كريتر نت – متابعات
يراقب المحللون تزايد تأثير روسيا والصين على الاستثمارات النفطية في العراق أحد أهم ركائز الشرق الأوسط وقلب احتياطاته من الوقود الأحفوري، ما يشكل تحديا للشركات الغربية في مكامن يُعتبر السيطرة عليها ميزة جيوسياسية وتنافسية مهمة.
وحظيت شركة لوك أويل الروسية العملاقة باتفاقية جديدة مع الحكومة العراقية لتطوير أحد أكبر الحقول النفطية بالبلاد، في خطوة تأتي ضمن توجه بغداد لتوسعة قدراتها من الخام وتعزيزها.
وأبرمت لوك أويل منذ أكثر من أسبوع اتفاقا مع شركة نفط البصرة لتمديد عقد الخدمات النفطية في حقل غرب القرنة 2 لمدة عشر سنوات حتى 2045 مع مضاعفة الإنتاج.
ويقع الحقل على بعد 65 كيلومترا شمال غرب ميناء البصرة الجنوبي وتبلغ احتياطاته القابلة للاستخراج 43 مليار برميل.
ويبلغ هدف إنتاج حقل غرب القرنة 2 البالغة احتياطاته 14 مليار برميل في المرحلة الأولى 120 ألف برميل يوميا.
وسيضيف الحقل في المرحلة الثانية نموا إنتاجيا إضافيا يبلغ 480 ألف برميل يوميا، من تكوين المشرف، الذي يمثل 10 في المئة من إجمالي إنتاج العراق من الخام، و15 في المئة من صادراتها.
وستركز المرحلة الثالثة على تكوين اليمامة الأعمق الذي يتوقع أن ينتج 350 ألف برميل يوميا مع بدء تشغيل مرافق معالجة النفط والغاز وإنشاء خطوط أنابيب للتصدير.
وكان الهدف في الأصل يكمن في إضافة 650 ألف برميل يوميا أخرى إلى مزيج الإنتاج، وبلوغ نحو 1.8 مليون برميل يوميا.
ووفقا لتعليقات لوك أويل الأسبوع الماضي، يبدو أن هذا الهدف قد انخفض الآن إلى 800 ألف برميل يوميا في الوقت الحالي.
وعلى عكس التعليقات السابقة الصادرة عن الشركة بشأن الإنتاج في الحقل، من المرجح أن تكون تأكيدات الشركة الروسية بمضاعفة الإنتاج بمرور الوقت صحيحة، وفقا لمصدر كبير يعمل بشكل وثيق مع وزارة النفط العراقية.
وذكرت مصادر لمنصة أويل برايس الأميركية الأسبوع الماضي أن “هناك ضغطا مستمرا من روسيا والصين للمساعدة في إزالة آخر عناصر الاستقلال عن كردستان العراق وتوحيد البلاد تحت حكم بغداد، مما يعني إدارة مشاريع النفط والغاز من الجنوب”.
ولذلك يرى سيمون واتكينز الكاتب في منصة “أويل برايس” أن الروس سيفعلون هذه المرة ما وعدوا به في ما يتعلق بإنتاج غرب القرنة 2.
ومنذ مطلع 2018 إلى حدود الأسبوع الماضي، كانت الحقائق المتعلقة بإنتاج النفط من حقل غرب القرنة موضع جدل كبير بين وزارة النفط العراقية والشركة الروسية.
43 مليار برميل حجم احتياطات حقل القرنة ككل والواقع شمال غرب ميناء البصرة الجنوبي
وشعرت لوك أويل منذ فترة طويلة بالظلم بسبب الرسوم الضئيلة التي كانت تُدفع لها مقابل كل برميل مستخرج والبالغة 1.15 دولار قياسا بنحو 1.9 دولار تتلقاها إكسون موبيل في غرب القرنة 1 والذي يسجل نفس تصنيف صعوبة الاستخراج الجيولوجي.
ويقول واتكينز إن في حقيقة الأمر، ليست الجيولوجيا عائقا، حيث تقل “تكلفة الرفع” للبرميل في الحقلين عن دولارين، وذلك استنادا لوكالة الطاقة الدولية.
وكشفت اختبارات الطاقة الإنتاجية القياسية للوك أويل في 2018 عن سهولة وصولها إلى 635 ألف برميل يوميا من الحقل دون جهود أو تكلفة كبيرة.
لكنها لم تخبر العراقيين بذلك، لأنها أرادت إعادة التفاوض على معدل سعر البرميل أولا. واكتشفت بغداد الأمر وأمرت لوك أويل بالبدء في الحفر بكامل طاقتها وهو ما رفضته الشركة الروسية ما تسبب في مواجهة بين الطرفين.
