كريتر نت – متابعات
مع تزايد التغيرات الجيوسياسية، تعمل روسيا على توسيع نفوذها بشكل مطرد من خلال القيام باستثمارات اقتصادية، وإنشاء قواعد عسكرية غير رسمية، وبيع الأسلحة إلى البلدان الأفريقية.
ويقول كيستر كين كلوميغا، الباحث في الشؤون الأفريقية، في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي إن نظرا لعدم الاستقرار المزمن في معظم أنحاء أفريقيا والاهتمام الكبير بالحصول على المعدات العسكرية لمعالجة المشاكل الأمنية المتزايدة، فقد خُلقت ظروف سوق قوية لروسيا لتنويع صادراتها من الأسلحة نحو أفريقيا.
ويضيف كين كلوميغا أن الافتقار إلى الأموال الكافية جعل البلدان الأفريقية الفقيرة تنخرط في نظام المقايضة، وشراء الأسلحة مقابل الوصول إلى الرواسب المعدنية والموارد الطبيعية.
وفي الرابع والعشرين من يناير، استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس التشادي الانتقالي محمد إدريس ديبي خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الأخير إلى موسكو. وتمثل زيارة محمد ديبي لروسيا ثاني رحلة يقوم بها زعيم الدولة غير الساحلية الواقعة في وسط أفريقيا منذ استقلالها عن فرنسا وأول زيارة رسمية لموسكو يقوم بها زعيم تشادي منذ 56 عاما.
ووفقا لنص نُشر على موقع الكرملين على الإنترنت، قال بوتين إن البلدين لديهما “فرص كبيرة لتطوير علاقاتنا الثنائية”، وأن موسكو ستضاعف حصة الطلاب التشاديين الذين يدرسون في الجامعات الروسية.
وتأتي زيارة ديبي بعد أسبوع على زيارة رئيس وزراء النيجر الذي عينه المجلس العسكري أيضا لموسكو. وتتقرب روسيا من النيجر منذ أن أطاح انقلاب يوليو 2023 بالحكومة الموالية للغرب هناك.
الافتقار إلى الأموال جعل البلدان الأفريقية الفقيرة تنخرط في نظام المقايضة: السلاح مقابل الموارد الطبيعية
وفي النيجر وبوركينا فاسو، جلبت الانقلابات إلى السلطة حكومات عسكرية انفصلت عن فرنسا وتحولت بدلا من ذلك نحو روسيا. ومع ذلك، كان يُنظر إلى تشاد على أنها معقل دائم للنفوذ الفرنسي في أفريقيا، حيث كان نفوذ موسكو هناك محدودا للغاية مقارنة بجيرانها.
وفي تصريحات تلفزيونية مقتضبة في وقت سابق، قال بوتين إن روسيا سعيدة بأن محمد ديبي نجح في استقرار الوضع في البلاد، وإنها مستعدة للمساعدة بأي شكل من الأشكال. وأضاف “نحن نحاول تقديم الدعم لبلدكم في الأمم المتحدة، بما في ذلك الدعم الإنساني”.
وتحتل تشاد مرتبة قريبة من القاع في أفريقيا من حيث التنمية الاقتصادية، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية 1800 دولار فقط، وفقا لبيانات البنك الدولي، وتحتل المرتبة 181 بين 189 دولة على مستوى العالم.
ومع ذلك، وفقا لحسابات شركة النفط الكبرى بي.بي، تمتلك البلاد 1.5 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة. وحلت شركة CNPC الصينية محل شركات النفط الكبرى شيفرون وبتروناس وإكسون، التي كانت تعمل في التنقيب عن النفط وإنتاجه في حقول النفط في البلاد قبل خروجها بسبب سياسات الحكومة التشادية.
ويقول نيكولاي شيرباكوف، الباحث الرئيسي في معهد آسيا وأفريقيا بجامعة موسكو الحكومية، إن رحلة محمد ديبي إلى موسكو تحركها دوافع عملية.
ويوضح الخبير أن تشاد نظرا إلى أنها تشهد قدرا كبيرا من عدم الاستقرار، مع وقوع اشتباكات بين قوات الحكومة التشادية ومسلحين يمثلون مجموعات عبر الحدود، تسعى نجامينا إلى تنويع علاقاتها مع القوى التي يمكن أن تساعدها في معالجة هذه المشكلة.
على مدى السنوات الماضية، كان تعزيز التعاون العسكري التقني جزءا من السياسة الخارجية للاتحاد الروسي.
ووفقا لأندريه ماسلوف، مدير معهد آسيا وأفريقيا في جامعة موسكو الحكومية، تدرك نجامينا أن ضمان الاستقرار في منطقة الساحل دون الحفاظ على العلاقات مع روسيا سيكون أمرا صعبا.
وأشار إلى أنه بينما تظل فرنسا الضامن الرئيسي للاستقرار في المنطقة، فإن فرص باريس ليست بلا حدود.
وقال الخبير لوكالة تاس للأنباء “لم تفكر تشاد بعد في طرد القوات العسكرية الفرنسية من البلاد ومن غير المرجح أن تفعل ذلك، لكن نجامينا مهتمة بإقامة تعاون عسكري مع موسكو”.
وإلى جانب ما سبق، يحتاج القطاع الزراعي في تشاد إلى الأسمدة الروسية، وتحتاج البلاد إلى اللقاحات والغذاء. وأضاف ماسلوف أن البلاد مهتمة أيضا بالاستثمارات الروسية في مجمع الوقود والطاقة.
وأكد الخبير أن محمد ديبي كان يسعى من خلال زيارته لموسكو إلى تعزيز سلطته على المستوى المحلي، حيث إن المشاعر المؤيدة لروسيا قوية في المجتمع التشادي.
وخلص إلى أن “محمد ديبي يظهر أنه ليس دمية فرنسية وأنه يطور علاقات مع شركاء بديلين”.
وقال شيرباكوف إن موسكو من جانبها تسعى إلى تطوير العلاقات في الاتجاه الأفريقي لتعويض خسائر سياستها الخارجية على مسارات أخرى، وهو ما يعد جزءا من إستراتيجية بناء سلسلة من الشراكات عبر الجنوب العالمي.
ومع نشر 100 مستشار عسكري ومدرب في أواخر يناير في بوركينا فاسو، أشار ذلك إلى طموح روسيا لإنشاء قواعد عسكرية في أفريقيا.
وتحظى جمهورية أفريقيا الوسطى بدعمها العسكري منذ عام 2017، وتعزز روسيا الأمن في جمهورية مالي.
وقالت مبادرة أفريقيا، وهي جماعة موالية لروسيا، في بيان على تطبيق تليغرام، إن “المتخصصين العسكريين” المدججين بالمعدات والأسلحة اللازمة سيقومون بتدريب القوات البوركينابية والقيام بدوريات في المناطق الخطرة عبر منطقة الساحل والصحراء.
وعلى مدى السنوات الماضية، كان تعزيز التعاون العسكري التقني جزءا من السياسة الخارجية للاتحاد الروسي.
وكثيرا ما أوضحت وزارة الخارجية الروسية في تصريحات نشرتها على موقعها الإلكتروني، أن التعاون العسكري الفني لروسيا مع الدول الأفريقية يهدف في المقام الأول إلى تسوية الصراعات الإقليمية ومنع انتشار التهديدات الإرهابية ومحاربة الإرهاب المتزايد في القارة.
وإلى جانب عدم الاستقرار، تعاني بلدان الساحل والصحراء من مشاكل اجتماعية واقتصادية مختلفة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى نظام الحكم والسياسات الضعيفة تجاه التنمية المستدامة.