبلة نووية” على قطاع غزة الفلسطيني، معتبرا أن تقديم المساعدات الإنسانية للقطاع سيشكل “فشلا”، وأن الهجوم النووي على قطاع غزة “خيار محتمل”، ما يؤكد على تطوير إسرائيل أسلحتها وذخائرها الذرية باستخدام مادة اليورانيوم، وتجرّبها على المواطنين والمواطنات والأراضي الفلسطينية، ما يسبّب أضرارا على الصحة العامة ويسهم بانتشار مرض السرطان بمختلف أنواعه ويزيد من التشوّهات الخلقية عند الأجنّة ومن الأمراض المزمنة ويضرب العدالة المناخية في مقتل.
بالتأكيد ما تمارسه دولة الاحتلال يعتبر خرقا واضحا وصريحا لاتفاق باريس بشأن المناخ، والذي نص على تعهّدات وطنية للدول بخفض انبعاثات غازات الدفيئة، مع وجود آليات أخرى مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة بشأن المناخ، ومن الواضح أنه لن تحدث أي عدالة مناخية في فلسطين إلا بوقف الحرب وتنفيذ مقترح حل الدولتين وشيوع السلام في المنطقة.
في النهاية، أليس من حق الشعب الفلسطيني أن ينعم بحياة طبيعية هادئة بعيدا عن بارود إسرائيل وحربها الشعواء ضد الإنسان والبيئة والحيوان والنبات؟
نقلاً عن العرب اللندنية