وأمكن الاتفاق على التنازلات بعد زيارة الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى لوك أويل ووزارة النفط العراقية.
ووافقت وزارة النفط على تمديد إطار عقد لوك أويل الزمني مستقبلا، مما يقلل التكلفة اليومية لكل برميل من النفط المسترد. كما يمكّن هذا الشركة الروسية من زيادة حصتها من 75 إلى 80 في المئة.
لوك أويل ستطور تكويني المشرف واليمامة بينما تنضم تشونغمان إلى قائمة الشركات الصينية العاملة في القرنة 2
ووافقت لوك أويل من جهتها على استثمار مبلغ إضافي قدره 1.4 مليار دولار على المدى القصير و3.6 مليار دولار أخرى في المستقبل، اعتمادا على متغيرات تشمل حصص أوبك، ومستويات الصادرات الإيرانية، والتطوير المستمر لقدرة التصدير في الجنوب.
وفي خضم ذلك أصدرت بكين تعليمات للمقاولين الصينيين في حقل غرب القرنة 2 وما حوله بتسريع أعمال الحفر.
وسبق أن اتفقت شركة بوهاي الهندسية لحفر الآبار قبل خمس سنوات مع وزارة النفط على حفر 28 بئرا جديدة في الحقل قبل 2021، لكن التقدم كان بطيئا.
وشهد الأسبوع الماضي أيضا إضافة شركة تشونغمان الصينية للطاقة إلى قائمة الشركات الصينية الطويلة، التي وافقت دائرة العقود والتراخيص البترولية على نشاطها في أعمال التنقيب والتطوير والحفر في الحقول العراقية.
ويؤكد واتكينز أن بكين استغلت المشاريع “التعاقدية فقط مثل التخزين والصيانة والتكنولوجيا وما إلى ذلك في العراق للتهرب من رادار الولايات المتحدة”.
وبينما لا يزال حضور الأميركيين واسعا في العراق، قد تعني تحركات الصين الأخيرة في البلاد نهاية نهجها السري في المنطقة.
وسيعزز تكثيف النشاط الروسي والصيني في أحد أكبر حقول النفط والغاز المصاحب في العراق أنشطتهما في أماكن أخرى من البلاد، بما في ذلك حقل غرب القرنة 1 العملاق المجاور.
وفي ظل الاحتياطات الكبيرة القابلة للاستخراج في كامل مكمن نفط غرب القرنة العملاق، يُعتقد أن غرب القرنة 1 يحتوي على نحو 9 مليارات برميل من هذه الاحتياطات.
وذكرت وزارة النفط العراقية في 2019 أن احتياطيات الحقل تزيد عن 20 مليار برميل. وحددت أن الخطط تهدف إلى زيادة طاقة الإنتاج من 520 ألف برميل يوميا إلى أكثر من 700 ألف برميل يوميا بحلول نهاية 2025.
وتسعى إكسون موبيل منذ سنتين إلى بيع حصتها البالغة 32.7 في المئة. وصدر بيان مؤخرا عن وكيل مدير عام شركة نفط البصرة حسن محمد قال فيه إن اتفاق تسوية مع الشركة الأميركية العملاقة “قد وُقّع لتمكينها من الخروج من حقل غرب القرنة 1”.
ويعتقد المحلل واتكينز أن في هذا فائدة للصين وروسيا لثلاثة أسباب رئيسية، أولها أن انسحاب إكسون سيسمح للصين وروسيا بالاستيلاء الكامل على خزان نفط غرب القرنة 1 و2، حيث تمتلك بتروتشاينا بالفعل حصة تبلغ 25 في المئة في غرب القرنة 1.
أما السبب الثاني فإن خطوة كهذه ستؤدي إلى تنحي منافس تجاري وجيوسياسي كبير من حقول النفط العراقية ككل، ما يسمح للشركات الصينية والروسية بمواصلة توسعها في جميع أنحاء البلاد.
وفضلا عن ذلك، سيتنازل منافس قديم لشركة البترول الوطنية الصينية في ما يتعلق ببناء المشروع المشترك لإمدادات مياه البحر الذي يتضمن نقل مياه البحر من الخليج العربي إلى مرافق إنتاج النفط الرئيسية مثل الرميلة لزيادة الضغط والحفاظ على الإنتاج.
ويعتبر هذا المشروع ضروريا لوصول العراق إلى هدف إنتاجه البالغ 8 ملايين برميل يوميا بحلول 2028.
ويندرج ضمن صفقة ضخمة ذات أربعة محاور بقيمة 27 مليار دولار. ويشمل شركة توتال أنيرجيز الفرنسية، لكن الأمور، بحسب واتكينز، يمكن أن تتغير بسرعة كبيرة في العراق، خاصة في ما يتعلق بالمصالح الصينية والروسية.