القاهرة – أحمد جمال
أثار احتفال نظمته الطائفة اليهودية في مصر بمناسبة رأس السنة العبرية لأول مرة منذ ما يقرب من 70 عامًا بعد أيام قليلة من إعادة افتتاح معبد “بن عزرا” بالقاهرة، تساؤلات عديدة حول أبعاد موقف مصر من يهود حازوا جنسيتها والرسائل التي بعثت بها في ظل انفتاحها على مطالب جالية يهودية صغيرة.
وتركزت مطالب الطائفة اليهودية في مصر على إتاحة ممارسة شعائرهم الدينية والاهتمام بالتراث الذي يتواجد في مناطق متفرقة، وهو ما استجابت له الحكومة المصرية عبر تدشين خطة لإعادة ترميم الآثار اليهودية وفتحت المجال أمام عودة يهود حصلوا على جنسيتها عبر دعاوى رسمية وجهها مسؤولون حكوميون
ويقدر عدد اليهود الذين يعيشون على الأراضي المصرية حاليا بنحو عشرة أفراد، حسب ما ذكرته سابقا رئيسية الطائفة ماجدة هارون، ولم تقم صلاة لهم بمصر منذ سنوات طويلة، حيث تتطلب شعائر إقامة ألا يقل عدد المصلين عن عشرة رجال فوق 13 عاما.
أيمن نصري: إتاحة الحريات الدينية يخدم الأمن القومي المصري
واحتفلت الطائفة اليهودية برأس السنة العبرية الجمعة في كنيس هليوبوليس بحي مصر الجديدة (شرق القاهرة)، ونشرت صفحة الطائفة على فيسبوك صورا من حفل شارك فيه عشرات من دون توضيح هوية الحضور.
واعتبرت هارون في تصريحات إعلامية أن الحكومة المصرية أصبحت تهتم بالطائفة ووجودها، وسمحت هذا العام بحضور عشرات من اليهود الساعين للاحتفال، مشيرة إلى وجود دلائل عديدة على الاهتمام بأوضاع اليهود، من بينها تطوير وترميم معابد خاصة بهم، والسماح لهم بإقامة احتفالات دينية، ما يعد رسالة إيجابية ومبشرة لليهود الراغبين في العودة إلى ديارهم (مصر) مرة أخرى.
واستهدفت القاهرة التأكيد على أنها تولي اهتماماً بتحسين سجل الحريات الدينية، والذي يحظى بترحيب أميركي ويواجه منغصات جراء اتهامها بحدوث انتهاكات، ولذلك تتعامل مع هذا الملف كأحد أوجه تحسين ملفها الحقوقي بوجه عام، وأنها منفتحة على الأديان والثقافات بما لا يشكل تهديداً على أمنها القومي ويساهم في تطبيق مبادئ مواطنة تخدم حالة الاستقرار الداخلي في ملف العلاقة بين المسلمين والأقباط.
وتُصدر السفارة الأميركية في القاهرة سنويًا تقريرا حول الحريات الدينية، يسلط الضوء على تطورات الملف ويبرز وقائع يرى أنها تشكل انتهاكاً للحريات الدينية.
وتدرك القاهرة أن التقرير الأميركي يحظى بمتابعة قوية لدى دوائر غربية ترسم صورة قاتمة عن الحريات العامة في مصر، وتعمل الحكومة المصرية على تحسين الصورة عبر الانفتاح على الجالية اليهودية للتخفيف من حدة ضغوط تواجهها من قبل واشنطن، وتعلم أن جانبا من هذه المطالب يكون مدعوما برغبة أميركية – إسرائيلية.
وقال التقرير الأخير الصادر عن السفارة الأميركية “إن اللقاءات التي عقدها سفير الولايات المتحدة وممثلو السفارة بمسؤولين حكوميين وزعماء دينيين تطرقت إلى تخوفات من تغييرات مرتقبة في قانون الأحوال الشخصية بمصر، وعدم الاعتراف القانوني بالأقليات الدينية، والإبلاغ عن مضايقة المتحولين إلى الدين، والاستمرار في استخدام التسميات الدينية على بطاقات الهوية الوطنية”.
وأشاد التقرير باستضافة مصر أول ذكرى ليوم “الهولوكوست”، وحضرته رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) مشيرة خطاب، وممثلون عن الجالية اليهودية وبعض الجامعات والمؤسسات البحثية.
وأكد رئيس المنتدى العربي – الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان في جنيف أيمن نصري أن إتاحة الحريات الدينية لجميع الأديان السماوية أحد أبرز أولويات القيادة السياسية في مصر، وهناك قناعة بأن ذلك يخدم الأمن القومي ويرسخ لعلاقات أكبر مع دوائر خارجية، والأمر لا يخضع لضغوط بقدر ما يعبر عن حرص لممارسة الشعائر الدينية، وتقديم المزيد من رسائل الطمأنة لليهود المصريين للعودة مرة أخرى إلى بلدهم.
وأوضح نصري في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة تدرك بأن الجاليات اليهودية لديها استثمارات كبيرة في الدول التي تتواجد فيها وتسعى للاستفادة من ذلك، كما أن حضورهم يدعم مواقفها أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي يولي اهتماماً بالحريات الدينية إلى جانب السياسية، وأن الإجراءات المصرية البطيئة في ملف الحقوق السياسية تقابله تحركات سريعة بلا قيود في ملف الحريات الدينية.
وأشار إلى أن المنظمات الحقوقية الساعية للعمل في مجال الحريات الدينية لا تجد معوقات في تحركاتها وتستجيب الحكومة المصرية لرغبتها في إقامة أنشطة وفعاليات، وتدرك أن هذا الملف لا يجلب لها صداعا في الخارج، وتقدم إشارات على أنها لا تستهدف التضييق على الحريات، ما يدعم تغيير الصورة النمطية التي مازالت تتعامل مع الأديان الأخرى بالمزيد من التوجس والطائفية.
وتجاوزت مصر مسألة التحريض الطائفي في وسائل الإعلام، واستطاعت أن تغير من خطابها الداعم للمواطنة والتعامل بفاعلية مع أيّ فتنة طائفية وعدم السماح بتمددها، وأن تحييد جماعات الإسلام السياسي المتطرفة منحها الفرصة للانفتاح على نحو أكبر مع مطالب الجالية اليهودية، وأن الاعتبارات الأمنية التي كانت حاضرة في السابق لم تعد حاضرة بالشكل ذاته حاليا.
وأرسلت القاهرة إشارات بأن الأوضاع الأمنية ممهدة لاستقبال زوار المعبد اليهودي بمدينة الفسطاط بوسط القاهرة، والتي تشهد تطويراً شاملاً للاستفادة من عوائد السياحة بالشكل الأمثل، ما يخدم توجهات الحكومة لتوفير العملة الصعبة ويمنحها القدرة على التسويق للسياحة الثقافية والوصول إلى اليهود ممن لديهم رغبة في زيارة المعبد الذي لم يتم ترميمه منذ العام 1991.
وتتزامن التحركات المصرية الحالية تجاه التراث اليهودي مع حملتها الترويجية لمرشحها لشغل منصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو خالد العناني، والذي كان عمل من قبل وزيراً للسياحة والآثار، وأشرف على عملية بدء ترميم المعبد اليهودي.
وتعتقد دوائر حكومية أن خطوة الترميم والاحتفاء باليهود في مناسباتهم تستهدف مخاطبة لوبيات تتكون منهم أو تابعة لهم ولديها حضور قوي في اليونسكو.
وافتتح رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي نهاية أغسطس الماضي أعمال التطوير في معبد بن عزرا، كأحد أهم وأقدم المعابد اليهودية بمصر، وقد أُنشئ في القرن الثاني عشر الميلادي، ويضم مجموعة من الكتب المرتبطة بعادات اليهود وتقاليدهم وحياتهم الاجتماعية في مصر.
وترك غالبية اليهود مصر عقب حرب السويس عام 1956، وازدادت هجرتهم تباعا، وبلغ عددهم نحو 145 ألفاً، وخلفوا عددا من الآثار، شيد معظمها في القرنين التاسع عشر والعشرين.
وأكد أيمن نصري في تصريحه لـ”العرب” أن افتتاح المعبد اليهودي والاحتفال برأس السنة العبرية حملا رمزية مهمة لليهود في الخارج، وأن القاهرة تحتذي بتجربة المغرب في هذا المجال بعد أن استفادت من استثمارات رجال الأعمال الذي عادوا إلى جذورهم، ما انعكس في إشادات من جانب الولايات المتحدة للحريات الدينية في المغرب، وقد تصل القاهرة إلى وضع خطة لإعادة توطين اليهود مرة أخرى.
وأطلقت السفارة الأميركية في القاهرة منذ ثلاثة أعوام مشروعًا للحفاظ على تراث مقابر اليهود في منطقة البساتين (جنوب القاهرة)، وتضم عددا من أقدم مقابر اليهود في العالم، بتمويل من صندوق سفراء الولايات المتحدة للحفاظ علي التراث الثقافي، بهدف إلقاء الضوء على التنوع التاريخي والتعددية الثقافية في مصر.
المصدر العرب